من ساري إلى سارية السواس
كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
لا
مجال للمقارنة بين ساري العبدالله وسارية السواس, فشتان بين بيرق عز يرفرف على
سارية المجد, وبين زعيمة السفهاء في الملاهي الحمراء, ومطربة الإسفاف الغنائي
الغجري المتهتك, وراعية سكارى الخليج والشرق الأوسط, ومكتشفة نظرية (اسمع بس اسمع),
وصاحبة أغنية (عرق ما يشرب عرق), التي صاغ كلماتها الغراب التائه (أيمن زبيب), فهي
ابنة السواس, وصنيعة الوسواس الخناس.
تمتزج حفلاتها بالتهريج والضياع, وتختلط بصوّر الإسراف والبذخ, ومشاهد تبذير
الأموال, التي تُرمى كل ليلة تحت أقدام الراقصات مقابل كلمات تافهة, وأنغام
مستهلكة, وتأوهات مفتعلة, يسمعها السكارى فيتقافزون ويتنططون ويتقيئون.
يكفي أن تصيح بهم سارية عبر مكبرات الصوت بنبرتها الغلامية المبحوحة : (تحية خاصة
لأهل الكويت), أو تتوقف عن الثغاء وتصرخ بصوت عال: (حيوا معي أهل العراق), أو (يا
زين الإمارات وأهلها) فينهض النشامى على الفور, وهم في ذروة نشوة السكر, ليلبوا
نداء الواجب, ويفرغوا ما في جيوبهم من عملات ورقية, يرشونها بسخاء فوق رؤوس
المترنحات على إيقاعات الدبكات الانفعالية الصاخبة, فتتفاعل سارية مع رغبات
الأغلبية المجنونة المتراقصة على ضربات الدفوف وقرع الطبول وزعيق المزامير, تلتقي
مع ميولهم العابثة الملتهبة في فضاءات الطيش والتهتك,
تستثيرهم بحركاتها المحفورة في جيناتها الغجرية المدربة على تحفيز حماس المغفلين,
واستحلاب أموالهم بأتفه الطرق.
سارية من مواليد حلب عام 1981, من أبوين غجريين يحترفان الغناء التقليدي الموروث,
بدأت مشوارها الغنائي مذ كانت طفلة, ونشأت في وسط غجري بدائي. اختارت الغناء
باللهجة العراقية المعجونة باللكنة البدوية المخففة. واكتسبت شهرة واسعة. ذاع صيتها
في بداية انطلاقتها بين سائقي الشاحنات وسيارات النقل وعمال الخدمات والبائعة في
الأسواق الشعبية, لكنها حققت قفزات صاروخية, وصارت ملهمة النماذج الجديدة من قرود
السيرك السياسي, الذين صاروا يتكاثرون بالانشطار في عموم بلدان الشرق الأوسط.
يسرقون المال العام ويفرشونه في طريق سارية وتماسيحها السابحة في أوحال الرذيلة.
اما
نحن فقراء هذا الزمن المتردي فمازلنا نهيم على وجوهنا في بادية العراق والجزيرة
نقتفي أثر ساري العبد الله, ونردد معه:
هلي عوج المناسف مندل الهم
ودرب الكرم سابج من دليلهم
كروم الناس تشرب من دلالهم
هلي بالكون عيين الطلاب
ثم
نحلق في سماء القوافي الحرة, نرفع عقيرتنا بالنداء على سارية الجبل:
ناديت ألفا سارية
وصرخت ملء مسامعي
فانهال في آذان أفراس المجاميع
ألف قوّاد يسلسل ماء عين سلالتي
وأسلسل التاريخ
أنزفه على صخر المغارة
حيث وارينا قميص عروبتي
ماذا أقول لسارية
يا سارية
إنا نكذّب لا تسر
لم يبق من جبل ولا واد ولا سهل
فلقد غدونا فوق خارطة العفونة
ألف سرب من ضفادع
فاسمع نحيب نقيقنا
ثم انسحب