مناقشة لقب (الإمبراطور)

الخاص بالمنشد موسى مصطفى

نجدت لاطة

[email protected]

كما هو معلوم أن النشيد الإسلامي الحالي دخل في مرحلة جديدة ، وهذه المرحلة تستدعي من المنشدين الجدية والاحتراف ، كي تكون للنشيد القدرة على منافسة الغناء غير الملتزم ، وبالتالي يكون النشيد بديلاً حقيقياً وكاملاً عن الغناء غير الملتزم ، لأن الجمهور ـ بل الإنسان عموماً ـ يتوجّه ـ تلقائياً ـ نحو الفن المتقن الأصيل .

 والمرحلة الجديدة تستدعي أيضاً أن يعرف المنشدون أبجديات هذا الفن ، بحيث يسيرون وفق تلك الأبجديات فلا يتخطونها ولا يهملونها ، وإنما يعطونها الاهتمام الكامل ، لأن النشيد هو ـ في أحد أهم أوجهه ـ إحدى الوسائل الدعوية في عصرنا الحالي .

 وقضية الألقاب في النشـيد الإسلامي ـ والغناء عموماً ـ ليست شيئاً أساسياً ، وإنما هي من الأشياء الثانوية ، ولكن ينبغي أن نتعامل معها تعاملاً صحيحاً لا يسيء إلى النشيد الإسلامي .

 والألقاب ـ عادة ـ تصدر عن المتخصصين ، فمثلاً في علوم الشريعة أطلق العلماء ـ وليس الجمهور ـ لقب ( حبر الأمة ) على ابن عباس رضي الله عنهما ، وأطلقوا لقب ( حجة الإسـلام ) علـى أبي حامد الغزالي ، وأطلقوا لقب ( شيخ الإسلام ) على ابن تيمية ، وغير ذلك من الألقاب التي يعرفها الناس .

 وفـي مجال الغناء أُطلق لقب ( كوكب الشـرق ) على المطربة أم كلثوم ، وأُطلق لقب ( العندليب الأسـمر ) علـى المطرب عبد الحليم حافظ ، وأُطلق لقب ( الشـحرورة ) علـى المطربة صباح .. ونحن لا ندري مَن أطلق هـذه الألقاب الفنية على هؤلاء المطربين ، ولكن قطعاً لم تصدر من قِبل الجمهور ، وإنما صدرت من قِبل المتخصصين بالغناء كالملحنين والموسيقيين والنقاد الفنيين ، كتقدير لمنزلة هؤلاء المطربين في حركة الغناء .

 والنشيد الإسلامي ينبغي أن تكون فيه ألقاب فنية ، بحيث تُعطى للمنشدين المتميزين الذين يثرون حركة النشيد الإسـلامي بما يقدمونه من إنشاد متميز ومتقن . ولكن ينبغي أن تكون هذه الألقاب فنية تليق بفن الإنشاد ، بحيث لا نُقحم فيها ألقاباً سياسية ولا ألقاباً دينية ولا غير ذلك مما لا يصلح لفن الإنشاد والغناء .

 ولقب ( الإمبراطور ) الذي يحاول البعض أن يُلصقه بالمنشد موسى مصطفى ليس له صلة بفن الإنشاد ، ولا حتى بسائر الفنون الأخرى .. وإنما هو مصطلح سياسي خاص بالملوك في الحضارات القديمة . وأنا ـ بصراحة ـ أخجل أن أذكر أمام غير الملتزمين لقب ( الإمبراطور موسى مصطفى ) ، لأني أعرف أنهم سيستهجنون مني هذا اللقب ، وبل وقد يسخرون مني ومن هذا اللقب ، وهم سيتساءلون عن علاقة اللقب بالفن ، وأنا ـ طبعاً ـ ليس عندي إجابة لذلك .

 ومصطلح ( إمبراطور ) هو خاص بالحضارات غير الإسلامية كالبيزنطية والرمانية والصينية واليابانية وغير ذلك من الحضارات ، ولم يُلقّب أحد من زعماء المسلمين عبر التاريخ بهذا اللقب ، وإنما كان عندنا ألقاب أخرى خاصة بنا مثل : الخليفة ، أمير المؤمنين ، الملك ، الأمير ، السلطان ، الخديوي .. وقد قلت مرةً متهكّماً : إذا أراد جمهور المنشد موسى مصطفى أن يلقبه بألقاب سياسية فليأخذ لقباً سياسياً خاصاً بالمسلمين ، كأن يكون اللقب ( الخليفة موسى مصطفى ) أو ( الملك موسى مصطفى ) أو ( السلطان موسى مصطفى ) .. وأنا ـ طبعاً ـ أرفض كل هذه الألقاب ، لأنها مدعاة للسـخرية كما يلحظ ذلك القارئ بشكل واضح ، لأنها ألقاب سياسية لا تليق بالفنون . ولكن أرجو أن يلحظ القارئ كذلك أن لقب ( الإمبراطور ) هو مدعاة للسخرية أيضاً ، ولا يوجد فرق بينه وبين تلك الألقاب.

 وأنا قلت في مقدمة المقال أن النشيد الإسلامي ينبغي أن يسير وفق أبجديات الفن الغنائي ، بحيث لا نشذ عن ذلك حتى لا يضحك علينا أحد من غير الملتزمين. وأنا أخشى أن يأتي الجمهور فيسمي أحد المنشـدين بـ ( كسرى ) أو( فرعون ) لأنه ما الفرق بين كسرى والإمبراطور وقيصر وفرعون ؟! حقاً إن الأمر لمضحك جداً .

 والمشـكلة أن المشـرفين علـى موقـع موسى مصطفى أُعجبـوا بلقب ( الإمبراطور ) فقاموا بتسـمية أقسام الموقع بالإمبراطوريات ، فهناك الإمبراطورية الحرة ..

 ولقب ( الإمبراطور ) تعني أن صاحب اللقب ينبغي أن يكون في رأس القمة من الناحية الفنية ، أي يأخذ الدرجة الأولى في الصوت والألحان والأداء . وهذه المنزلة تستحقها ـ في مجال الغناء ـ المطربة الكبيرة أم كلثوم ، ويستحقها ـ في مجال النشيد ـ المنشد العملاق حسن حفار . أما المنشد موسى مصطفى ، بل وسائر المنشدين الجدد ، بل وسـائر المنشدين الرواد ، فلا يستحقون هذه المنزلة ، لأن الكل تحت منزلة أم كلثوم وتحت منزلة حسن حفار بمسافات كثيرة ، في الصوت والألحان والأداء ، لذا لا داعي لأن نعطي أحداً من المنشدين منزلةً لا يستحقها ، ولا داعي لأن نستهتر بالألقاب على حساب الفن .

 وسـيعترض علـي البعض فيقول : المطرب كاظم السـاهر أُطلق عليه لقب ( القيصر ) وقد انتشـر هذا اللقب بين جمهور المطربين ولم يعترض أحد عليه .. فأقول : إن لقب ( القيصر ) هو مدعاة للسخرية أيضاً ، لذا بدا باهتاً ولم ينتشـر بين الجمهور بشكل كبير ، ويندر أن تذكره وسـائل الإعلام ، بعكس لقب ( كوكب الشرق ) الذي انتشر نتشاراً كبيراً إلى درجة أن الكل ـ حتى عامة الناس ـ تعرف أن هذا اللقب خاص بأم كلثوم . وإن انتشار لقب ( القيصر ) بين جمهور المطربين هو غلط ، ولا ينبغي أن نقتدي به .

 وقد سبق لي أن أطلقت على المنشد موسى مصطفى لقب ( منشد الشباب ) وهو ـ كما هو واضح ـ يناسبه ، فموسى مصطفى كان ـ وما يزال ـ المنشد الأول بين جمهور الملتزمين الذين هم في مرحلة الشباب ، سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً ، بالإضافة إلى الروح الشبابية والتجديدية التي يتمتع بهما موسى مصطفى ، فهو بحق الناطق الفني والوجداني عن جيل الشباب والفتيات .

 فلقب ( منشـد الشـباب ) يصلح تماماً للنشـيد ، على العكس تماماً من لقب ( الإمبراطور ) الذي لا يصلح للنشيد على الإطلاق .

 أرجو أن نكون أكثر وعياً ونحن نؤسس لفن الإنشاد ..