الدراما البدوية بين الأصالة والمعاصرة
نبيل عواد المزيني
باحث- الولايات المتحدة
يبدو أن الدراما الأردنية البدوية لم تكتفي بإشباع حنين المشاهد العربي إلى ماضيه العريق ومبادئه الأصيلة، بل تخطو خطوة فريدة من نوعها، إلى عالم المعاصرة ومعايشة قضايا المجتمع العربي الحاضر من خلال الدراما البدوية والتي ظن البعض أنه من رابع المستحيلات أن تعبر الفجوة بين الماضي والحاضر وتشخص مشاكل وقضايا المجمتع العربي في عصر العولمة.
فبعد أن نجحت الدراما الأردنية البدوية في السيطرة على شاشات الفضائيات العربية في موسم الدراما الرمضاني الماضي من خلال عروضها القوية، واستقطاب قطاعات واسعة من الجمهور وفئات وشرائح غير متوقعة، من المنتظر أن تحتفظ بمركزها المتقدم خلال موسم الدراما الرمضاني ٢٠١٠ وتستمر في إمتاع المشاهد العربي عن طريق الجمع بين الأصالة والمعاصرة في "المرقاب".
ويعود هذا إلى مخرج مسلسلي "نمر بن عدوان"، و"عودة ابو تايه" الأردني بسام المصري والذي يبدو أنه نجح في ردم الفجوة وعبور القطيعة التاريخية بين الدراما البدوية من حيث كونها تمثل التاريخ والأصالة في الماضي، وبين المعاصرة في معالجة قضايا المجتمعات العربية في الحاضر، وذلك من خلال المسلسل الضخم الذي كتبه جبريل الشيخ "المرقاب" الذي يعتبر نقلة حقيقية في العمل الدرامي البدوي من حيث الشكل والمضمون، لأنه أول عمل درامي بدوي يطرح مضامين سياسية حقيقية ومعاصرة لم يسبق طرحها من قبل في مثل هذا النوع من الدراما.
ويتناول المسلسل حياة البدو بجميع مكوناتهم الاجتماعية، ومنهم شريحة "المطاريد" والمعروفون في تاريخنا العربي باسم الصعاليك، وهم جزء مؤثر في المجتمع البدوي شئنا أم أبينا، فمنهم من هو شرير وعاصي بطبعه، ومنهم من تعرض للظلم والخديعة، فتحول إلى مطارد رغم عن أنفه.
ويقول المخرج الأردني بسام المصري "يغوص العمل عميقاً في تفاصيل حياة الصعاليك، ويقف أكثر على القيم الإنسانية للبادية، بعيداً عن الشكل الاستعراضي السابق".
وتابع مخرج الروائع البدوية "المرقاب عمل بدوي حقيقي يخرج فنياً من بيئة العمل نفسه، فالعاملون فيه معظمهم من أبناء البيئة البدوية، وليسوا دخلاء عليه، لذلك فهم يتعاملون معه كما يتعاملون مع تفاصيل بيئتهم على حقيقتها، وليس كما يفعل الآخرون بأن يتعاملوا مع العمل البدوي كما يتعاملون مع مسلسلات الحارات الشعبية."
ورغم كثرة عدد الأعمال الدرامية البدوية المزمع عرضها في الموسم الرمضاني القادم إلا أن المضامين السياسية مع الإمكانات الفنية والإنتاجية الهائلة التي يتمتع بها مسلسل "المرقاب" تجعله قادرا على حفظ موقعه في الصدارة بين تلك المسلسلات، فقد صرح إياد الخزوز المخرج والمنتج العربي والمشرف العام على هذا العمل الدرامي قائلا: "إنه يواكب التطور الكبير الحاصل في مجال الإنتاج التلفزيوني ليس عربياً فقط وإنما عالمياً، وبذلك فهو يسعى لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال. وهذا ما أثبتته إنتاجات آرى السابقة".
وأضاف أن "هذا العمل هو البدوي الأول هذا العام لشركة آرى، ووضعنا كل جهودنا وإمكاناتنا الفنية والتقنية ليخرج بشكل مختلف كثيراً، من حيث تفاصيله ونصه وآليات تصويره."، بالإضافة إلى أن هذا العمل نجح في جمع كوكبة من نجوم الدراما العربية من الأردن والإمارات والكويت وليبيا وسوريا، ويجري تصويره في عدد من المواقع في الأردن من ضمنها الأغوار ووادي رم بسحرة الصحراوي، ويتكون من ثلاثين حلقة تلفزيونية.
كما يبدو أن هذا العمل لن يكون عملا استعراضيا، كما جرت العادة في السابق عند التعامل مع الدراما البدوية، ولكنه سوف يطرح وبقوة جدلاً سياسياً يحمل مغزى الرفض لتدخل الأغراب والمستبدين في أوطاننا والذين يحاولون دوما فرض سيطرتهم من خلال عملاء لهم داخل القبائل، غافلين عن طبيعة الرجل البدوي الذي يعشق الحرية لأبعد مدى.
وتنساب أحداث هذا المسلسل من خلال قصة بين ثلاثة قبائل بدوية مسالمة تعيش في أمان، وبعد أن تعصف بها تقلبات الزمان يتحول الأمن والسلام إلى الحرب والدمار بما فيها من (أكشن) الدم والقتل والمطاردات والخيانة ورغم كل هذه المآسي والظروف تبقى روح الأصالة مزروعة في داخل البدوي الأصيل، وبذلك يعكس المسلسل الكثير من العادات الحميدة والتقاليد الأصيلة عند أهل البادية والتي لا تزال فيهم مهما جار عليهم الزمان.
ويقول الفنان الأردني محمد العبّادي الذي يجسد دور "الشيخ منسي" في المسلسل: "تتناول الأحداث حياة (المطاريد) في البيئة الصحراوية ولجوئهم للعيش في مناطق نائية غالباً وتفاعلهم مع القبائل ووفق الخط الدرامي الذي أقوده، أعيّن أحد هؤلاء جاسوساً لمصلحتي ضد عشيرة، ثم تتوالى الأحداث على محاور متنوعة."
ومما لاشك فيه أن الدراما بصفة عامة والبدوية بصفة خاصة تلعب دورا حيويا في تشكيل الوجدان العربي، فلم تعد الدراما مجرد ترفيه يلجأ إليه المشاهد العربي في أوقات فراغه، ولكنها صناعة مؤثرة في تكوين الوعي وتشكيل الوجدان ومناقشة الهموم الاجتماعية سواء بالإيجاب أو بالسلب، ولهذا فالدراما العربية أداة سحرية يجب التعامل مع المشاهد من خلالها بكل حذر وأمانة. وفي هذا كتبنا عدة مقالات عن الدراما البدوية والهوية العربية يرجى مراجعتها.
ويجمع النقاد والمثقفون على أن الفضل في ردم الفجوة بين الدراما البدوية وبين المشاهد العربي يرجع، وبلا منازع، إلى فرسان الدراما الأردنية البدوية من كتاب ومخرجين وممثلين، فبعد أن هجرت صناعة السينما في الدول العربية الكبرى الدراما البدوية لأكثر من ثلاثة عقود، نجحت الدراما الأردنية في إحضار المسلسلات البدوية على مائدة المشاهد العربي التليفزيونية وجعلها وجبة فنية أساسية, وقد ظهر هذا جليا في إحدى قصائد الشاعر الصحفي والإعلامي الكويتي طلال السعيد عندما قال في قصيدتة الموسومة "حنا بدو":
حنا بدو
حنا عما عين العدو
حنا البداوه طبعنا
واهل الوفا هم ربعنا
حنا بدو
اصل وفصل
حنا بداوتنا الاصل
ماهي بداوة تليفزيون
والا مسلسل اردني