أغاني شاذة
يميل الجو إلى الكآبة الموشحة بمسحة من البرد الخفيف فأتذكر جو بريطانيا الذي لا يمكن التوقع به مثل أحداث هذا اليوم . قدت سيارتي صباحا متوجها إلى العمل . وأثناء العبث بموجات محطة راديوFM طرق مسامعي سطرين من أغنية لنجوى كرم فشدا انتباهي .
" أنا لشحد حبك من عند الله شحادة
أنا لعبد حبك من بعد الله عبادة "
إن كوب القهوة التركية من البن الكولومبي الذي أعددته في البيت لن يثبت توازني ، لكن قناعتي أن العبودية ما خلا الله فهي ذل وقبح . فإذا كان للإخطبوط بول حضور في صحافة التجهيل فهل حروف هذه الكلمات الصدئة لن تسقط راية شاعرها وتطفئ صوته .
بدت نجوى كرم مثل فأرة كسيرة الجناح ومذعورة تراقب قطها المشاكس وتخشى الفشل لحياة ربما لم تنصفها فتذللت وتوسلت وبكت وبالغت ولم تجانب الصواب فنقلتني من حالة الطرب التي تريدها إلى حالة من الفلسفة والتساؤل .
وبما أن الحياة جبلت على الكدر الدائم ردت عليها زميلتها المغنية دومينيك حوراني من على ساحة إذاعة FM بأغنيتها:
" لخلي الدنيا كلا تسمع صريخك والله
عم بحلفلك بالله يا ريت يا ريت يا ريت"
الأغنية تبث نغمة دافع التملك بنبرة أعلى من نوازع الخشية والتوجس وتبالغ بالتركيز على نفسها .
الآن أصبحت أنا وكل من يسمع هذه المهزلة شاهدا على وقوع جريمة تعذيب الحبيب وما تتوعده هذه الشرسة من إيقاع كافة أنواع العذاب لربما فاقت ما مارسته أمريكا في أبو غريب . وقد نستدعى للشهادة في المحكمة التي يقيمها حبيبها السابق عتريس . وهي الأغنية التي غنتها باللهجة المصرية الصعيدية :
" عتريس مقفل راسه وحالف ما خرج من الدار
قال إيه الغيرة مشعلله قلبه وعمال يضرب نار"
الظاهر أن علاقتها بعتريس فشلت لان عتريس لم يفهم سنن العولمة وان نتيجة حبس المرأة في البيت سيجعله بلا شنب ويفقد زهوه .
وصلت المكتب وإذ بي اسمع صوت صديقي هاني على الهاتف :" لا تنسي أن تعطي الولد الدواء" . لقد تجاوز حالة السقوط في الغرام والهيام وتعدى معارك دومينيك وولج إلى عالم الواقع الذي جعله وزوجه في حالة مشتركة في علاج ابنهما الذي يعاني من زيادة في الكهرباء في دماغه مما يسبب له عدم الاستقرار الجسدي ،وإذا لم يقدم لابنه الدواء في الموعد المحدد أو لو اخطأ ولم يقدم له الدواء حسب الموعد ولو لمرة واحدة فعليه أن يعاود الكرة من البداية لمدة سنتان .
قرأت أيميل " لست عانسا وارغب بالإنجاب دون زواج" هذا تصريح للمغنية أليسا التي تتمنى الإنجاب دون زواج لكن هذا الرأي صادم للمجتمع الذي لا يعترف بالأم العزباء . وأبدت إليسا رغبتها في تغيير القوانين المدنية بحيث يمكن أن يكون هناك إنجاب بدون زواج مشيرة إلى أن طبيعة حياة الفنان قد لا تسمح بالزواج . صرحت بذلك في برنامج " ابشر" الذي يقدمه نيشان المنشي شعره بالجيل والواكس وحبا في الإنسانية لا أشاهد برامجه .
استغرب أنا ! إذا وجدنا يتيم فإننا نشفق عليه لفقدانه احد والديه وان يتمه جاء جراء ظروف لا نستطيع أن نغيرها وإنما قبولها والتعاطف معه . أما أن ننجب أبناء أيتام الأب باختيارنا فهذا تطرف في الغباء. ماذا لو تجاوزنا الصدمة النفسية الحضارية العبثية وتحققت مثل هذه الأمنيات في مجتمعنا ! هاكم هذا المشهد لابنه غابت عن والدها خمسة شهور وتدخل عليه
* مرحبا بابا
** هلا بقرة عيني . بطنك وارم؟
* عن لي أن ألبي رغبتي وأنجب بدون زواج . ما رأيك ؟
** لست متشائما حقيرا . يعني تكوني أم عزباء مثل ألشيخه أليسا جزاها .... عنا كل خير على أفكارها التنويرية وجعلها في ميزان حسناتها ؟ ما وجدت عروس(مذكر) محدد؟
* الحياة صعبة ومشغولة كثير والتفاهم مع العروس صعب هذه الأيام .
** ومن وأين حبلت ؟
* من مركز " أبو الولد"
** معتمد هذا المركز ؟
* هذا علامة تجارية في الجودة . لدية شهادة الايزو.
** ومن أبو الولد ؟
* فضلت يكون اسباني لان سحنتهم اقرب إلى العرب .
** لماذا لا يكون عربي؟
* العرب معقدين ولا زالت عقليتهم ابيض واسود .
** أكيد أبوه اسباني ؟
* أنا متأكدة ومعي شهادة منشأ أصلية .
** هل عرفت أي نوع من أنواع تلقيح المسيار هذا ؟
* بعد مجيء المنتج نطوع الشرع له .
عند العودة للبيت ولكي تطري إذاعة FM الجو بالكثير من البلاهة والتوتر جاءني ما يرفع الضغط مع أنني لا أعاني منه بان سمعت لأول مرة المغني أيمن زبيب أغنيته (كرمالك):
"كرمالك ياحبيبي والله الصخر لهدووو
واللي زعل حبيبي الله الله لايردوو
لو بدك سابع سما راح قدمها لعينيكي"
هذه الكلمات تتوازى مع حالة الانحطاط الثقافي السائدة . فلا المطرب عاشقا ولن يكون سؤالا ومعشوقته جوابا . هذه الصياغة ليست مبالغة في العشق بل مبالغة في الكذب والتجديف لأنه يدرك أن لا احد يحاسبه . أم أننا لا نفهم الكلمات التي نسمعها ؟
اذكر أن المغني عبد الحليم اتهم بالكفر عندما غنى ( موعود ) كلمات محمد حمزة وتلحين بليغ حمدي إذ هناك بيت يقول:" والسما بتبكي علينا والناي الحزين"
وقام الأزهر باتهامه بالكفر لان الآية الكريمة تقول :
"فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء والأرض وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ " وذلك من كفرهم .
الحقيقة الوحيدة والأكيدة التي يستشعرها الإنسان في الحياة الدنيا كلما تقدم به العمر هي حقيقة الموت فهل يبادر إلى العودة للحق قبل أن يختم الله على أفواهنا وبصائرنا وقلوبنا . أم نبقى مصرين على أن الحياة الدنيا هي سبيلنا للخروج من رحمته .