روبرتو الاكنا
معجزة صوتية ما سرها؟
منى كوسا
بطل خارق , مغني أوبرا شهير يتمتع بصوت يثير الدهشة , أثناء عرض أوبرا فيردي عايدة في كوبنهاجن و من خلال ارتدائه لملابس القادة المحاربين المصريين القدامى يمكن ملاحظة حجم بنيته العضلية ومدى تغير هيئته الطبيعية أثر تمريناته المكثفة على هذا النوع من الغناء .
أدى مغني الأوبرا العالمي روبرتو الاكنا دور رادامس في أوبرا عايدة الشهيرة لفيردي و ذلك على مسرح كوريجي دورانج التاريخي في فرنسا , خطف هذا الصادح أبصار و مسامع 8000 متفرج الذين غصت بهم المقاعد في نفس ذلك المسرح الفخم وقد كان ذلك اليوم غير عادي بالنسبة لمحبي الأوبرا و متابعي هذا الفنان الشهير فبينما كان أعضاء الفرقة الموسيقية الأوركسترا يهيئون آلاتهم و بعد أن اتخذ مئات المنشدين مواقعهم على خشبه المسرح صدح فجأة صوت جهوري من دون سابق إنذار استطاع أن يصل بصوته إلى طبقة من التردد غير الاعتيادية ومن دون ميكروفون حتى أن صوته انفصل تماماً عن أصوات المنشدين و تميز عنهم على الرغم من عددهم الكبير .
وصل إلى الTop وهي علامة موسيقية معروف عنها أنه نادراً ما يصلها المؤدون ولكن روبرتو تمكن من اختراق آذان الجمهور بها و استمر بأدائه و هو عند هذه العلامة لمدة عشر ثوان حتى ضجت القاعة وانفجرت بالتصفيق الحاد و هو مستمر بنفس واحد.اجتمعت ميزتان معاً عند هذا الفنان الاستثنائي جعلتا منه أسطورة في علم الأصوات القائمة على القدرة البدنية و الصحية العالية أولاهما صوته الذي لا ينازعه فيه شخص و ثانيهما غناؤه على خشبه مسرح في الهواء الطلق من دون ميكرفون خاصة في مثل هذا المسرح الضخم .
ما سر المعجزة ؟
يدخل روبرتو الاكنا قبل نصف ساعة بالضبط من العرض المسرحي في مرحلة تأمل ينقطع فيها عن العالم المحيط به و هي لحظات شبيهة بقطع التنفس قبل الغوص في المياه حتى كأنه يصاب بما يشبه الصمم عن سماع ما يجري حوله فهو يؤدي تمارين التنفس من أجل إبطاء إيقاع نبضات قلبه و السبب أن نبضات القلب إذا ما تسارعت فإن تدفق الدماء سيسد أذنيه و عليه يعمد مغنو الأوبرا إلى سد أنوفهم بالسبابة و الإبهام عند التدريب على الغناء كما يفعل الغطاسون من أجل تخفيف الضغط و يترافق ذلك مع قيام القفص الصدري بتخزين كمية هائلة من الأوكسجين ونتيجة لهذا التدريب المتواصل نجح روبرتو في امتلاك مقدرة رئوية غير اعتيادية تتمثل في تخزينه ل 55لتر من الهواء مقابل 4لترات وهي أقصى ما يمكن أن يصل إليه أي إنسان في العالم .
يشير روبرتو في تعليقه على هذا الموضوع إلى أن علامة TopCالموسيقية والdoالعالية هما علامتان تمثلان الذروة مما يجعل كل المستمعين يتلهفون الوصول إلى هذه المرحلة مضيفاً أنها مثل الفقرة الثلاثية أثناء التزحلق يمكن أن تنجح بتأديتها ألف مرة و نفشل فيها مرة واحدة . وهنا يكون لتأدية المغني لهذه العلامة الموسيقية دور كبير في نجاحه ووصوله إلى قمة أدائه و يقول جان ابيتبول الخبير في علم الأصوات أن روبرتو الاكنا لديه حبال صوتية فريدة في نوعها و لكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي يفسر كل شيء فالكمان ليس مجرد تجميع للأوتار بل يحتاج إلى عازف ماهر و فنان يعرف كيف يديره . وهنا يحدد هذا الأخصائي السبب بدقة و بحرفة في هذا التميز فعالم الأصوات هو من يعرف كيف يعزف على أوتار الحبال الصوتية فهو الشخص الذي يهيئ و ينظم الأداة الموسيقية الموجودة في الحنجرة من خلال بذل النصائح و الملاحظات للمغني و لكي يصل إلى مرحلة أداء العلامةTopc الموسيقية ينبغي للصوت أن يخرج بأعلى تردد ممكن أقصى ذبذبة للحبال الصوتية و من الدخول في مرحلة الرنين فإذا ما رنت كلها في وقت واحد و إذا ما انسجمت مع بعضها بشكل جيد حينها سيصل إلى مرحلة أداء الTopcوهي معجزة الصوت و روبرتو الاكنا يعرف بالضبط كيف يستعمل أدواته الرنانة و فتح فمه في اللحظات المناسبة .
و تشير المعلومات إلى أن التدريبات على بلوغ هذه القمة الموسيقية المحفوفة بالمخاطر ترافقها مخاطر من نوع آخر تتعلق بالصحة فذبذبة الصوت تكون على أشدها و عنفها حتى تصل الدماء إلى الدماغ , و يقول روبرتو عن هذه اللحظات أنها تشبه من دون شك ما يشعر به رافع الأثقال الذي يرفع 200كيلو جرام , فعند ترديد المقام السادس من السلم الموسيقي Laسيحدث ذلك 440ذبذبة في الثانية على الحبل الصوتي أما بلوغ Topc فهو أكثر قوة بأربع أو خمس مرات و يضيف روبرتو أنه شيء لا يصدق فأنا أشعر بكل الذبذبة و كأنها ترن في رأسي و تسبب لي صدعاً فظيعاً كأنها شحنة كهربائية . و في سبيل تحمل هذا الضغط الهائل يتوجب على المغني تدليل حباله الصوتية و من المعروف أن الحبال الصوتية عبارة عن عضلات محززة شبيهة بالعضلات الثنائية ذات الرأسين و لكي تكون في حالة سليمة ينبغي أن تتمتع بيومين من الراحة بين العروض الغنائية كما هو الحال عند متسابقي الماراثون الذين عليهم الخلود إلي الراحة لعدة أيام قبل معاودة المشوار فالأوبرا هي تمرين تحمل من النوع الصعب الذي من الممكن يستمر لمدة 3 إلى 5 ساعات .
من جهة أخرى عادة ما ينظر الخبراء إلى هذه المعادلة الصعبة في الغناء الأوبرا لي على أن الأمر شبيه بما يجري في حلبة الملاكمة فحالما يؤدي الشخص لحناًما ينبغي أن تتوافر أمامه كل المتطلبات الضرورية كي يصل إلى مبتغاه من النجاح الباهر و هنا تؤدي هذه المتطلبات دور المدرب في لعبة الملاكمة و عندما يود الانتقال من الصوت النابع من الصدر إلى الصوت الطالع من الرأس خلال أدائه للمقطع الغنائي عليه اعتماد على عضلات البطن التي يجب أن تكون من النوع الفولاذي و ليس بإمكان أبطال الغناء من أمثال روبرتو مجرد الصراخ بعلو صوته , إذ أنه سيهشم حلقومه لذا تراه يبحث عن السند و الدعم في عضلات البطن .
وتؤكد صاحبة أعلى صوت نسوي ناتالي مانفرينو أنه على المغني مد صوته إلى ما يستطيعه في هذا المجال على أن يفعل ذلك بصورة تدريجية فأنا أبدأ الأداء و فمي مغلق كي لا أجهد حبالي الصوتية ثم أصعد بنصف علامة موسيقية كي أعرف موقعي من هذه العلامات أو من الصف الموسيقي و في نهاية فترة التسخين هذه أنطلق كما أن على المغني إرخاء حلقومه ز هو مركز السيطرة على كل العضلات فأي إجهاد للمغني يعني بروز عقدة على حباله الصوتية وبالنتيجة يتراءى لمن يسمع كل هذه المصطلحات ( إحماء , تمطية, إجهاد ) أنها تتعلق برياضة ألجمنا سنك . ويتحدث روبرتو الاكنا عن سر هذا التفوق قائلاً كي يرتفع الصوت ليغطي كامل أرجاء مسرح الأوبرا و لكي يكون جميلاً و رناناً ينبغي الحساس بتيارات الهواء و هي تطلق من الفم كما نحس بها و نحن على متن طائرة شراعية و عندما أجد التيار الهوائي المناسب أدير رأسي و ينقص صوتي سريعاً و ينتشر و أسمعه و هو يعود إلي فأتوقف عن الحركة , و تدل المعلومات الطبية عن الصوت أنه يبقى في حالة جيدة إلى حد عمر 55سنة قبل أن تبدأ التجاعيد بالزحف عليه فمغنيا الأوبرا العالميان لوشيانو بافاروتي و بلاشيدو دومينكو على سبيل المثال لم يعد باستطاعتهما اليوم الوصول إلى علامة Topcالموسيقية فحينما تتكلس الغضاريف تفقد مرونتها و مفاصل الحبال الصوتية كمثيلاتها من باقي مفاصل الجسم يمكن أن ترى فيها علامات على بداية التهاب و هنا تتغير نبرة الصوت و معها تتغير أصوات الحروف الصامتة و لا يعود يعد لها الرنين السابق .ما هي خواص روبرتو الفريدة ؟
120ديسبلاً
وحدة قياس شدة الصوت وهي درجة شدة صوت هذا المغني و هي قوة تعادل ضجة طائرة عند الإقلاع .
400عضلة
تشارك جميعها حينما يغني من أجل السيطرة على التنفس ( عضلات البطن و بين الأضلاع ) و كذلك لغرض تعديل و ضعية الحنجرة إلى آخره .
لا يدخن أبداً أقل بـ3 كيلوجرامات
قبل كل عرض ينزل وزنه ما بين2 إلى 3 كيلو جرامات .
3 ساعات
قبل تقديم العرض ينبغي عليه تناول معجنات و فواكه موزة أو برتقالة و هي وجبة غذائية مخصصة للرياضيين و لكن يمنع عليه تناول وجبة كاملة قبل العرض , كما يوضح أخصائي علم الأصوات جان ابيتبول قائلاً: لأن البطن إذا امتلأ فإن ذلك سيزعج الحجاب الحاجز و يعيقه عن العمل لأقصى طاقته .
حوالي 45ثانية
هي المدة القصوى التي يقضيها و هو ينشد علامة موسيقية بشكل مستمر و بدون انقطاع .
22سنتمتراً
مسافة صعود الحجاب الحاجز لطرد الهواء من الرئتين كما يفعل المكبس في مقابل 10سنتمترات عند الناس العاديين و نلاحظ أن ارتفاع الحجاب الحاجز بهذا الشكل يسبب انتفاخاً تحت ثدييه .
1.5 لتر من هواء الزفير
في دورة التفس الواحدة عند المعني أثناء وقت الراحة مقابل 500مليغرام عند باقي البشر .
ليس أكثر من ساعتين
من المحادثة مع الآخرين أثناء النهار و قبل انطلاق العرض كي لا يتعب حباله الصوتية .