الفشل المريع لزكى في الوزارة
د. كمال يونس
تعرض حاليا على مسرح لينين الرملى القومى سابقا بوسط القاهرة مسرحية زكى فى الوزارة تأليف لينين الرملى بطولة حسين فهمى ، سامى مغاورى ، ياسر فيصل ، هالة فاخر ، سلوى عثمان ، شعبان حسين ، لقاء سويدان ، يوسف إسماعيل ، رشدى الشامى ،حمادة بركات ، ديكور حازم شبل ، وملابس نعيمة عجمى ، وإضاءة ياسر السيد وإخراج عصام السيد.
العرض يحكى عن زكى العجيب الأستاذ الجامعى ، وهو ينتظر رد الفعل على مقال كتبه فى جريدة الحق المعارضة بعنوان إلى الجحيم ياوزارة التعاسة والبؤس، ولكنه مصاب بهلاوس جعلته يتوهم أنه قد تم اختياره وزيرا للشباب والرياضة فى وزارة لم يتغير فيها سوى بعض الوزراء ، وتجاريه الزوجة والابنة والابن والخادم والطبيب فى هذا، ومابين الحلم والواقع يتضح أن أسرته مفككة، زوجة مشغولة عنه بالجمعيات الخيرية ، وابن يحلم بالسيارة ، وزوج ابنة انتهازى ، وهو نفسه يقع فى شراك الفساد والعفن ، ومن بين ما توهمه يستدعى خادمه سليمان ليحاور رئيس الوزراء الذى يوافقهم على كل مايقولونه حتى السلام مع اسرائيل، وقد رمز به للشعب لينتهى الأمر بالخادم أو الشعب إلى حمل حذاء رئيس الوزراء بكل رضا ، وتنتهى المسرحية على تغيير وزارى يرضى عنه البطل محملا مسؤولية الفساد للشعب والحكومة سويا فى قطاعات الصحة والاقتصاد والتعليم، وطبعا كما جاء فى ايفيه سخيف لحسين فهمى قالولى ماقلش الثقافة ،وفيها من الفساد مافيها ، حتى أصبحت مصدرا من مراكز تصدير المرتشين والفاسدين لسجون مصر .
العرض دراميا سطحى ساذج مترهل مفكك سىء الحبكة ضعيف البناء الدرامى للشخصيات ، يفتقد منطقية الحدث ، الصراع فيه خائب هزيل ، نسخ مكرر لأهلا يابكوات بدون أسباب نجاحها ، حوارات مملة من تلك التى تجرى على ألسنة العامة فى خطاب مباشر فج ، ولم يقل أكثر مما تقوله الصحف ولكن فى عشوائية ، كذلك لم يفته الزج فى الأحداث بدور سوسو واوا الراقصة ، التى تقدم فنا مسرحيا هابطا إسقاطا على مسرحية روايح التى سوقت لمراكز الشباب ، واقتباس من فيلم معالى الوزير بتهديد الأستاذ الجامعى بتدبير المكائد ضده إذا استقال من الوزارة .
أى عرض مسلوق دراميا وعلى عجل ،فجاءت الأفكار متناثرة مبعثرة لا رابط يجمعها ، مفبركة ،وقد كتب النص خصيصا على طريقة المسرح التجارى ذى النجم الأوحد ، فكانت كل الشخصيات مختلةالتركيب والبناء سطحية تافهة افتقدت العمق والتركيز ، مما وسم أداء الفنانين المشاركين فى العرض بالفتور وعدم الصدق وعدم التمكن من الإمساك بالشخصية ، طبعا ولم لا ، فالعرض بأكمله سلق بيض ، ويصلح مادة ثرية للتعرف على مكامن الخلل فى عروض المسرح المصرى، خاصة عروض مسرح الدولة ، ليكون العرض نموذجا فريدا تتجسد فيه مأساة مسرح الدولة مابين محسوبية اختيارات النصوص ، وخصخصة المسرح القومى سابقا وقصره على النصوص الضعيفة الواهية فكريا وفنيا ، ليصبح مسرح لينين الرملى .. القومى سابقا ، واللى مش عاجبه يخبط رأسه فى الحيط ، ولم لا فلقد استبيح المسرح وأصبح حكرا على مجموعة بعينها ، فى زمن لم يعد المؤلف المسرحى ، ولا المسرح بشهرته القديمة ، ولا المخرج نجوما للعرض باستثناء النجم ، هذا العرض تأكيد لإفلاس لينين الرملى ، والحقيقة أننى أشعر بالرثاء نحوه وليس على زكى العجيب ، وكفاية عليه قوى كدا كتابة للمسرح ، آه الحق حق ، مستعجل على إيه ، المفترض منه أن يتأنى و يتروى فى كتابة المسرحيات، ما القومى موجود ، ومفتوح له على مصراعيه ليؤلف ويخرج ، وماحدش هيقدم عليه حاجة غيره ، وياريت يحترم تاريخه القديم مع محمد صبحى حين قدما أجمل المسرحيات المقتبسة ومصروها.
وهاهو حسين فهمى يكرر نفسه وأداءه فى أهلا يابكوات ، متناسيا أن البطولة الحقيقية فى أهلا يابكوات كانت للنجومية وللشعبية الطاغية للنجم المحبوب شعبيا عزت العلايلى ، ولخفة دم سامى مغاورى الذى ذاق الأمرين على يد حسين فهمى المتوهم أنه نجم مسرحى بعد أن توارت وانحسرت عنه السينما ، وتبقى له ومنه ذكرى الواد التقيل ، وقد توهم أنه الزعيم السياسى الذى يتحسر دوما على أيام الملكية فى مصر ، وقد حمل ومؤلف العرض الخمسين عاما الماضية، أى منذ ثورة يوليو السبب فى الفساد والانهيار الذى برز على السطح ، ناهيك عن تودده للأمريكان المبالغ فيه ، مع الدعوة للتطبيع ،إضافة إلى توهم زوجته لقاء سويدان المتوهمة أنها بطلة للعرض بدون مناسبة ، مع تعاليها وزوجها على فنانى مسرح الدولة ونجومه ، إثر سطوة النجم وزوجته ، وتعاملهما مع النجوم من موظفى البيت الفنى للمسرح كطبقة مهمشة، ومحاولة الزج بالعافية بلقاء سويدان زوجة البطل لتخطى النجوم الحقيقية من ممثلى العمل ، أين لقاء سويدان من سامى مغاورى وسلوى عثمان وياسر فيصل وقد كانوا بهجة العرض ؟!!!.
المخرج عصام السيد يجعل مشاهد العرض يقع فى حيرة ، هل هذا هو عصام السيد المخرج الكبير ذو التاريخ الفنى ؟!!، وقد وقع فى عدة أخطاء لايقع فيها مخرج مبتدىء ، فلم يحسن اختيار النص ، ولم يحسن الاستفادة من طاقات الفنانين المشاركين فى العرض ومع سوء توظيف القدرات الفنية لفنانى العمل ، مهدرا طاقتهم الفنية والإبداعية ، ولم نعتد منه أبدا رداءة الطرح وسخافة التناول ، وتفاهة المضمون ، فالعرض سوداوى شديد القتامة ، فالحاضر أسود ، والخمسين ثانية الماضية من عمر بلادنا مع ثورة يوليو أشد سوادا ، وهى التى جرفتنا ، وجرتنا إلى هذا الواقع الأليم ، ومشكلة أستاذ الجامعة الذى لا يقدر على دفع مصاريف دراسة ابنته فى الجامعة الأمريكية ،وفبركة انضمام ابن الأستاذ الجامعى للجماعات الإسلامية ، وخطيب ابنته الانتهازى ، وياليت الأستاذ المخرج الكبير عصام السيد ادخر تقنيات العرض من تنقل بين الأحداث والمشاهد متباينة الطول ببراعة ومهارة ، مع الديكور المتحرك ، وهى أحسن مافى العرض ، وخسارة أن تكون ضمن سينوغرافيا العرض المهترىء ، وحتى اللزمة الموسيقية الفاصلة بين مشاهد العمل، مصر التى فى خاطرى وفى دمى فقدت معناها وتواجدها وتوظيفها فى هذا العمل ، ونتفق مع عصام السيد إذ يقول هذه ليست مسرحية سياسية ، واختلف فى وصفها بالاجتماعية ، فهى ليست مسرحية على الإطلاق ، ولكن يشكر له أن نصح مشاهد المسرحية ألا يفكر وهو يشاهدها ، والله له حق علشان مرارة المشاهد ماتتفقعش من الغيظ ، ونصحه بالضحك والاستمتاع فقط ، ولكن من أين للمشاهد الضحك ، والاستمتاع ، بل أين القيمة الفكرية والفنية؟ المفترض أن يحملها ويتضمنها العرض المهترىء دراميا، ويبدو أن المخرج عصام السيد قد نسى نصيحة ألا يرقع فى الدايب( القديم البالى) فكرا وفنا، ولكن يبدو أن المخرج قد نسى أن يقرأ النص قبل إخراجه ليتعرف على مكامن الخلل الدرامى فيه قبل أن يتورط فى إخراجه ، نظرا لما عرف عنه سابقا من إجادة اختيار أعماله .
أما عمر الحريرى فى هذا العرض لم يكن هذا الفنان العبقرى بحاضر على الإطلاق ، وهالة فاخر كانت تستدر ضحكات الجماهير فى استخفاف ، وهكذا حال بقية فنانى العرض باستثناء النجم سامى مغاورى، فلقد نجح برصيده الفنى الكبير وفى حدود السطور المتبقية له من حوارات العرض أن يكون بسمة العرض، والشاهد على ذلك تصفيق وتحية الجمهور له بحرارة ، وإن كنا نعيب عليه الرضا بعمل لا يتناسب وموهبته ومقدرته الفنية وتاريخه المسرحى الرائع، وكذلك الفنان الشاب ياسر فيصل .
العرض ليس جريدة ممسرحة، ولا ينتمى لأى شكل من الأشكال المسرحية، أين لجان النصوص؟! ، مع أن المفروض أن تذكر محاسن الموتى من أعضائها الذين ارتضوا الموت بالحياة ، تحت وطأة اختيارات المماليك والبكوات ، من أولى الأمرالمهيمنين على مقدرات المسرح المصرى ، وياريت يعرض تقرير لجنة النصوص علنا على الملأ ، حتى نتعرف على مكامن عبقريتهم الرائعة فى الاختيار، أم هل حقا تمت خصخصة المسرح القومى على يد أشرف زكى وشريف عبد اللطيف الذى يفاجئنا دوما بأن عروضه جميلة ورائعة رغم أنف النقاد؟!!!! ، أذكرهما بأن هناك استقالة أو إقالة ، ولكن يبدو أن المرء قد نسى الكلمة الخالدة للدكتور أشرف زكى رئيس البيت الفنى للمسرح اللى مش عاجبه يشتكينى ، عموما الشكوى لغير الله مذلة ، ويبقى التاريخ هو الحكم ، والتاريخ لا يرحم.