المسرح التجريبي والجمهور
المسرح التجريبي والجمهور
د. كمال يونس
[email protected]
منذ
ابتكار فن المسرح ، والمسرحي يسعى سعيا دؤوبا نحو تحقيق رسالته ، واضعا الجمهور نصب
عينه واعتباره ، يسعى دوما إلى زيادة التفاف الجمهور حوله ، مع مراعاة التغيرات
الدائبة في حركة الحياة والناس، وتغير مفاهيمهم ، فيسعى إلى التطور بالاستعانة
بأحدث التقنيات، بغية زيادة جماليات الصورة المسرحية ( السينوغرافيا ) شكلا ومضمونا
، وتجويدها بحيث تتفاعل بصدق مع الجمهور، مما يمكن المسرح من القيام برسالته في
أبهى صورة ، من أجل تحقيق المتعة الفكرية خلال أطر جمالية تستوعب كافة التقنيات،
لتمتزج مع المسرح مطورة الشكل التقليدي لدوام استمرارية الفن المسرحي ، والإضفاء
الدائم للحيوية ، مما يعمق ارتباطه بالمجتمع من حوله ، وكسب وجذب مزيد من الجمهور،
إذ أنه فن متفرد في اتصاله المباشر بالجمهور، في عرض حي يثير، يستفز، يصحح ،يتهكم،
يضحك، يبكى، يقلقل ، يخلق متعة ذات نكهة خاصة ، ما بين الترويح والوقفة مع النفس،
أي أن المسرح فن ورسالة يعكس في فنيته صورة وجود الإنسان من كافة الزوايا الفكرية
والاجتماعية والنفسية والفكرية والسياسية ، من خلال وقفة للجمهور مع نفسه يتأمل
أحواله من كافة الزوايا حسب مضمون ونوعية العروض المختلفة ، وتنبه وتحاول الإجابة
إلى أين المسير أو المصير ، مما يدعو للتغيير، ودائما ينظر للوجود الإنساني ليعبر
عن الإنسان ، إذ يضرب في عمق الماضي ، ويتطلع ويستشرف المستقبل متخذا من الحاضر
منطلقا لذلك كله، أي أن الجمهور مستهدف في كل العمليات الفنية منذ نشأة المسرح وحتى
الآن ، حيث يتعانق الأدب والفن ليقدما توليفة متوازنة من الإبداع الفكري ( الحوار
الهدف المضمون المتمثل في النص الأدبي ) والفني ( مسرحة النص الأدبي ) ، وفيها
تنصهر مكوناته كلها وتمتزج مع أدوات الصورة المسرحية ( السينوغرافيا ) من فنون
التمثيل والديكور والإضاءة والأزياء والموسيقى والأشعار والغناء والأزياء
والاستعراضات ، والتقنيات الحديثة المتطورة السينما والفيديو ، من أجل مزيد من
التواصل الإنساني مع المتفرج الذي يقدم له هذا الفن ، في عدم استعلاء عليه أو تقعر
في مخاطبته ، وتقديم أنماط يتيسر لها أسباب تقبلها لدى الجمهور من حيث متعة يتعانق
فيها الشكل والمضمون ، بعيدا عن الصدام معه ، والتهكم من ثوابته المقدسة الأصيلة ،
مع التصدي الدائم للبالي من ا لعادات والتقاليد، بما يتناسب معها من خطاب فني مقنع
،من هنا كان المفترض أن تكون الركيزة الأساسية وجوهر التجريب .
ولكن وبعد 19 عاما من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، نعلن بكل صدق فشله
في اجتذاب مزيد من الجمهور لفن المسرح ، أو حتى الإبقاء على جمهوره ، وذلك لأسباب
عدة منها المشاركات الدولية من فرق أغلبها من الهواة الغربيين بما فيها مما لا يصلح
عرضه شكلا ولا مضمونا في بلادنا العربية ، ثم الطامة الكبرى في التقليد الأعمى من
المسرحيين العرب لأنماط العروض التي قدموها ، ومعظمها فج عن الجنس وأنماطه الشاذة
من علاقات مثلية ( لواط وسحاق) وعرى، والدفاع عن الشذوذ وتواجده ، والدعوة لتقبله
كأمر واقع ينبغي تقبله والتعامل معه ، والتهكم على صورة التدين العربي ، وعروض
كثيرة عن المجتمع الذكورى، وتمرد المرأة عليه وانتهاكها في المجتمعات العربية
وقمعها تحت مسميات من الدين ورباط الزوجية ، والدعوة إلى تمرد المرأة على الرجل حتى
لو اضطرت للاستغناء عنه بالمثلية الجنسية ، عروض صادمة صادمة قبيحة الشكل والمضمون
، أو عروض تخلو من التجريب تماما ، ولكن فجور كلمتها وعرضها على الجمهور كان مناط
التجريب الوحيد فيها ، وكانت لإقامة المهرجان سنويا السبب المباشر في التدهور
المستمر في مستوى العروض المقدمة ، مما زاد الجمهور نفورا على نفور ، خاصة بعد تردى
مستوى العروض المسرحية حديثة العرض والإنتاج ، لتتعمق الفجوة بين الجمهور والمسرح ،
ليهجر المسارح إلا من قلة .
وبدلا من أن يسير المسرح نحو المسرح انصرف عنه ،وهذا ما يخالف مناط التجريب كما عبر
عنه الناقد المسرحي المغربي د.عبد الرحمن زيدان في مقالة له بعنوان "تجريب لغات
المسرح في بناء المسرح: إذ ورد فيها قوله : المسرح يسير نحو المسرح حين يتمرد على
شكله المألوف ، والمسرحيون يجربون معرفتهم للوصول إلى هذا المسرح ، وفي الاختلاف
بينهم وبين رؤاهم وأشكال تغييرهم يريدون أن يكونوا بوعيهم قوة تعيد رسم خرائط جديدة
لعالم جديد، يفهم زمن الوعي الجمالي الجديد ، ويدرك الوسائط الجديدة للتواصل ، بعد
أن صارت المعرفة لغة مكتوبة درامية شاعرية ، تمسرح هذا العالم من أجل تواصل يقرب
بين الشعوب، ولا يبعد بعضها عن بعض ، والإنسان هو الأساس ، وهو جوهر الوجود ، وهو
ما يتطلب وجود رجل مسرح مفكر ، وفيلسوف وأديب وفنان يعرف كيف يشغل هذه اللغات من
أجل مسرح إنساني باختلاف لونه ، ويغنى التجريب المسرحي ،وهو ما يتفق مع رأى د.أحمد
سخسوخ : التجريب عبارة عن تغيير للقيم الجمالية ، والقواعد القديمة السائدة في
المسرح ، والاستفادة من كل ما هو جديد ، اعتمادا على التطور الثقافي والتكنولوجي
الموجود في العالم .
جمهور التجريبي صفوة ،مثقفون ، نخبويون ، أكاديميون
وفي
حوار أجراه محمد جمال كساب ونشر في العدد التاسع من نشرة مهرجان القاهرة الدولي
للمسرح التجريبي في دورته ال ( 19 ) بعنوان "هل استطاع الجمهور العربي أن يفهم كلمة
تجريب " استطلع فيه رأى نخبة من المسرحيين العرب ، قال الأستاذ سعد أردش : إن
المسرح التجريبي له جمهوره من المثقفين ، ويرى د.أحمد سخسوخ أن المسرح التجريبي يجب
ألا يقدم للجمهور العادي ، لأنه يكسر تقنيات وقواعد المسرح التقليدية ، فالصفوة
والمغامرون هم الذين يهتمون به ،هؤلاء الصفوة ملوا من فظاظة و ضحالة مسرحي القطاع
العام والخاص لدينا في مصر ، والمشكلة تكمن في عدم وجود مجتمع للمسرح الذي يمثل
رفاهية لرواده ، وحين يكون هذا المجتمع تكون هناك استجابة للتجريب، وأكد على هذا
المعنى المخرج توفيق صالح بقوله : جمهور هذا النوع من المسرح مثقف يبحث عن الجديد
وغير التقليدي ، وعندما يعرض على أناس غير معتادين عليه لا يفهمونه ،وهذا نجده في
الجمهور المصري والعربي الذي اعتاد على المسرح الكوميدي البذيء ، فالتفكير إذن في
تعيير أذواق الجمهور لن يجدي شيئا ، ورصد د.عبد الله وليد الأستاذ بمعهد الفنون
المسرحية بالكويت أن معظم مشاهدي العروض التجريبية في المهرجان يخرجون من مشاهدة
العروض ولديهم تساؤلات عديدة عن التجريب لأنهم لم يفهموه ، تراجع الجمهور الكويتي
عن مشاهدة المسرح بالنسبة للعروض التجريبية ، والسبب أن الجمهور العربي غير مهيأ
لتقبل التجريب ويفضل الأعمال التقليدية .
،
ويتفق الممثلون السوداني إيهاب البلاشى ، المغربية الزهراء، و الكويتيان عبد الله
التركماني ، وعيسى صالح الطالب بمعهد الفنون بالكويت على أن نوعية جمهور العروض
التجريبية من النقاد والمسرحيين فقط ، ويوضحون السبب في الاقتصار على تلك النوعية
من العروض واصفين إياها بأنه لا يفهمها سوى المسرحيين والأكاديميين .
وأيضا يصف ويحدد كاظم نصار مدير الفرقة القومية للتمثيل بالعراق جمهور العروض بأنه
نخبوى من الأكاديميين والمسرحيين وطلاب الجامعات ، وهذه العروض تحتاج للمثقفين ، (
موضحا السبب ) وليس هذا بسبب الجمهور، فالمسرحيون العرب يقدمون مسرحيات ميتة بحجة
التجريب ، علينا أن نبحث عما يهم المواطن العادي ، ونقدمه له في شكل تجريبي بسيط ،
ونتدرج معه عاما بعد آخر ، حتى يستوعبه ، فكلما زادت مساحة المعرفة ، زاد جمهور
التجريب ، أما المخرج والممثل العراقي حيدر متعثر فيرى أن المسرح التجريبي لم يصل
بعد إلى عمق التلقي الجماهيري ، وأن التجريب مازال نخبويا ، وهذا ما أكده المخرج
العراقي جبار جودي بقوله : يبقى للمسرح التجريبي جمهوره الخاص ، ويبقى للمسرح
العادي جمهوره من عامة الناس ،وويدافع د.يوسف رجائي المخرج المغربي عن غرائبية
التغريب عن الجمهور، فالتجريب كما يبدو من كلامه هو الأساس دون وضع الجمهور في
الاعتبار على المدى القريب إذ يقول : التجريب يجب ألا يعجب به الجمهور،فعندما يصفق
المتلقون لعرض ما ، فهذا يدل على أنهم فهموا مغزاه ، ويعد بذلك عملا غير
تجريبي!!!!!!!!!!!.، ويستشهد بمقولة لمخرج فرنسي تقول " كلما قدمت عملا ما وبدأ
الجمهور في الانسحاب من القاعة فرحت وأدركت أن ذلك مؤشر جيد على نجاح العرض
"؟!!!!!، ما أريد قوله إن على المخرجين التجريبيين عدم العمل من أجل المتلقي
؟!!!!!وكل مسرحيه لها فئة معينه تذهب لمشاهدتها ، والمسرح التجريبي له مرتادوه
القليلون وعندما يزدادون فهذا دليل على زيادة وعى الجمهور بالمسرح.
أما
المخرج الليبي فتح الله المجدوب فيقول : لدينا المسرح الذهني الذي يقدم للمترفين
ذهنيا ومن لهم مشاكل حياتيه ليست كثيرة، وهذا المسرح فرض نفسه واصبح له مهرجانات
ومريدون يزدادون شيئا فشيئا ، وإقبال من المواطن العادي لأنه يقدم أعمالا تجريبية
بسيطة تمس همومه ، ورغم الباع الطويل للمهرجان التجريبي لم يعد هناك جمهور عادى
يشاهده، لأننا لم نستطيع تربيته مسرحيا بأسلوب علمي ، لذلك أصبحت علاقتنا بالتجريب
سيئة للغاية.
ويبقى السؤال اللغز لماذا الإصرار على إقامة مهرجان المسرح التجريبي سنويا ؟ ، لما
لا يقام كل 4 سنوات حتى تقدم تجارب أنضج وأقوى ؟، ولما لا يوضع إقبال الجمهور وهو
صنو المسرح وعماده في الاعتبار ؟!!!!!.