حول تعليم السيناريو
بسام الهلسه
[email protected]
(1)
مع انتشار المحطات الفضائية، صار
التلفزيون أهم وسيط اتصال معاصر يكاد يتواجد في كل مكان، ويخاطب ملايين الملايين من
كل الأعمار والفئات والأجناس في الأقطار؛ بل القارات المختلفة.. يقدم المعلومات
والدعايات، والأفكار والقيم والعواطف، والأخبار الفورية من موقع الحدث.. يقدم
الترفيه والثقافة والتاريخ والجغرافية.. يقدم الحقائق والأكاذيب والأوهام والفضائل
والرذائل والتفاهات، وكل ما يمكن تصويره ونطقه.. جهاز يتمركز في صدر البيت أو
المكتب وتتحلق حوله العائلة لتشاهد وتسمع ما يعرض بصورة حية ناطقة، وإضافة لوظائفه
الأولى: الإعلام، التوجيه، الإعلان، التثقيف، التعليم، الترفيه.. صار التلفزيون
وسيط اتصال تتيح برامجه وتقنياته للمشاهدين التواصل والمشاركة والتعليق.
(2)
والسيناريو هو أحد الأسس التي ينهض
عليها التلفزيون، أعني مواده المقدمة: (الروائية، والوثائقية, والعلمية،
والتعليمية, والدعائية...). ومصطلح " السيناريو" كلمة ذات أصل لاتيني وتعني: حكاية
أو سرد المشاهد، وكانت تطلق في إيطاليا في القرن التاسع عشر على العمل المكتوب الذي
يقوم به المخرج المسرحي متضمناً سرداً ووصفاً كاملين لمشاهد المسرحية بالتتابع،
ولمشتملاتها وحركة وأداء الممثلين، والمناظر، والتقنيات...الخ. ومع ظهور السينما
عمم هذا المصطلح على العمل المكتوب لأجل الشريط (الفيلم) واليوم تعني كلمة سيناريو
-في المجال الذي نتحدث عنه-: الفيلم مكتوباً على الورق.
(3)
والسيناريو جنس إبداعي تقني ووسيلة
تعبير خاصة متفردة بين وسائل التعبير الإبداعية الاخرى (الأدبية والفنية). ومعرفته،
وتعلُّم التعبير بواسطته، صارا ضروريين في وقتنا الراهن مع تعاظم أهمية التلفزيون ،
اضافة الى الوسيط المعروف:السينما. وينبغي أن يصار إلى تجاوز الأسلوب المتبع في
تعليمه حتى الآن في بلادنا الذي ينحصر في: الدراسة المتخصصة في معاهد السينما (وهي
محدودة في الوطن العربي), والجهود الخاصة التي يقوم بها كتاب أو حرفيون هنا وهناك
سواء لاشباع رغبة تعبيرية، أو لتلبية الطلب المتزايد على النصوص, والتطلع لمخاطبة
ملايين المشاهدين، إضافة إلى المكافآت المالية العالية. وهناك أخيراً التعلُّم من
خلال الدورات وورشات التدريب المكثفة التي تقيمهام هيئات وجهات مختلفة بين الحين
والآخر.
ارى أنه يجب تجاوز هذا الوضع المحدود
والعشوائي ليتم تعليم السيناريو بشكل منهجي جاد يتناسب مع أهميته في المؤسسات
التعليمية المختلفة كما هو الحال –مثلاً- مع تعليم الأدب.
(4)
وفي مجال تعليم السيناريو، أروي تجربة
شخصية جرت لي خلال إقامتي في دمشق.. فقد قمت بين عامي 1995م – 1996م بتعليم
السيناريو –في دورات نظرية وتطبيقية متخصصة-, ولفت انتباهي مدى الاقبال الذي حظيت
به هذه الدورات من قبل الراغبين في تعلُّم هذه اللغة التعبيرية: رجال ونساء وشباب
وفتيات من كل الأعمار والمهن والاهتمامات والخلفيات المعرفية... كما تلقيت عروضاً
لإقامة مركز متخصص في تعليم الفنون السمعية – البصرية (السيناريو، الإخراج، التصوير
التلفازي والسينمائي، النقد، التصميم، التأليف الدرامي، إعداد البرامج التلفزيونية
...الخ). ما يبين مدى الحاجة إلى تكوين معرفة منهاجية منظمة في هذا الحقل.
(5)
* ما الذي يدرسه السيناريو؟
* قلنا أن السيناريو هو: الفيلم
مكتوباً على الورق.. وهذا المعني يشير إلى نوعين من السيناريو –بحسب الكاتب
والمحتوى- هما:
* السيناريو الأدبي: وهو النص المكتوب
الذي يضعه المؤلف –بشكل أصيل أو مقتبس عن عمل أدبي أو فني ...
* السيناريو التنفيذي – التقني أو
الإخراجي: ويعني التصور الذي يضعه المخرج للنص متضمناً اللقطات والزوايا والإضاءة
وحركة المصورة (الكاميرا...الخ) والذي سيباشر على أساسه تنفيذ الفيلم مع فريقه.
* ودراسة السيناريو تبدأ بالنوع
الأول:السيناريو الادبي, وتشمل:
خاصيته ولغته (خاصية اللغة السمعية-
المرئية), وأنواعه المحددة حسب البنية, والوظيفة, واسلوب التنفيذ, والجمهور
المستهدف (الروائي-الوثائقي, الثقافي العلمي- التعليمي) وأشكاله:(الروائي-
الوثائقي- التسجيلي- المختلط) ومصادره: (الواقع، الخيال، التاريخ والأساطير، الآداب
والفنون ..الخ) وموضوعاته: (الواقعية، التاريخية، الخيالية، الاجتماعية، التربوية،
البيئية، السياسية، المعرفية، الشخصية، الدينية، الحربية ...الخ) وبنيته (الدرامية
+ الفنية: السمعية- المرئية) ومراحل كتابته: (اختيار الموضوع، البحث والتحضير
والإعداد، فرز المعلومات وتصنيفها، كتابة الملخص، المعالجة الدرامية، الصياغة
النهائية) وهذا يتم في حالة السيناريو الروائي المعد لفيلم سينمائي أو تلفزيوني.
أما في حالة الفيلم الوثائقي فيتم:
(اختيار الموضوع- جمع المعلومات والمواد الوثائقية- المكتوبة والمرئية والمسموعة-
تحديد الشخصيات، تحديد المعلومات المستخدمة، مواقع التصوير, التعليق...). وبالنسبة
للفيلم التسجيلي -وغالباً ما يقوم مُعد البرنامج أو مقدمه بوضع سيناريو له- فيتم:
تحديد الموضوع وفكرته، تحديد الأماكن والشخصيات والموضوعات التي سيتم تصويرها أو
الحديث مع الشخصيات المستضافة عنها.
* في كل الحالات والمراحل، يقترن الدرس
بتقديم نظري, وبأمثلة تعليمية توضيحية، وبوظائف ومشاريع تطبيقية، تمكِّن الدارسين
من الاستيعاب، وتتيح لهم التعبير عن أنفسهم واختبار قدراتهم.
(6)
ختاماً نقول: ان تعليم السيناريو هو
مثل تعليم الأدب (الشعر، القصة، الرواية، المقالة، النقد ...الخ) لا يصنع كتاباً،
وإنما يوفر الإمكانية لذلك، ويساعد على الإرتقاء بالذائقة العامة وتعزيز قدرتها على
التمييز والنقد.
الملحق(1): برنامج مقترح لتعليم
السيناريو:
1. المستوى النظري:
·
كاتب السيناريو
·
السيناريو
·
السيناريو
·
السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*السيناريو
*وسائط الاتصال:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
:
الرؤية والأسلوب والتعبير وآلية
العمل.
التعريف- النشأة- التطور- أشكال
الكتابة.
الأنواع.
خاصية اللغة المرئية- السمعية.
الموضوعات والمصادر.
البنية والعناصر (الدرامية- الفنية:
المستوى المرئي+ المستوى الصوتي).
مراحل الكتابة: (اختيار الموضوع-
التحضير وجمع المعلومات- الفكرة- الملخص- المعالجة الدرامية- الصياغة
النهائية).
الاعداد والاقتباس عن الأعمال
الأدبية والقصصية والمسرحية...الخ.
معالجة الموضوعات التاريخية
والأسطورية والفولكلورية.
برامج ودراما الأطفال والفتيان.
السرد البصري (الخاصية والأنواع).
العلاقات (مع الممول- المخرج-
المنتج- الممثل)+ التسويق والإنتاج.
البرامج الثقافية والعلمية
والتعليمية.
1- التلفزيون:
الخاصية, الجمهور, المشاهدة, التأثير, الأعمال: (الرواية التلفزيونية:
المسلسل و السلسلة, التمثيلية, البرامج).
2- السينما:
الخاصية,المجال, القدرات.
2- المستوى العملي: التدريب
والتطبيقات:
·
اختيار الموضوع.
·
التعبير البصري عن الأفكار المجردة والمشاعر النفسية.
·
الوصف.
·
كتابة الملخص (الفكرة- الهدف- أسلوب المعالجة- الجمهور المستهدف- وسيط التعبير- مدة
العرض...).
·
البنية الدرامية (العناصر المكوِّنة: الزمان, المكان، الشخصية، الفعل، الصراع،
الحوار، الحبكة).
·
البنية الفنية:
-
- المستوى الصوتي: (الحوار، التعليق، الموسيقا، المؤثرات الصوتية, الصمت).
· خطوات العمل: التحضير- الصياغة- التسويق والانتاج.
· فكرة ومخطط فلم وثائقي.
· فكرة ومخطط فلم تعليمي.
· إعداد قصة قصيرة.
· كتابة نصوص ومراجعتها.
· نماذج مختارة لنصوص وأفلام ومسلسلات وبرامج: قراءة ومشاهدة وتحليل ونقد.
* * * * * *
الملحق(2):
كتابة السيناريو: خطوات اجرائية
* مرحلة التحضير:
§ على من يريد كتابة "سيناريو" أن يتعرف جيداً على "الموضوع" الذي يريد التعبير عنه، وتقديمه بواسطة "السيناريو".. هذا يعني أن عليه القيام بمراجعة لما كتب وعرض عن الموضوع، وسؤال "المعنيين" و"المطلعين" في حالة ما كان الموضوع جديداً لم تسبق معالجته.
§ بعد القيام بما سبق، والتعرف على الموضوع بشكل وافٍ، عليه أن يسأل نفسه: ما الجديد الذي أريد تقديمه عن الموضوع؟ (في الرؤية؟ أو الأسلوب؟ أو في الموضوع نفسه؟) وبأية كيفية سأقدمه؟ (من خلال فيلم روائي؟ أو فيلم وثائقي؟ أو مزيج منهما: روائي- وثائقي؟) وكم من الوقت يحتاج لتقديمه؟ (دقائق؟ نصف ساعة؟ ساعة؟ ساعات؟ حلقات عديدة ...الخ).
§ وعبر أي وسيط سيقدمه: السينما؟ التلفزيون؟
§ ومن هو الجمهور المستهدف بالفيلم؟ (بالنظر إلى موضوعه وأسلوبه وأفكاره) جمهور خاص؟ النخبة المثقفة والمتعلمة؟ الأطفال؟ النساء؟ أم جمهور عام؟ وأين؟ في بلد معين؟ أو قومية معينة؟ أم لكل الناس؟
§ من هي الجهة -أو الجهات- التي يمكنها تمويل انتاجه؟
* مرحلة الكتابة:
بعد الوصول إلى إجابات محددة على هذه الأسئلة، يشرع في كتابة ملخص مكثف لموضوعه في عدد من الصفحات بحيث يتضمن الملخص إجابات الأسئلة السابقة، إضافة إلى عرض موجز للموضوع والأفكار التي يتضمنها.
ويرفق مع الملخص قائمة بالشخصيات الرئيسة والمساعدة التي ستظهر في الفيلم، وقائمة بالمواقع التي سيجري فيها التصوير (عند الكتابة عن "المتنبي" (مثلاً) تتضمن قائمة التصوير المواقع التالية: الكوفة: (بيت جدة المتنبي، مكتب الدراسة، بادية الكوفة) الشام: (بادية الشام، اللاذقية، حمص، جبال لبنان، طبريا ..الخ) حلب (قصر سيف الدولة، ساحة معركة ..الخ).
وتضاف قائمة بالأزياء والأدوات التاريخية إذا كان العمل يتطلب ذلك.
بعد إنجاز كتابة الملخص يمكنه تقديمه للجهة المنتجة وانتظار ردها، أو المباشرة بكتابة السيناريو إن كان على ثقة من انتاجه, وقد يطلب منه تقديم ميزانية تقريبية ان كان هو المخرج أو الذي سيتولى الانتاج، وهنا عليه استشارة العاملين في المجال في البلد المعني.
* شكل الكتابة:
من حيث الشكل يكتب السيناريو بطريقتين:
عامودية: حيث توضع على يمين الصفحة العناصر المرئية (المشاهد)، وتوضع على يسارها العناصر الصوتية.
المشهد رقم (...) |
الصوت |
المكان (...) الزمان (ليلاً- نهاراً) الشخصيات ... |
الحوار، الموسيقى، المؤثرات الصوتية، التعليق, الصمت... |
وهذه الطريقة شائعة في كتابة "المسلسلات التلفزيونية".,
أو يكتب بطريقة" أفقية" وهي الشائعة في كتابة الأفلام السينمائية، حيث تكتب المادة بشكل متتابع وتكون العناصر الصوتية متضمنة في المشهد هكذا:
المشهد رقم (...)
المكان: قصر سيف الدولة الحمداني
الزمان: نهاراً
القادة والشعراء والكتاب يحيطون بسيف الدولة...
يدخل المتنبي ويسير حتى يجلس بجانب سيف الدولة
سيف الدولة (منشرحاً): أهلاً بك يا أبا الطيب.. ماذا لديك اليوم؟
المتنبي (بثقة وخيلاء): لدي ما لم يأت به أحد!
سيف الدولة: (يصفق بيديه) أسمعنا إذن!
المتنبي يجيل عينيه في الحضور، ويأخذ بالإنشاد:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم...
* * *
وفي حال كان الفيلم تسجيلياً عليه أن يحدد (إضافة إلى قائمة مواقع التصوير وقائمة الشخصيات) القضايا التي سيطرحها على الشخصيات، والمادة التي سيقدمها المعلق (إن وجد).
* تنبيهات ما قبل الكتابة:
أريد أن أذكر هنا بعدد من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المبتدئون عادة.. وهي الكتابة بأسلوب أدبي. لكن السيناريو هو كتابة مرئية- صوتية وعلى (الكاتب/ الكاتبة) ان يكتبا ما سيرى من المشاهد وما سيسمع من الأصوات. ويجب أن تقدم الشخصيات من خلال أفعالها فلا يكتب (حضرت سلمى الكريمة مثلاً) بل نقدمها من خلال حدث يعرض كرمها، أو من خلال الإخبار عنها عبر حوار شخصيات أخرى.
كذلك لا يكتب (شعر ناصر في قرارة نفسه بالحزن) إذ يجب تقديمه في موقف يبرز حزنه.
كما يفضل كثيراً تجنب الأسلوب المباشر والتقريري، واستخدام أسلوب تعبيري عن حالة نفسية أو موقف (كأن يضرب الحائط بقبضته مثلاً للتعبير عن الغضب).
أيضاً أريد التذكير بأن "الفعل" في السيناريو (وبالتالي الفيلم) هو فعل مضارع يجري الآن فلا يكتب (كانت منى تأكل التفاحة) بل (منى: تتناول تفاحة وتبدأ بأكلها...).
ولا نستخدم الألفاظ التجريدية من نوع: الفخر- الشوق– الكرامة ...الخ، بل نقدمها من خلال أفعال وتعبيرات الشخصيات.
وبالطبع الشخصيات قد تكون بشرية، أو طبيعية، أو آلات، أو حيوانات.
إن "الدراما" هي "الفعل"؛ والدراما التلفازية أو السينمائية هي "الفعل المرئي المتحرك" ومحركه هو "الصراع".
أما في الفيلم الوثائقي فالعمل يقوم على تقديم معلومات مكثفة عن موضوع ما عبر رؤية وموقف.
في النهاية أود أن أنبه الكتاب والكاتبات ألا يشغلوا أنفسهم بوضع اللقطات أو تحديد الإضاءة، إلا في حال كون الكاتب/ الكاتبة هما من سيتولى إخراج الفيلم، أو عند الضرورة الملحة بالنسبة لكاتب/ كاتبة السيناريو الأدبي، أو مخطط الفيلم الوثائقي.
فهذه المهمة (وضع اللقطات، والزوايا، والإضاءة ..الخ) تدخل في مجال السيناريو التنفيذي /الإخراجي، وهو من عمل المخرج/ المخرجة.
أما النصيحة الدائمة التي أريد تقديمها للراغبين والراغبات في كتابة "السيناريو" فهي:
اقرأ/ي وشاهد/ي.. واقرأ/ي وشاهد/ي... ثم اقرأ/ي وشاهد/ي أيضاً!
قبل أن تبدأ/ي بالكتابة!