المسرح المصري..
د. كمال يونس
عدة ظواهر سلبية مقيتة في عالم المسرح تبرز طافية على السطح تشير بوضوح إلى مكامن الخلل في أداء المسرح المصري ، منها تلك الحملة الضارية التي يتعرض لها كتاب المسرح ، الذين تعصف بهم حملة ضارية واضحة المعالم ، تهدف إلى إقصائهم عن المسرح ، إما برفض دون سند من الحق والعدل والنزاهة لأعمالهم ، وذلك لوجود خلل في شفافية عمل لجان النصوص المدعى عليها ، وهى في الواقع غير موجودة أصلا ، نظرا لتحجيم دورها ، فلا قيمة لرفضها أو قبولها ، أي صلاحيتها، ولكن الأهم في اسم كاتبها وحيثيته وسطوته القلمية من أصحاب مبدأ " فيها لأخفيها "، ومعيار القبول الحقيقي للأعمال إنما هو للذي تصطحبه تأشيرة من الوزير ، أو لما يرتضيه قهرا أو طواعية من يتولى إدارة المكان ، ولمزيد من المطاردة للكتاب المسرحيين الجادين الذين يصدمون بواقع أن كثيرا من النصوص التي تقدم بمسارح الدولة في مصر هي تأليف وإخراج ، إعداد وإخراج ، رؤية وإخراج مما يقصى الكاتب عن الحركة المسرحية بعيدا بالنفي الجبري ، أو الانسحاب نظرا لقتامة الوضع والحال ، وأيضا الاستسهال العجيب باللجوء إلى إعادة العروض القديمة بنجوم لها اسمها وبريقها ، ونصوص لها سمعتها من تراث المسرح ، وحتى مسارح الشباب تحذو نفس الحذو وتلجأ أيضا إلى النصوص المترجمة أو التراثية التي سبق تقديمها من قبل ، لتقدم باسم مخرجيها المدللين المرضى عنهم ، ولا دور للكاتب المسرحي ، حتى وصل الأمر إلى بروز مخطط نبذ الكلمة ، والإعلاء من حركة الجسد تحت مسميات الرقص المسرحي الحديث ( خلوها باليه ) ، أو تقليص دور الكلمة
( هنقضيها بانتوميم ) ، أو استخدام محدود للكلمة مع إفساح المجال للموسيقى ( فلا هي أوبرا , ولا هي أوبريت ) ، ومعظم هذه العروض تفشل نظرا لتلك الفجوة بين المتحمسين لها والجمهور ، إذ تغفل في جبروت وتعنت لرغباته ، في محاولة لقهره بفرض أنماط مسرحية لا يعيرها محبو ومرتادو المسارح أدنى اهتمام ، فيولى الجمهور تلك العروض ظهره ، معلنا رفضه لتلك الأنماط التي لا يتذوقها ، وتفرض عليه قسرا ، لذا برزت على السطح مصطلحات مثل "عروض الأشباح" نظرا لخلو المسرح من الجمهور ، وهكذا يذهب دعم الدولة للمسرح إلى جيوب تلك المجموعة الأنانية المحتكرة التي تسخر المسرح لصالحها ، وتستأثر بالكعكة المسرحية وحدها ، على حساب الفن المسرحي ، مع الإطاحة في صفاقة وتعال وصلف بالكاتب والجمهور ونظرا لاختلاط الحابل بالنابل وتدهور الحركة النقدية على يد مجموعة من كتاب الأعمدة في الصحف ، وقد خلطوا النقد الموضوعي بالانطباعي ، وروجوا لأنفسهم ، ودشنوا لحقيقة كونهم مراكز قوى لها اعتبارها لدى القائمين على أمر المسرح ، يبتزونهم ويلاحقونهم بالمقالات العاصفة النارية ، ولكونهم كما يقول المثل "دفنينه سوا " ، يبادر القائمون على المسرح باسترضائهم ، ومن يقف في سبيلهم ومقطتعاتهم ومزاياهم يقفون له بالمرصاد ، ويتبعون ذلك بسيل من الهجوم الضاري ضده بغية إحراجه أمام المسؤولين ، فيلبى مطالبهم " ويا دار ما دخلك شر " ، وليس الأمس بالبعيد حين اتحدت تلك القوى المستفزة المبتزة ، التي تكتلت في مواجهة الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح د 0أسامة أبو طالب، الذي قام بفضحهم ، ولكن هذا اللوبي المقيت أطل برأسه من جديد ، لأنه يعرف كيف يتسلل جيدا بمهارة عبر مكامن الخلل ، ويحصد الآن الغنائم ، فتلك أعمالهم الفاشلة بين تأليف وإخراج تعرض سنويا ، في منافذ الإنتاج المسرحي للدولة , وعلى رأى الفنان الراحل توفيق الدقن في مسرحية سكة السلامة ( كله على ودنه ) ويقبضون ، ولا مانع من كتابة بعض المقالات الساخنة من الحين للآخر حتى تلبى مطالبهم دوما ، وحتى لا ينسى القائمون على الأمر أن لهم مخالب قوية ، وهم معروفون للوسط المسرحي جيدا ، ويمكن للقارئ مراجعة أسماء مؤلفي ومخرجي العروض حتى يعرفهم الناس ، للتدليل على ما نورده نعرض هذه الفقرة من الحوار المنشور في الأهرام العربي مع د.أسامة أبو طالب الرئيس الأسبق للبيت الفني للمسرح في 26 فبراير 2005 و التي يجيب فيها على هذا السؤال :
* لماذا كل هذا الهجوم عليك رغم كل هذا الإنجاز؟
لأنني أقف بالمرصاد لكل مبتز وصاحب مصلحة شخصية , وكل من يريد أن يأخذ فرصة ليست من حقه ويدع الباقين ينتظرون بلا عمل , وأقف أيضا ضد كل من يريد أن يخرج وهو ليس مخرجا مثل الصحفي الذي أراد أن يخرج مسرحية لمسرح الطليعة وقال لي بالحرف الواحد علي الهاتف : أنا لي كل عام إخراجية في مسرح الطليعة ومسرحية من تأليفي تقدم علي مسرح السلام ( إتاوة00 فردة ) فقلت له بالنسبة للإخراج لما تقف علي شعر رأسك لأن لدي طابورا طويلا من المخرجين المحترفين , أما بالنسبة لمسرحيتك التي تريد تقديمها علي مسرح السلام فتقدم بها للجنة القراءة فقال لي بغطرسة وغرور أعمالي لا تقدم للجنة القراءة فأغلقت الهاتف في وجهه فبدأ يهاجمني وشخص آخر هاوي رغم أنه تخطي السن القانونية للهواية قال لي : لا تندهش لأنني أكرهك فقلت له لماذا ؟! فقال لي لأنك منعت عني40 أو50 ألف جنيه
( ثمنا لعدم الهجوم وكشف المستور كنت أحصل عليهم سنويا نظير إخراجي مسرحية لمسرح السلام وتأليف مسرحية أخري لمسرح الغد , وهؤلاء المبتزون يتخيلون أن المسألة تقف فقط عند تقاضيهم مبلغ20 أو 25ألف جنيه نظير تأليفهم , لكن الكارثة أفدح من ذلك لأن أي عرض يتكلف مئات الآلاف من الجنيهات وبعد ذلك يحقق فشلا ذريعا ( مال سايب والمال السايب يعلم الخيابة ) وينسب هذا الفشل لي بعد أن يكون السيد المؤلف تقاضي مكافأته "وفلسع"، ولكن عزائي الحقيقي أنه في مقابل هؤلاء الصحفيين المبتزين هناك مئات من الشرفاء"0
ويكفى أن معد البرامج بالقناة الثقافية الشاعر محمد رمضان قد دعا بعضا من أفراد اللوبي الذي قاد الهجوم على د.أسامة أبو طالب ليواجهونه تليفزيونيا في حلقة تليفزيونية ( على طريقة واجهني يا كابتن ) ، وحضر الرجل ولم يحضروا بل ورفضوا حتى المشاركة بالاتصال التليفوني على الهواء ، وفضحهم على الملأ ، وفند مزاعمهم الباطلة 0
ومن العجب تلك السبل التي ابتدعوها في الرد على من يشتكى من تلك الأحوال العجيبة ومنها تكليف أحد تلك الأٌقلام المأجورة بالرد عليه مع لائحة تهم سابقة التجهيز ، وأبسطها كونه ينتقم من الإدارة لأن له نص و ماعملهولوش ، أو نصوصه رفضتها لجان النصوص المشكوك أصلا في نزاهتها ، كل ذلك من أجل تمييع المسألة برمتها ، وإرهاب من يجرؤ على فضح المستور ، أو يجرؤ على الشكوى مما يحدث0
ليس أمام المسئولين عن المسرح في مصر سوى خلع الأقنعة بصدق ، و اللجوء للشفافية ، والنزاهة ، وتفعيل الضمير وطنيا وفنيا ، والتخطيط الواعي للنهوض بالمسرح ، مع مراعاة رسالته السامية ونبض الجمهور وتفاعله ،مع تطبيق معايير الدقة في اختيار القائمين على إدارة العملية الإنتاجية المسرحية ، ممن هم جديرون فعلا بتولي مناصب الإدارة , وليس من عينة من لم يقفوا من قبل مطلقا على خشبة مسرح بحجة أن زيتهم في دقيقهم كما يقول المثل ، و اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش ، مطلوب إدارة واعية علمية وليست تجريبية حتى يتوقف نزيف المال العام وإهداره على مشاريع فنية خائبة ، وحتى نحافظ على ثرواتنا الطبيعية من كتاب ومخرجين وفنانين بتوجيه طاقاتهم في عدالة ونزاهة ، ومما يتيح مشاركتهم في الأعمال من إنتاج مسارحهم ، ويفعل طاقاتهم الفنية ويبرزها ، فليخلص القائمون على المسرح في مصر النوايا من أجل النهوض الفعلي بالمسرح وأحواله ، وساعتها سيقفون بأقدام راسخة أمام تلك السهام الطائشة الحاقدة الموتورة لأصحاب الأقلام المرتزقة ، ولن يقعوا فريسة للإبتزاز0