أوبرا ريجوليتو
جوهرة تاج دار الأوبرا المصرية
د. كمال يونس
[email protected]
قدمت دار الأوبرا المصرية بالقاهرة
أوبرا ريجوليتو تأليف موسيقى لفيردى ، النص الأدبى لفرانشيسكو ماريا بيافى ،إخراج
د.عبد الله سعد نجم الإخراج الأوبرالى العربى ، بطولة أميرة سليم ، داليا فاروق (
جيلدا ) ، جورج ونيس ، هشام الجندى ( الدوق ) ، ألفيو جراسى ، مصطفى محمد (ريجوليتو
) ، رضا الوكيل ( مونترونى ) ، حنان الجندى ، هالة الشابورى (مادالينا) ، عبد
الوهاب السيد (سبارافوتشيلى ) ، ماجد توفيق ، إبراهيم ناجى( بورسا)،جولى فيظى (
الكونيسة دى تشبرانو ) ، الهامى أمين ، عماد عادل ( مارللو )، آية شلبى ( المرسال )
، حيث يتناوب على أداءالدور الواحد خاصة أدوار البطولة أكثر من مطرب كى لا يصاب
الصوت بالإجهاد .
النص الأدبى لأوبرا ريجوليتو
لفرانشيسكو ماريا بيافى ، وهى مقتبسة عن مسرحية الملك يلهو للأديب الفرنسى فيكتور
هوجو ، وقد عانت المسرحية كثيرا مع الرقابة لعدم تقبل الجمهور لشخصية البطل ( مضحك
الملك ) التى تحمل مزيجا من القبح الأخلاقى والخلقى ، ولكن تم تغيير مكان وزمان
الأحداث وأسماء الشخصيات ، بل واسم الأوبرا من اللعنة إلى ريجوليتو ، وقد سجل
التاريخ لأوبرا ريجوليتو نجاحها حتى الآن فلا يخلو ريبورتوار أية فرقة أوبرا فى
العالم منها.
تدور أحداث أوبرا ريجوليتو عن دوق
مستهتر يلهو بأعراض الناس بلا رادع من ضمير ،وهو يتعقب فتاة مجهولة تسكن بيتا
متواضعا منذ ثلاثة أشهر، يدخله رجل غامض كل ليلة ، ولكنه أيضا يواعد زوجة الدوق
تشبرانو، الذى يسخر منه ريجوليتو فاضحا إياه ، وكاد أن يشتبكا سويا ، وحين يغتصب
الدوق ابنة الكونت مونترونى ، يتندر به المهرج الأحدب ريجوليتو ، فيستنزل اللعنات
على الدوق وريجوليتو خادمه ومهرجه ، مما يجعل ريجوليتو يشعر بالتخاذل الشديد ،
ويجتمع أفراد الحاشية ليدبروا مكيدة لريجوليتو بعد أن أخبرهم مارللو أن ريجوليتو له
مغامرات عاطفية ،وعند عودة ريجوليتو لمنزله يلتقى بابنته جيلداالتى عزلها عن العالم
، وقد أحضر لها خادمة ( جيوفانا ) تقوم على خدمتها، وأخفى عنها عمله ، مخبرا إياها
أن أمها توفيت وهى صغيرة ، وقد كانت ملاكا تحبه على الرغم من بشاعته وحدبته ، ولم
تستطع أن تبلغ أباها عن الشاب الذى يلاحقها منذ فترة، وهى ذاهبة إلى الكنيسة
،وأثناء عودتها، ليتضح أنه الدوق المستهتر العربيد الذى أخبرها أنه طالب فقير ، فى
الوقت الذى يعمل والدها مهرجا لديه ، ويسخر ممن ينال سيده الدوق من شرفهم ، ولما
كان رجال الحاشية يتعقبون ريجوليتو حتى بيته ظانين أن جيلدا عشيقته وليست ابنته ،
يختطفونهاوقد أشركوا أباها معهم، وهو يجاريهم ظنا منه أنها خدعة فى لغيره من قبيل
الترفيه ، وحين يرفع العصابة عن عينيه يكتشف أنها لابنته ، فيحزن الدوق لاختفاء
جيلدا ، وتصاب الحاشية بالدهشة حين يعرفون أنها ابنة ريجوليتو فيطلقون سراحها ،
ويقسم على الانتقام منهم جميعا ، فيتفق والسفاح سبارافوتشيلى على قتل الدوق الذى
يرتاد حانة السفاح ، وهو على علاقة بأخت السفاح ( مادلينا ) ، فريجوليتو سلاحه
لسانه ، والسفاح سلاحه خنجره ، وتطلع جيلدا على هذا لتتيقن من استهتاره ، ويطلب من
جيلدا أن تتنكر فى زى شاب للهرب من البلدة ،ولكن أخت السفاح تثنى أخاها عن عزمه
لإعجابها الشديد بالدوق ، مع استبداله بأول من يدخل الحانة ، ولم يكن سوى جيلدا
التى ذهبت للحانة كى تضحى بنفسها من أجل انقاذ الدوق لأنها تحبه رغم خيانته لها
،وتتلقى الطعنة القاتلة ، وحين يفتح والدها الجوال يفاجأ بابنته التى تموت بين يديه
طالبة منه المغفرة ، وبهذا تحققت لعنة مونترونى ذلك الأب الذى اغتصب الدوق ابنته
وسخر منه ريجوليتو ، وهكذا داين تدان ، فاللسان يقتل كالسكين تماما.
التأليف الموسيقى لجوزيبى فيردى (
1813ـ 1901) ، وهو أعظم مؤلف موسيقى أوبرالى إيطالى ، قدم لتراث الأوبرا العالمى
28 أوبرا يتضح فيها بجلاء قوة التعبير الدرامى جمال الألحان ، والاهتمام بالصوت
البشرى إذ يعتبره من أهم وسائل التعبير الإنسانى ، خاصة بميله لمعالجة الموضوعات
الإنسانية والمأساوية أو التاريخية السياسية ، مع امتزاج المرح والحزن ، وتنتهى
كثير من أوبراته بموت البطل أو البطلة فى مشهد مأساوى حزين ، ومن أشهر أوبراته
ريجوليتو ، لاترافياتا ، الحفل التنكرى ، عايدة ، وأختتم حياته بتقديم أوبرات عطيل
وماكبث ، وفالستاف .
حفلت أوبرا ريجوليتو حسب رأى الناقدة
الموسيقية د.رشا طموم ، وأكده ما رأيناه وسمعناه بزخم من فيض الإبداع الموسيقى
لفيردى، حيث استطاع أن يوازن مابين الأسلوب الإيطالى وأسلوب الموسيقار فاجنر
الألمانى ، بإذابة الفواصل بين الفقرات الغنائية لتتوالى بانسيابية ، فتتعاقب
الأغانى الفردية ( الآريات ) والثنائية بل والرباعية بعبقرية لحنية متفردة ، وقد
استهل فيردى الأوبرا بمقدمة موسيقية مأخوذة من آريا ( الأغنية الفردية ) اللعنةالتى
أداها الكونت مونترونى ، واختتم بها أيضا بعد موت جيلدا حيث يعيد غناءها ريجوليتو
إعلانا بتحقق اللعنة ، كما جمعت بين لحظات البهجة والحزن ، فى تعاقب بديع ، فالمشهد
الأول يبدأ بالحفلات الراقصة فى قصر الدوق ، وينتهى بلعنة الكونت للدوق ومهرجه ،وقد
أفلحت ألحان الأغانى الفردية لكل من شخصيات الأوبرا على حدة أن تكون خير تعبير عن
محتواها النفسى والأخلاقى والانفعالى ، حيث أبرزت التناقض فى شخصية ريجوليتو ،
مابين سخريته ، قسوته ، حقده ، رغبته فى الانتقام ، وعكست استهتار الدوق ولهوه
ومرحه ، وعاطفته الحسية ، وأظهرت مدى رومانسية جيلدا، وعاطفتها المتأججة ، ورقتها
وتسامحها وفرط عشقها العذرى، وأبدع فيردى فى استخدام الكورس الرجالى فنوعه بين
تجسيد مشاعر السخرية والمرح ، ولحظات التآمر على ريجوليتو ، وغلفه بالكآبة والتوتر
فى مشهد العاصفة بتلك الآهات المكتومة التى يجسدها صوت الرياح من خارج المسرح.
قاد الأوركستراباقتدار ناير ناجى
المولود بالإسكندرية عام 1970 ، خريج معهد الكونسرفتوار بالإسكندرية ، والحاصل على
أعلى شهادة تخصصية للعزف على البيانو ونظريات الموسيقى من الكلية الملكية بلندن ،
ودبلوم القيادة الموسيقية من الايكول نورمال بباريس ، وألأف مايزيد على 30 عملا من
المؤلفات الدينية للكورال والاوركسترا والأصوات المنفردة ، وهومؤسس وقائد كورال
القاهرة الاحتفالى ، وقد قام بقيادة أوركسترا القاهرة السيمفونى ، كالابريا
بإيطاليا ، والملكى المغربى ، والجزائر السيمفونى .
أخرج العرض د.عبد الله سعد مخرج
الأوبرا الأول فى مصر ، وقد أفاد من دراسته فى الكونسرفتوار ، وتدريسه للإخراج
والتمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية ، ودراسته للإخراج الأوبرالى فى إيطاليا
وقد حصل فيه على أعلى الشهادات أن يرتقى بالأداء التمثيلى لمطربى الأوبرا المشاركين
فى العرض ، حتى أنه على الرغم من أداء الأوبرا باللغة الإيطالية ،إلا أنهم قد
أجادوا التعبير بها تمثيليا، وكأنها لغتهم الأصلية، نظرا لتلك الدرجة العالية من
إجادة التمثيل إلى جانب الغناء الأوبرالى ، وهى ظاهرة يجب أن يحتفى بها ، فلقد أدوا
بصدق وروعة أداء تمثيلى ، مغلف بالصدق ، ومهارة التحكم والارتقاء بقدراتهم
التمثيلية ، لدرجة التحكم فى خلجاتهم ،انفعالاتهم ، مع إبراز اللغة الجسدية ،
فجسدوا الشخصيات كأحسن ما يكون ، فى تناغم بين الشخصيات ، مما ساهم فى تعميق الحدث
، وأشاع التوتر والترقب فى الجمهور الذى تفاعل مع العرض ، وكأنه يحدث حقيقة أمامهم
، وفى الليلة التى حضرت فيها العرض تألقت أميرة سليم ( جيلدا ) ، وحلقت بالمشاهدين
إلى رحاب الفن المسرحى الغنائى ( الأوبرالى ) فى أبهة وفخامة، إلى درجة لم تصل
إليها العروض المسرحية المؤداة باللغة العربية ، وككذلك ألفيو جراسو الإيطالى (
ريجوليتو ) ، ورضا الوكيل ( مونترونى ) ، عبد الوهاب السيد ( سبارفوتشيلى ، وحنان
الجندى ( مادالينا ) ، وسارة عنانى ( جيوفانا ) ، لقد أحسن المخرج توظيف إمكانياتهم
الإبداعية ، وأجاد اختيار كل منهم فى دوره ، وارتقى بأدائهم التمثيلى ، الذى ظهر فى
صورة فنية محكمة الأداء.
سينوغرافيا العرض ( صورته المسرحية )
تكاملت العناصر الديكورية واكسسوارته ،ففى المشهد الأول تدور الأحداث فى قصر الدوق
، وتقف الحاشية التى تشاهد مايحدث على المنصة أعلى السلم ، كرمز على وضاعة ما يحدث
من سيد القصر ، حتى أن الحاشية جعلت مما يحدث منه ، ومهرجه ريجوليتو تسلية ، مع
ألوان الخلفيات واللون الغالب على كل مشهد ، فقصر الدوق غلب عليه استعمال اللون
البنى بدرجاته ، وألوان المشهد الذى يجمع بين الطريق ومنزل ريجوليتو من غلبة اللون
الرمادى عليه كدليل على ما يحيط به ريجوليتو ابته من غموض وسرية وعزلة ، ومشهد
الحانة من داخلها ، والباب الذى يفصل بينها وبين خارجها ، مع حرفية المخرج فى تصوير
ما يحدث فى الطريق وداخل المنزل ، أو مايحدث داخل وخارج الحانة فى نفس الوقت على
المسرح بتقنية فنية عالية ، أعطت العرض رحابة فى التنقل بين مشهد وآخر ، دون أن
تعيق متابعة الجمهور للعرض ، أما عن المؤثرات البصرية مثل ضوء البرق مع صوت
الموسيقى الذى يجسد للرعد فقد وظفهما المخرج خير توظيف فى تجسيد اللحظة بأبعادها
الانفعالية والدلالية ، كما أن ألوان ملابس جيلدا قد تزامنت وخدمت بحرفية تفهم
اللون ودلالته على مشاعرها وما يعتمل داخل الشخصية ، فلقد تنوعت ألوان ملابسها بين
الأزرق السماوى حين كان يناديها الدوق بمحبوبتى العذراء ، واللون الأبيض رمز الطهر
والنقاء حيت التقت أبيها بعد خطفها ،وكذلك المهرج حين بدل ملابسه وارتدى السواد ،
ثم يتنقل بينه وبين ملابس المهرج ، وملابس الحاشية السوداء بأغطية الرأس، وكأنهم
مجموعة خفافيش حين ذهبوا لاختطاف جيلدا ، واللون الأحمر لملابس الغانية أخت السفاح
مادلينا ، والملابس السوداء للسفاح ، وللكونت مونترونى ، وملابس الرجال الذين يغلب
على تصميم ملابسهم ريش الطاووس فى قصر الدوق تعبيرا عن اختياله بنفسه واستهتاره ،
والراقصات بالملابس البيضاء المحلاة بالزهور كرمز على براءة ضحاياه من الفتيات ،
ولقد أبدعت أرمينيا كامل تصميم رقصات العرض ، وكانت جزءا من النسيج الدرامى للعمل .
لفرقة أوبرا القاهرة أن تفخر بتقديم
هذا العرض الإحترافى لفيردى من إخراج المصرى د.عبد الله سعد ، وبطولة أميرة سليم
وألفيو جراسى ، وباقى مطربى العرض ، لتؤكد عروض الأوبرا المصرية أنها علامة على
الفن الرفيع ، والتناول الراقى للأعمال الأوبرالية العالمية بجودة تعادل ما يقدم فى
الخارج .