خير الكلام...!
أسامة مصري
*قبل نحو خمسة أعوام، وبعد وفاة زميلنا المحامي الفنان زيدان سلامة، كان لي نقاش مع زميلي سعيد سلامة- شقيق زيدان- حول كيفية إحياء ذكرى زيدان، وكان اقتراحي، تكريس مهرجان سنوي كوميدي، حتى تكون ذكراه عطرة ومفرحة لقلوب كل من عرفوه وكل من سيتعرف عليه من خلال المهرجان..
بعد فترة وجيزة عل نقاشنا، جاءني سعيد باقتراح، اعتبرته في ذلك الحين، ضربا من الجنون: "مهرجان دولي لفن البانتوميما".. لم أصدق ما قاله سعيد، لكن إصراره على الأمر، جعلني أعيد النظر بالفكرة.. وبعد عدّة جلسات ومشاورات- كان بعضها خلف كواليس المسرح، أثناء عروضنا المشتركة- اقتنعت كليا بالفكرة وبالتخطيط الذي أعتمد عليه سعيد.. وبدأت أنفذ ما يطلبه مني وأدلي بخبرتي المهرجاناتية من أجل المساعدة في تحقيق هذا المشروع الضخم..
كل هذا كان، وأنا غير مقتنع كليا بنجاح الفكرة على أرض الواقع.. لكن المفاجأة التي أبهرني بها سعيد، هي قدرته على تجنيد جيش من المتطوعين في مدينته شفاعمرو، موزعون على عدّة جبهات، وخاصة الأمور التنفيذية.. وهكذا كان المهرجان الأول، الذي أطلقنا عليه شعار "خير الكلام..."، على اعتبار أن العروض صامتة، ورأينا أنه "ما قل وذل من الكلام" هو بالفعل خيره!
ها نحن اليوم، نخوض غمار المهرجان الرابع، ونرى كيف أنه في كل سنة، تفور مدينة شفاعمرو بزوارها، من داخل البلاد وخارجها، وذلك بفضل فكرة إنسان واحد جريء، هو الزميل سعيد سلامة، الذي كافح لسنوات عديدة، حتى يدخل فن التمثيل الصامت إلى المسرح العربي المحلي، إن كان ذلك في عروضه المتكررة، أم بمحاولته افتتاح مدرسة في حيفا لفن التمثيل الصامت، أم من خلال هذا المهرجان الذي رسخت أقدامه ثابتة في المشهد المسرحي على مستوى البلاد. لا يخلو أي مهرجان من بعض النواقص، هنا وهناك، لكن ما أعطاه هذا المهرجان على مدى (3) سنوات وما سيعطيه لاحقاً، لا يستطيع أن ينكره عدو ولا صديق.. فحضور فرق دولية ومحلية، مجتمعة في مدينة عربية عريقة، ليس بالأمر القليل.. ويكفي أننا من خلال هذا المهرجان، نعطي أفضل صورنا للضيوف، الذين حتماً سينقلون ما شاهدوه وعاشوه على مدار بضعة أيام.. فقديماً قالوا: "إذا لم يأتي الجبل إلى محمد، فليذهب محمد إلى الجبل"! وها هي الفرق الأجنبية تأتي لزيارتنا وتعرض في مدننا وقرانا العربية..
بقيت خطوة واحدة مهمة، حتى يحقق المهرجان أهدافه جميعها، وهي تأسيس فرق محلية وعروض على أعلى المستويات، حتى يتسنى لنا إرسال هذه الفرق لتعرض في مهرجانات الدول الضيوف، ويحصل تبادل ثقافي دولي بحق وحقيقة..