ظاهرة استعارة الألحان
ظاهرة استعارة الألحان
وقضية الحقوق
نجدت لاطة
تنقسم استعارة الألحان إلى نوعين :
ـ النوع الأول : استعارة الألحان من الأغاني القديمة ، وهذه ليس عليها مأخذ ، ولا يُنظر إليها على أنها سرقة ، وقد أجازت وزارات الثقافة استعارة الألحان من الأغاني القديمة التي تجاوز عمرها خمسين سنة ، باعتبار أنها أصبحت تراثاً ، لذا لا تُقبل أية دعوى قضائية بشأنها في حال رفع أبناء أو أحفاد صاحب اللحن المستعار ، ولكن لا بد من التنويه باسم الملحن وباسم الأغنية وباسم المطرب كنوع من إرجاع الفضل لأصحابه .
ـ النوع الثاني : استعارة الألحان من الأغاني الجديدة ، وهذه عليها مأخذ ، وتعتبر سرقة مائة بالمائة ، لأن استعارة الألحان تعتبر كسرقة الأموال ولا تختلف عنها في شيء ، ولكن لم أسمع أحداً من الفقهاء حكم بقطع يد سارق اللحن ، لأسباب شتى ، أظن لكون الألحان ليست في حرز ، لأن المال المسروق الذي تُقطع يد سارقه لا بد أن يكون في حرز ، أي مخبأ في خزينة أو ما شابهها . ولكن استعارة الألحان هي في النتيجة سرقة ، والشيطان يبرر للكثيرين أن تلك الاستعارة لا شيء فيها ، ويبرر لهم أيضاً أن أصحاب اللحن ـ أعني المطربين ـ أناس فاسـدون يخرّبون جيل الشباب فيستحقون السرقة ، فكأن ألحانهم مستباحة . وطبعاً هذا مرفوض ، لأنه لا يجوز سرقة أموال الكافر ، فمن باب أولى لا يجوز سرقة أموال المسلم الفاسق ، ولا يجوز سرقة أي شيء من حقوق الناس .
ولا عذر للمنشدين في استعارة الألحان من الأغاني الجديدة ، مهما كان العذر ، وفي حال كان بعض المنشدين يشتكي من عدم وجود الملحنين فذلك لا يبرر الاستعارة ، لأن تلك الاستعارة حرام تماماً ، ولا بد من أخذ الإذن من صاحب اللحن .
وكثيراً ما يشتكي بعض المطربين من سرقة ألحانه ، فمثلاً المطرب الكبير صباح فخري ذكر أن ألحانه تُسرق ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ، أي أنه متضايق من سرقة ألحانه . والملحن الكبير بليغ حمدي رفع دعوى قضائية على فيلم فرنسي استعار لحناً من ألحانه لإحدى الأغاني التي لحنها للمطرب عبد الحليم حافظ ، وأظن أنها كانت أغنية ( أهواك ) ، وطالب بخمسين ألف دولار تعويضاً عن لحنه المسروق .
فالمطربون والملحنون يتضايقون من سرقة ألحانهم ، لأنهم يعتبرونها ملكاً خاصاً لهم ، وهي بالفعل ملك خاص بهم ، وهي عزيزة جداً عليهم ، لأنها خرجت من مواهبهم نتيجة سهر طويل وعمل دؤوب ، وبعد ذلك يأتي فنان فيأخذ هذا العمل الإبداعي كلقمة سائغة دون رقيب ودون حساب ودون إذن !
وفي حال نجا سارق اللحن من رفع قضية ضده من قِبل صاحب اللحن أو صاحب الأغنية في هذه الدنيا ، فإنه لن ينجوَ يوم القيامة من حساب ذلك . لذا فالمنشدون الذين يستبيحون ألحان المطربين فيسرقونها جهاراً أظن أنهم سيقفون في طابور طويل أمام المطربين يوم القيامة ليردّوا ما سرقوه منهم ، أي ليأخذ المطربون الحقوق التي لهم من المنشـدين ، بمعنى أنه ستكون هناك طوابير كثيرة ، طابور لسارقي الأموال ، وطابور لسارقي السيارات ، وطابور لسارقي الكتب وطبعها دون أخذ الإذن من مؤلفيها ، وطابور لسارقي الأفكار من الكتب ونسبها لهم ، وطابور للفنانين الذين يسرقون الألحان والأعمال الفنية دون أخذ الإذن من أصحابها ، وغير ذلك من الطوابير الخاصة بحقوق الناس . وكم يؤلمني أن يكون المنشدون في أحد هذه الطوابير ، وكم يؤلمني أن أجد منشداً ما يقف أمام المطربة نانسي عجرم تأخذ منه حسناته أو تعطيه من سيئاتها ، ويقف منشد آخر أمام المطربة هيفاء وهبي تطالبه بحقها .. أليست هذه مهازل ومساخر يندى لها جبين الفن ؟ ومع ذلك فلا أجد المنشدين يأبهون لقضية سرقة الألحان ، مع أن السرقة لها شأن كبير في ديننا ، وهي تعتبر من الكبائر وليس من الصغائر ، وفيها إقامة حد وهو قطع اليد ، أي أنها لا تختلف عن شرب الخمر والزنا والربا وقول الزور وعقوق الوالدين .. فهل يتعظ المنشدون بعد هذا الذكرى ؟ وهل يتقي المنشدون اللهَ في أعمالهم الفنية ؟
وإذا كان البعض يريد رأياً فقهياً في قضية سرقة الألحان وهل تجوز أو لا تجوز ، وإن كنت لا أرى حاجة لذكر رأي فقيه فيها ، لأنها واضحة وضوح الشمس في ضحاها ، وهل يُعقل أن نسأل فقيهاً : هل تجوز سرقة الأموال أم لا تجوز ؟ فالإجابة يعرفها حتى الطفل الصغير ، ومع ذلك فالشيخ يوسف القرضاوي يعتبر استعارة الألحان سرقة ولا تجوز الاستعارة إلا بإذن من صاحب اللحن .