وقفة موسيقية مع الفنان داوود عدواني
وقفة موسيقية مع الفنان داوود عدواني....؟!
حسين أحمد
[email protected]
يعد داود عدواني من الفنانين الكرد الذين تميزوا بعزفهم على آلة البزق، وأبدعوا في الغناء و العزف بل حركوا بقوة المشهد الموسقي الكردي العام في " الجزيرة " السورية منذ ما يناهز ثلاثة عقود من الزمن .ولقد استطاع بفنه الجميل وبصوته الساحرأن يخدم الفن الكردي برصيد خمسة عشر كاسيتاً و مئتي أغنية, فهو فنان متعدد المواهب : يلحن، ويغني، و يعزف، بالإضافة إلى انه يكتب الشعر الغنائي .. انه فنان يكاد ان يكون شاملا ولديه أسلوب قريب إلى مدرسة :محمد عبد الكريم , وسعيد يوسف,
والفنان البناني مطر محمد.
هو من مواليد عامودا( 1957) ينتمي إلى عائلة ريفية مكونة من أربعة إخوة وهو الأصغر بينهم حيث قدم مع عائلته إلى مدينة عامودا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي, عاش الفنان داود عدواني يتيم الوالدين. لان القدر كان له بالمرصاد, فجدته هي التي كانت المدرسة الأولى التي تعلم فيها وهي التي كانت بمثابة والديه , المشرفة والمربية على رعايته .
كان في العاشرة من عمره حيث استمع الى اسطوانة الفنان سعيد يوسف التي جلبته له شقيقه الأكبر من بيروت.. فاستمع إليها مرات عديدة لأنها كانت الاسطوانة الوحيدة التي دخلت إلى بيته آنذاك ، فتعلق بها أيما تعليق, وحين استفسر عن صاحبها قال له شقيقه بأنه الفنان سعيد يوسف, فتعلق بموسيقاه وبكلماته مما شده أن يتابع باستمرار الاستماع إلى أغانيه. فكان يردد في نفسه هل سيأتي يوم وأصبح فيه بمستوى هذا الفنان اغني واعزف مثله.
لقد لعب القدر دوره في ان يختار الة البزق كونه عندما فتح عينيه على الحياة والموسيقى وجد هذه الآلة في بيته ,وهي كانت بحوزة شقيقه الأكبر. وعندما كان يعزف عليه شقيقه كان يحس بحنان ودفء رغم فقدانه للحنان والدفء منذ نعومة أظفاره , ولم ينكر يوما انه تأثر بمدرسة الفنان سعيد يوسف وفنه ولا يزال متأثرا إلى الآن ، لانه وجد فيها مدرسة عظيمة استمرت لعدة عقود وحتى يومنا هذا , مما أكد له بأنه ليس هو الوحيد الذي تابع هذه المدرسة واستمر فيها، إنما الكثيرون مثله تابعوا تلك
المدرسة كما أكد أيضا بأنه مدين للفنان سعيد يوسف.وحين سال في إحدى اللقاءات عن خصوصيته أجاب: إنني حاولت ولازلت أحاول أن افتح نافذة خاصة لفني ولأسلوبي، ولكن لم يكن باليد حيلة ، وهذا قدري أن صوتي ينطبق تماما لصوت الفنان سعيد يوسف. ولكن بالمقابل لي عدة نتاجات وحاولت أن أجدد أو أساهم في تجديد موسيقاي، ومنها كانت كاسيتي الذي أعتبره مميزا وله خصوصيته وتم توزيعه باسم الفنان المرحوم محمد شيخو.
لقد شارك الفنان داود عدواني في أحياء حفلات وأعراس شعبية كثيرة في مدينة " عامودا " وفي باقي مدن وقرى المحافظة ، ومنها حفلة في المسبح البلدي بالحسكة مع الفنان رمضان نجم أومري ، وأيضا أسس فرقة موسيقية للفلكلور الشعبي و كانت متخصصة بالدبكات الشعبية، ولم تدم هذه الفرقة طويلا ، إنما كانت تجربة رائدة قام بها في مدينته عامودا ..بالرغم من الظروف والصعوبات القاسية التي عاشها الفنان داود عدواني إلا انه لم يترك عمله كفنان ، ولا يزال متابعا لفنه وعزفه اللذين يعتبرهما
مدرسة دافعة في ذاكرة الأيام. وما يزال من الناس الذين يهتمون بالموسيقى الكلاسيكية لأنه رى فيها أصالة ثرية التي يعتز بها، وينطبق المثل القائل " أن لم يكن لك ماض فلن تستطيع أن تنجز حاضرا " .
فنحن في زمن وللأسف الأغنية الهادفة اصبحت تنهار شيئا فشيئا. مثال على ذلك، نجد ان أغاني كثيرة و بموسيقا صاخبة تتوزع هنا وهناك ولفترة وجيزة حتى تصبح في عالم النسيان، إنما هناك أغاني كثيرة رحل أصحابها وهي باقية تتجدد يوما بعد يوم لدى الناس الذين يتذوقون الفن ويهتمون بالموسيقا والتراث، مثال على ذلك هناك أغان كثيرة التي ما تزال على مسامعنا دائما مثل محمد عارف جزراوي ، عيسى برواري ، رفعت داري ، يوسف جلبي. هؤلاء هم الذين كان لهم الأثر في بقاء الفلكلور والتراث
بحالة جيدة ونقية وصادقة.
أما بخصوص الكاسيت الذي حدث الجدال عنه في الوسط الفني ... ذكر لنا الفنان داود عدواني بأنه كان مقصودا أن يسجله بدقة التفاصيل والتقليد هذا ، وعندما يسمعه أحد الاختصاصيين لا يستطيع أن يميز ما بين صوته وصوت الفنان سعيد يوسف. ويكرر أنني عندما أستطيع أن أقلد فنان مثل سعيد يوسف بدقة متناهية هذا فن ممكن. فهناك مثل يقول : من شب على شيء شاب عليه.
في الحقيقية انه تفنن بأحاسيسه ورؤياه الفنية على مدرسة الفنان سعيد يوسف ولأنه أحبها كثيراً و عشق هذه المدرسة الموسيقية. واستمر طويلا وهو يقلد كما أطلق عليه الوسط الفني ، إنما هو لا يراه تقليدا ، كون نبرات حسه صدفة أنها تشبه كلاسيكية سعيد يوسف. إنما هو يسعى دائما أن يشق له طريقا أكثر خصوصية.
لقد رافق الفنان داود عدواني ثلاثون عاماً آلته الموسيقية وهو ويغني ويعذف ,ولكن لم يتضح له مهما تعلم فهو لا يزال يتعلم، والعزف السماعي الذي يمارسه هو أيضا فن ولكن اتضح له بان الفنان يجب عليه أن يدرس الموسيقا بشكل علمي وأكاديمي وبقواعد فنية صحيحة، رغم انه يعزف بشكل سليم وجيد و بتقنية عالية. ولكن عندما يطلب منه أن يعزف على " النوتة " يجد نفسه عاجزا عن تحقيق هذا المطلب. وكانت أمنيته ان يتعلم بشكله الصحيح , تمكن طيلة هذه الأعوام أن يسجل خمسة عشر كاسيتا بحدود
200 أغنية، قسم منها كانت كلماتها للشاعر الكبير جكرخوين رحمه الله، وقسم آخر لأخيه الأكبر عبد الرحمن، وأيضا منها للشاعر بريندار، ومنها من كلماته وألحانه .فقد أكد في إحدى لقاءاته الصحفية إن الموسيقا الكردية لها خصوصيتها ولها إيقاعها ومقامها كونها تمازجت مع الطبيعة ومع مشاق الحياة البراري والجبال، ومع راهن مختلف تماما من راهن الغربي بصخبه. ، ونجد امثلة على ذلك المعزوفة التي وجدت في حفريات نينوى على رقيمات فخارية والتي قام بتوزيعها الدكتور حسين زادة، فهي خير دليل على خصوصية
الواقع الكردي. والفلكلور الكردي والتراث الكردي بدون شك ضائع و بسبب عدم حماية الملكية للتراث والفلكلور، وبالتالي نجد انتهاكا لحقوق الغير. وهذا نجد أكثر الأغاني الكردية بألحانها سرقت وتغنت بلغات أخرى وصنفت لهم على أساس إنها من فلكلورهم الشعبي، ومثالا على ذلك نجد ان الأتراك وغيرهم أخذوا هذه الألحان الكردية وتغنوا بها لأنهم يملكون مؤسسات قوية وبإمكانيات اقتصادية. وهناك أغنية لي بعنوان : ( دستي خوة بده دستي من) (destê xwe bide destê min
) أخذها المطرب العراقي صلاح عبد الغفور وغنى عليها أغنيته " شلونك عيني شلونك " ، وأيضا أغنية بعنوان " زهرة " غناها المطرب الكردي سلام يوسف بألحانها وكلماتها. وأقول هذا لاعن فراغ وإنما لدي دلائل تثبت هذه الواقعة.
كلمة أخيرة قالها الفنان داوود عدواني في لقاء خاص معه:
ارجو أن يكون لنا نقابة فنية تجمع كل أفكارنا وتراثنا وتعمل على الحفاظ عليه، وعلى حماية حقوقنا كفنانين وكمطربين.