مسرحية هيدا غابلر
زكية خيرهم
كاتبة مغربية مقيمة في النرويج
استغرقت مسرحية هيدا غابلر في المسرح الوطني بأسلو ما يزيد قليلا عن ساعة، إلا أن الممثلة المقتدرة بيترونيلا باركر استطاعت أن تقدّم للمشاهد صورة متكاملة عن هيدا، أما انتاج المخرج ايريك ستوبو فقد كان قويّا ومكثّفا.
مسرحيات ابسن مازالت تتحدث إلينا نحن الذين نعيش اليوم رغم أنها كتبت في النصف الأخير من القرن الثامن عشر، لأنها تكشف عن معاني في الحياة. كيف على الفرد أن يعيش رجلا كان أو امرأة ليكون للحياة معنى، حيثما نعيش وبغض النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية التي نعيش تحت ظلها. يقول ابسن في خطاب جادل فيه قائلا، أن المرأة يجب أن يكون لها حرّية الوصول إلى رابطة الدول الاسكندنافية في روما. وأن الشباب لديهم غريزة رائعة، والتي بطريقة لا ارادية يصيبون الشيء الصحيح. وهذه الغريزة بالضبط عند المرأة كما هي عند الشباب ومع الفنانين الحقيقين." لم أعد أخشى على النساء أو على الشباب كما على الفنانين الحقيقيين. لكن ما أخشاه وحدة ذكاء رجل عجوز وسط أولئك الرجال بمسؤولياتهم الصغيرة وأفكارهم المحدودة، رجال باهتمامات تافهة وهموم صغيرة. هؤلاء الرجال يتكيّفون كلّيا مع أفكارهم وكل الاجراءات التي يتّخدونها ليس إلا لتحقيق بعض من أغراض لشخصيتهم الصغيرة. لم يكن أبسن عضوا في اي منظمة حقوقية للمرأة في النرويج ولا خارج النرويج. لقد كان شاعرا وفيلسوفا اجتماعيا يهتم بالقضايا الإشتراكية والنسائية وحالة الروح الإنسانية بشكل عام. فلو كانت مسرحية بيت الدمية تتحدث عن حقوق المرأة وليس أكثر من ذلك لماتت المسرحية منذ سنوات عديدة. حينها تكون المسرحية دعاية أكثر من أن تكون فنّا. بل يمكن القول أن موضوع المسرحية هو حق من حقوق الانسان والالتزام لتعليم أنفسهم وليدركوا أنفسهم وفقا لذلك، وذلك ما كتب ابسن طوال الوقت. العالم النفساني سيجموند فرويد، درس بعناية العديد من مسرحيات ابسن واستخدمها لتبرير نظرياته في التّحليل النفسي. وتعتبر مسرحية هيدا غابلر إحدى أعمال ابسن الأكثر إثارة وتألقا لقوّة الطرح فيما يتعلّق الأمر بالإغتراب العاطفي عند المرأة وكبتها من قبل المجتمع البرجوازي التي أصبحت جزءا منه. شخصية هيدا جابلر من أقوى الشخصيات النسائية في الظهور على خشبة المسرح. تسمى في الحقيقة هيدا تاسمان. غابلر اسمها قبل الزواج. والدها الجنرال غابلر الذي لقى حتفه، ولم ترث منه إلا مسدّسين وبيانو. تركها وحيدة من دون رصيد مالي يعيلها في وحدتها. تتزوج رجلا يعمل في مجال تاريخ الفن في الجامعة ويأمل أن يعيّن أستاذا جامعيا في وقت قريب. وهو بنظرها رجل مملّ ومجنون وغير ناضج. تكرهه لعدم وجود اهتمامات مشتركة بينهما. كما أنها تفتقد حياتها القديمة قبل الزواج. حياة الإستقلالية مما جعلها تمقت ارتباطها بالزواج من جورج، وذلك يظهر جليا حين جاءت عمة زوجها بنعاله، اظهرت هيدا استياءها من النعال، في حين كانت تعشق المسدس الذي ورثته من أبيها.
تتمرّد على واقعها الجديد رافضة كلّ قيم مجتمعها فتنتهي إلى طريق مسدود تختار عنه الإنتحار ونهاية حياة ليس فيها انسجام مع طبيعتها ورغبتها كامرأة. تبدو مأساتها على غرار مدام بوفاري فلوبير إلاّ أنّ شخصية هيدا غابلر التي قدّمها ابسن ترفض أخلاق الطبقة البرجوازية وأعرافها. أمرأة تحب وتعشق الحب والجمال في الحياة. هذه المرأة الشابة تبدو للمجتمع منحرفة، متمرّدة، ناقمة على قواعد المجتمع. تبحث عن الحرّية المفقودة في مجتمعها. أو بعبارة أخرى الحياة التي تعيش فيها أو تريد عيشها لا وجود لها في ذلك الوقت، على عكس نورا في بيت الدمية. لم تكن هيدا تستطيع أن تغادر العالم الذي تعيش فيه وولدت فيه. رسالة ابسن في مسرحية هيدا غابلر كانت أكثر تشاؤما، لأن هيدا تقتل نفسها، لعدم قدرتها على العثور على الجمال والحب. منذ البداية واضح أن هيدّا ليست سعيدة في حياتها الجديدة. طوال كل المسرحية تشعر بملل. تتصرف كطفلة مدلّلة رغم أنها في أواخرالعشرينيات. تخلق صعوبات ودسائس لكلّ من يزور البيت، براك صديق العائلة قاضي القضاة (القاضي الذي يترأس الجلسة)، صديقتها القديمة ثي إلفستيد و حبيب الطفولة أيلرت لوفبورغ. وبطبيعة الحال زوجها يورجن تسمان الذي لا تحبه، وحامل بطفل لا تريده. كما أنّ حياتهم الإقتصادية أسوأ بكثير من التي كانت معتادة عليها. عمّة زوجها يولا والتي هي غير متزوجة تزورهم بشكل مستمرّ ، تزعج هيدا. منذ البداية واضح أن هيدّا ليست سعيدة في حياتها الجديدة. طوال كل المسرحية تشعر بملل. تتصرف كطفلة مدلّلة رغم أنها في أواخرالعشرينيات. تخلق صعوبات ودسائس لكلّ من يزور البيت. براك صديق العائلة قاضي القضاة (القاضي الذي يترأس الجلسة)، صديقتها القديمة ثي إلفستيد و حبيب الطفولة أيلرت لوفبورغ. وبطبيعة الحال زوجها يورجن تسمان وعمته يولاّ. هيدّا شخصية لا تتناسب اطلاقا مع المحيط الذي تعيش فيه، أكثر من ريبيكا ويست وإليدا وانجل، رغم كل شيء فكل منهن لها مقياسا لرغبتها. لكن هيدّا لم تكن كذلك.ليس من السهل استيعاب السبب الذي يجعلها تحسّ بأنها محاصرة. لماذا تشعر بملل بشكل لا يوصف؟ تعيش تحت ضغوطات داخلية هائلة. لم تستطع أن تتلقى الدفء الانساني أو الاقتراب من أحد، لكنها كانت تغازل دون حسيب ولا رقيب الرجال الذين يزورونها. ربما لهذا السبب كانت تغازل؛ لأن المغازلة سهلة ولا تحتاج لارتباط ، الاقتراب معناه الالتزام والتطلب. ولكن لا يستطيع أحد أن يلمسها ، كانت تقول أنه شيء مثير للاشمئزاز حين يرسل لها زوجها نظرات غرامية. هكذا الوضع في بداية المسرحية. هناك صراع كامن في عدم الرضا عند هيدا غابلر، سلوكها البارد، قسوتها تجاه العمة جولي، لكن كل هذه الأمور مجرّد مقبلات على ما هو آت في المرحلة المقبلة. لكي تتخلص من ذلك العدوان بداخلها، حواجز القيم والعقائد والعوائق التي تقف أمام الإشباع الجنسي في حياة هيدا المسكون بجوع ورغبة غير مرئية في محيطها، تعزف بطريقة وحشية وبشعة على البيانو وتطلق النار بمسدس والدها.
الصراع في مسرحية هيدا غابلر
السيدة إليستد في حالة ذهول، تركت زوجها الذي يمكن أن يرجع لشرب الخمر مرة أخرى، القاضي يريد أن يبني علاقة عاطفية مع هيدا بطريقة أو بأخرى، جورج في حالة منافسة في عمله كأستاذ، وهيدا لديها ميل مخيف لمسدساتها. تبدو الأوضاع فوضوية، وما يثير الانتباه أن كل هذه الأحداث الفوضوية ملفوفة حول إليرت الذي يظهر في حالة توتر بحيث الرهان على كل ما يفعله أو يقوم به. هيدا مدفوعة بصراع داخلي. رغباتها غالبا ما تتناقض مع عدم القدرة على تلبيتها. حريتها المسلوبة في مجتمع لا يرى المرأة إلأ في البيت.
نتيجة ذلك الصراع الذي بداخلها، والناتج عن الكبت تقوم بأفعال تتناقض مع معتقدات المجتمع. كما أن صراع آخر مع شخصيات أخرى. احتقارها لزوجها وغيرتها من السيدة إلفستد التي تشع أنوثة، وخوفها من سلطة براك. أما صراعها الآخر فهو مع المجتمع الذ ي يقيد حريتها الفردية. وبالنسبة لامرأة مثل هيدا، فإن المجتمع الذي تعيش فيه ليس لها فيه إلأ مسار واحد وهو التمرّد. ردّة فعلها "للطفل" حرق المخطوطة، يرمز إلى عدم مسؤوليتها كأم. تتوق لطعم الحرية وفي نفس الوقت الحفاظ على سمعتها في المجتمع.
التعقيد
هناك المزيد من ماض هيدا وإلييرت أكثر مما كنا نظن. في الوقت الذي بدأ فيه إلييرت يشرب مرة أخرى. سيفقد المخطوطة التي أثارت الرهانات على كلّ الشيء. من علاقته مع ثيا لمنافسته المهنية مع جورج، لمشاعره العالقة لهيدّا. القاضي الذي يعتبر صديقا لهيدا على المستوى الإجتماعي وربما كان صديقا لإبيها، كان يغازلها والسؤال المطروح ،هل كان ممكنا أن يكون زوجا لها إن لم يكن متزوجا بامرأة أخرى؟ القاضي براك يرى أن هيدا إمرأة معقدة جدا ومتطلبة يستحيل الإرتباط بها. وفي نفس الوقت لا يريد أية علاقة
جسدية معها وهي متزوجة بجورج. للحفاظ على "سمعتها" ومنع الفضيحة، لم يكن في مقدور هيدا أن تربط علاقة بأي أحد من أولئك الرجال الذين كانت تميل إليهم. في نفس الوقت لا تستطيع أن تتحكّم في حياة أي أحد منهم. إنها تواجه حياة مع جورج، رجل يهتم بالتاريخ أكثر من السياسة. خلق ابسن توتّرا كبيرا في الدراما مع المعضلة التي وضع فيها هيدا. وعلى النقيض من شخصية هيدا، يعرض ابسن شخصية ثيا، المرأة التي تدعم زوجها وتحبه عوض من أن تسيطر عليه. نتعرف على شخصية هيدا وندخل في "أغوار عقلها" أولا من خلال
الصراعات الداخلية التي تحرّكها علاقتها مع أولئك الرجال الثلاثة وثيا. المجتمع التقليدي الذي يحدد طافتها وطاقة (ثيا) كونهما نساء. عرض ابسن نوعين من النساء في عصره. الأولى تجابه المجتمع الذي يكبح حريتها بالتمرّد والثانية خانعة خاضعة.
الذروة
هيدا تحرق "الطفل" مخطوطة لوفبورغ، وذلك الفعل هو النقطة التي توّجت تلك الأحداث، أو الأزمات في حياتها. ..... والتي يهتم بها ابسن سواء في المسرحية أو قبلها. منذ ذلك الحدث، وصلت الأحداث بحرق "الطفل" إلى قمة الذروة والآن نرى فقط الآثار، موت هيدا. ذلك الحدث الذي يعتبر النتيجة المنطقية لما حصل سابقا ولم يكن على استعداد فعله وذلك كان مهيئا من قبل. التنبؤ بالتغيير والإعداد لحدوثه.
حل العقدة
يفسّر القاضي كلّ شيء. جورج والسيدة إلفستد بدءا العمل في الكتاب المهم جدا. في هذه الحالة شرح الأمر مرّتين. نعتقد أننا حصلنا على حلّ العقدة عندما يقول القاضي لهيدا، جورج وثي ما حصل، لكننا لم نر معالجة حقيقية إلا عندما دخلت هيدا إلى غرفتها. هناك تفسيرات عديدة التي يمكن تطبيقها على إنهاء جابلر لحياتها. كلّها تدفعنا للسؤال، ما المغزى من وراء ذلك الانتحار؟ لنفهم سبب انتحار هيدا لابد من معرفة شخصية هيدا. سنتحدث عن الجملة الأخيرة التي أدلى بها القاضي: "يا إلهي الناس لا يفعلون مثل هذه الأشياء.!" تعترف السيدة ثيا أنها خرجت من منزلها هذا الصباح من غير رجعة، وأن صداقتها مع السيد لوفلورغ أصبحت أقوى من السابق وأن الفضل يرجع لها لاقلاعه عن عادة الشرب، وأنها تعلمت منه الكثير، خصوصا أنه سمح لها بمشاركتها له في كتابه، إلا أنها مستاءة من ظل امرأة كما وصفتها، بحيث مازال طيفها يعيش بقلبه. تسألها هيدا بشوق ... وهل تعرفين شيئا عنها. اجابت أنه لايتحدث عنها ولم يتحدث سوى مره واحده قال انها هددته عند انفصالهم بأنها سوف تقتله بمسدسها. قالت هيدا بهدوء شديد .. غير معقول .. لاأحد يفعل شيئا كهذا. قال لها القاضي وهو يرمقها بنظرة حاده .. يبدو ان لوفبورق يعني لك اكثر بكثير مما تعتقدين ؟ اوليس كذلك؟ الحقيقة أنه لم يمت بمسكنه بل عند الآنسه ديانا يبدو انه رجع إلى هناك، وكان مصراً على استرجاع شيئا وتحدث بعنف عن (طفل ضائع) .. ووجد هناك ورصاصة في احشائه. ثم ذكر انه لابد أنه سرق المسدس تعجبت هيدا وقالت لم تعتقد ذلك ؟ قال لأن التفسير الاخر من المستحيل ان يكون صحيحا. ثم سألها ألم يكن لوفبورق هنا هذا الصباح اجابته نعم .. ثم سأل مجددا، هل كنت معه طول الوقت .. اجابت نعم .. اعاد سؤاله وقال فكري مجددا ان كنت معه ؟ قال لربما خرجت قليلا . ثم سألها واين كان الصندوق؟ اجابته الصندوق مقفل عليه في ... ولم تكمل. بعدها نظر القاض وقال حسنا انا ارى الصندوق هناك على الطاولة ..وأضاف إن تحققت من أن كلا المسدسين موجودان في الصندوق منذ أن خرج لوفبورق ، سألته هل هو معه؟ اجابها بأن المسدّس مع الشرطه وسيبحثون عن المالك. سألته وهل سيجدونه ؟ اجابها وهو يهمس .. لا يا هيدا غابلر مالم اقل شيئا .. قالت وان لم تبح بشيء. اجابها: في تلك الحاله هناك احتمال راجح وهو انه سرق المسدس .اجابته افضل الموت على ذلك .. لم تكن هيدا تقليدية كما نورا وريبيكا ويست، هذه الأخيرة التي قدّمها فرويد باعتبارها موازية للمسار الأوديبي عند الطفل الذكر، لتوضيح علاقة محرّمة مع أبيها ورغبة لا واعية في لعب هذا الدور . فهيدا جابلر كانت تخاف من الفضائح. في الوقت نفسه كانت تتوق لحياتها، للعيش خارج مشاعرها. لكنها لم تكن قادرة ان تفعل شيئا حيال ذلك، لأنها كانت جبانة. هيدّا يجب أن تكون لها سيطرة كاملة، لذلك لم تنجح أبدا في بناء علاقة مع إليرت لوفبورغ ، الذي لديه كل تلك الوحشية التي تفتقدها في زوجها. وأنها غيورة، تحترق غيرة من شعر صديقتها الجميل. بعدئذ ستصبح هيدّا غابلر شريكة في أن إيليرت لوفبورغ أطلق النار على نفسه بحادث. أعطته واحدا من مسدساتها وطلبت منه أن يموت بطريقة جميلة. عندما فهم براك قاضي القضاة السياق والتهديد بالفضيحة، اطلقت النار عليها . ولا حتى معاصرو ابسن فهموا هيدا جابلر. معلّق في جريدة الصباح يكتب:" تماما هيدا غابلر يمكن بالكاد تسميتها كائن خرافي مخيف. واحدة من ابداع الشاعر نفسه، وحش في شكل أنثى دون نمط مماثل في عالم الواقع. لكنها عرضت كثيرا. افتتن الناس بتلك الشخصية الغريبة. وحتى الآن مازالت المسرحية شعبية، ويعتبر دورهيدّا مطلوبا من قبل الممثلات النساء. على الرغم من كل ما تقوله هيدا غابلر وتفعله شرّا، يشعر المشاهد بنوع من التعاطف معها. يفهم المشاهد أن هناك سببا راجعا لخلفيتها وهو الذي يدفع بها لتتصرف على ذلك النحو. (هنا نفهم لماذا يكون الطفل مدللا وعنيدا) ، على الرغم من أنه لم يكن مشروحا في المسرحية. لكن على أي حال نفهم حين كان الجنيرال غابلر على قيد الحياة كان سكان المنطقة يشاهدونها تمتطي الحصان وعلى رأسها قبعة بريشة ومعطف أسود على فرس جميل، حينها كانت تعيش الحياة التي تريدها. وهناك فوق ظهر الفرس كانت لها السيطرة الكاملة. وربما لم تكن عصرية كثيرا.كانت تتوق بالأحرى للرجوع إلى تلك الفترة التي كانت تنتمي إليها، الطبقة البورجوازية الجليلة التي تتمتع بالأسلوب والتهذيب. إبسن نفسه يقول انه سمّى المسرحية بهيدا غابلر كي يؤكد أنها كانت أكثر ابنة لوالدها من أن تكون زوجة ليورغن تيسمان. هيدا لديها جانب مظلم في نفسيتها والتي لا هي ولا نحن نفهم تماما ما هي. لكننا نعتقد بذلك على أي حال. انها مخيفة وجميلة، كما انها استفزازية.
ركّز ابسن في مسرحياته على النساء والفنّانين والأشخاص ذوي الأفكار المنحرفة والشباب الذين يتمرّدون ضدّ قواعد المجتمع. إنها صرخة الحرّية التي دوّت وبشكل محموم في جميع أنحاء أوروبا، صوت الأقلّيات ضدّ القوى الغالبية الساحقة، ذلك الصوت الباعث الذي سمعته روحه الشابة آنذاك ليتسلّمها مع الإيمان والفرح. فكان تأثير ذلك على طابع مسرحياته المتمرّدة بشخصياتها والسابقة لعصرها. الصرخة للثّورة أنتجت حركات وتغيّرات في جميع أنحاء أوروبا التي أصبحت أمام وضع جديد بعد انهيار سلطة الكنيسة والثقافة التي كانت تروجها على مدى القرون السابقة. فأصبح التركيز تقديم الشخصيات ودراسات الحالة في سلوك الإنسان ومشاكله الإجتماعية، وتحليل كارل ماركس للمجتمج ونضاله من أجل المساواة وحقوق التصويت في أوروبا. فضلا عن النزعة الجديدة للهوية الوطنية بالدول السكندنافية. كل تلك التحولات الفكرية عكست نفسها على كثير من مظاهر الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، جعلت تلك الفترة محطّ سجال فكري محتدم سلّط الضوء على الجوانب السياسية والثّقافية والنفسية. كل مسرحيات ابسن بطريقة أو بأخرى تكشف عن معاني في الحياة. كيف على الفرد أن يعيش، ليكون للحياة معنى، رجلا كان أو امرأة. حيثما نعيش وبغض النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية التي نعيش تحت ظلها. رغم مسرحيات ابسن كتبت في النصف الأخير من القرن الثامن عشر، إلا أن مسرحياته مازالت تتحدث إلينا نحن الذين نعيش في الوقت الحاضر.