المنشدة ميس شلش والدور الكبير
المنشدة ميس شلش والدور الكبير
نجدت لاطة
حضرت في عمان حفلاً تابعاً لمؤسسة تُعنى بالتنمية الاجتماعية ، أحيته المنشدة ميس شلش بإنشادها على مدى ساعتين ، وكانت القاعة ممتلئة ، وكان الجمهور متفاعلاً تماماً ..
والجمهور كان نصفه من الشباب ، والنصف الآخر من الفتيات والنساء ، وكان معظم الجمهور من الفئات غير الملتزمة ، فصحيح أن الفتيات كان معظمهن متحجبات إلا أنهن لم يكنّ من الملتزمات ، وأعني لسن من المتدينات ، وهذا ظاهر من المكاييج التي كانت على وجوههن . ومع ذلك فلم يكن تفاعل الجمهور مع أناشيد ميش شلش خارج إطار الشرع ، فلم يكن هناك رقص و لا حركات مشينة ، وإنما كان التصفيق وترديد الأناشيد هو السائد .
ومنذ دخولي إلى القاعة كنت أتفرس الجمهور وأراقب كل حركة وكل سـكنة ، لأتبيّن مدى تأثير النشيد الإسلامي في الجمهور غير الملتزم ، ولأعرف أي نوع من الجمهور تخاطبه منشدتنا ميس شلش .
وقد قدّم عريف الحفل المنشدة ميس شلش بمدح وثناء عليها ، فكان مما قاله فيها : مع القلب الطاهر ، والصوت الطاهر ، المنشدة الملتزمة ميس شلش ، التي طالما أنشدت لفلسطين ..
وقد أنشدت ميس شلش أناشيد كثيرة ، كانت كلها لفلسطين وغزة والحصار والصمود وأحمد ياسين والرنتيسي .. فعلى سبيل المثال أنشدت لغزة بقولها :
وغزة هـي البداية
والثورة جاية جاية
فالحفل نجح تماماً ، والمنشدة ميس أبدعت وتألقت ، ولكن الذي كان يهمني في هذا الحفل أنني أدركت أن النشيد الإسلامي يمكن أن يصل إلى الجمهور غير الملتزم ، ويمكن أن يؤثر فيه ، ولكن المشكلة تكمن في منشدينا ، فهم لا ينشدون إلا إلى الفئة الملتزمة ، ولا يحيون إلا الحفلات الخاصة بالملتزمين ، بمعنى أنهم منقطعون عن التواصل مع الفئات غير الملتزمة ، علماً بأن نسبة الفئات غير الملتزمة في المجتمعات الإسلامية 95% ، ونسبة الفئة الملتزمة 5 % ، وهذا يعني أن النشيد الإسلامي يصل إلى هذه الخمسة بالمائة من الناس فقط ، وهذا يعني عندي أن النشيد الإسلامي يفشل في استقطاب الجماهير غير الملتزمة ، وبالتالي تتم مسخ الجماهير غير الملتزمة بالغناء الهابط ، وهذا يحدث تحت أعين وسمع المنشدين الذين لا يسعون سعياً جاداً إلى الوصول إلى الجماهير غير الملتزمة ، وإنما يكتفون بدغدغة عواطف الملتزمين ..
فالحس الدعوي مفقود في النشيد الإسلامي ، والتواصل مع الجماهير غير الملتزمة ليس في أبجديات المنشدين ، وبالتالي فإن رسالة النشيد الإسلامي تفقد كثيراً من أهدافها ، لأن النشيد الإسلامي وُجد ليعمل مع سائر الأنشطة الإسلامية في دعوة الفئات غير الملتزمة إلى الالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ..
ثم بعد الحفل بأيام أجريت مقابلة صحفية مع المنشدة ميس شلش ، وكانت معها والدتها التي تقف معها وقوفاً كاملاً وواعياً في مسيرة إنشادها ، ووالدتها ذات ثقافة عالية وتدرك تماماً أهمية النشيد الإسلامي في حياتنا المعاصرة . وعلى مدى ثلاث ساعات من التحاور معهما اكتشفت في منشدتنا الرائعة وعياً دعوياً يندر أن أجده في منشد ، فقد ذكرت لي بأن معظم الحفلات التي تحييها هي من هذا النوع الذي تحضره الفئات غير الملتزمة ، وأنها سعيدة بهم ، لأن النشيد الإسلامي ينبغي ـ برأيها ـ أن يصل إلى هذه الفئات ، لأن هذه الفئات هي التي تحتاج أولاً إلى النشيد الإسلامي .
فدور المنشدة ميس شلش الدعوي كبير جداً إذا ما قورن بدور بقية المنشدين ، لذا على المنشدين أن يعملوا على الوصول إلى تلك الجماهير التائهة ، لاسيما أن الفرص متاحة للجميع ، لأن الجماهير التي دعت المنشدة ميس شلش لإحياء حفلاتهم يمكن أن تقوم بدعوة بقية المنشدين ، ولكن شريطة أن لا يقلب المنشد الحفل إلى مولد أو ذكرى دينية ، وإنما يراعي مضمون الحفل الذي أقيمت من أجله ، فإذا كان الحفل خاصاً بفلسطين ننشد لفلسطين ، وإذا كان الحفل خاصاً بمناسبات اجتماعية ننشد الأناشيد ذات المعاني الإنسانية ، وإذا كان الحفل عرساً ننشد الأناشيد العاطفية ، لأن غرس المعاني الإنسانية ، أو غرس المعاني العاطفية العفيفة ، هو مطلب ديني ، ولا يقل أهميةً عن معاني الأناشيد الدينية . فحين نعطي كل حفل حقه من الأناشيد التي تناسبه وتلائمه نكون قد قدمنا صورة لائقة وصائبة للنشيد الإسلامي، وبالتالي يتفاعل الجمهور غير الملتزم مع الأناشيد الإسلامية ، ويقوم بدعوة المنشدين إلى سائر الحفلات بدلاً من المطربين ..
أما حين يقلب المنشد حفلات الناس إلى نشاط إسلامي بحت فينشد الأناشيد الدينية الصرفة التي تُشعِر الجمهور أنه في مولد نبوي أو في ذكرى غزوة بدر أو في ذكرى الهجرة فإن الجمهور سينفر من ذلك ، ولن يقوم بدعوة هذا المنشد مرة أخرى .
إن مسار النشيد الإسلامي بحاجة ماسة إلى مراجعات في الصميم ، في معانيه وفي خطابه وفي توجهاته ، كي يكون النشيد إسلامياً حقيقة ، فيمارس مهامه الدعوية على أكمل وجه .
شكراً للمنشد ميس شلش على هذا الدور الكبير ..