ما أبلغ الصمت.. في عصر الثرثرة
ما أبلغ الصمت.. في عصر الثرثرة!
زياد شليوط
"ما الحكيم بالكلام.. بل بسر ينطوي تحت الكلام"- (جبران خليل جبران)
نشأنا في عصرنا على تربية تدعو لاحترام الصمت وبالتالي الإصغاء، وقد درج آباؤنا على حرماننا من الكلام في مجالس الكبار، وجل ما سمحوا لنا به هو الاستماع والإصغاء. ورأينا في ذلك يومها غبن وإجحاف بحقنا، ولهذا عوضنا أبناءنا بإطلاق حرية الكلام لهم، إلى حد الذي حدا بنا أن نصمت أمام كلامهم المتدفق، وهكذا عاصرنا فترتين من الصمت، مرة أمام آبائنا ومرة أمام أبنائنا. عشنا ونحن نحترم الصمت، وحفظنا الأمثال والأقوال التي تعظم الصمت والسكوت، مثل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب." و "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك." وعلقنا تلك الأمثال مفاخرين على جدران الصفوف وردهات المدارس.
ربما لم نع أهمية وقيمة ما نشأنا عليه، إلا عندما خبرنا ذلك مع مبادرة الفنان الشفاعمري الراحل، الصديق والحبيب زيدان سلامة، الذي كان أول فنان عربي محلي، ينقل لنا ولمسرحنا ذلك الفن الراقي، المتمثل بالتمثيل الصامت. فتفاعلنا مع حركاته وضحكنا لها كما تألمنا معها، وأدركنا أن للصمت لغة لا تقل أهمية عن لغة الكلام، بل أن تأثيرها أكبر وأشمل وأعم، فإذا أجدت لغة الصمت أجدت أي لغة في العالم، وزالت الحواجز بينك وبين أبناء الشعوب الأخرى.
وتعزز هذا الفهم والإدراك للغة الصمت، مع مواصلة "مؤسسة زيدان سلامة للثقافة والفنون" المسيرة بتنظيم المهرجان الدولي للتمثيل الصامت، وهذه هي السنة الرابعة له، فشاهدنا الصمت يأتينا من أصقاع مختلفة في هذه المعمورة، واكتشفنا أننا نفهم اللغة دون حاجة للترجمة. وفهمنا مع فيلسوفنا الرائد - والتي تحل ذكرى وفاته مع ميعاد المهرجان- أن الحكيم الحقيقي هو الذي لا يتكلم بل يصغي ويستمع ويفهم وبعدها يقرر، فالكلام غالبا ما يفقد معناه وتأثيره لسوء استعماله، ولهذا يجدر بنا أن نصمت، حين يكون الصمت أبلغ من الكلام.