دينا غزال
دينا غزال
خزف وجداريات
زياد جيوسي
) حاولت في معرضي هذا أن أظهر دلالات ورموزا كبيرة, أقلها كسر طوق العتمة المفروض على أرواحنا وأجسادنا منذ زمن وما زال..هناك أشكال معاصرة للدفاع عن الوجود المهدد " فلسطين ". فتاريخها هو روح القوة والصبر وكأنها تندفع, تنفعل, وتصعد في آمالها غير ما نتصور..)
) دينا غزال )
أن تقرأ أعمال دينا غزال وتكتب عنها..يعني أن تجول في حواري المدن العربية العتيقة سيرا على الأقدام, أن تسير في دروب قصبة نابلس وساروجة دمشق وصالحية بغداد وسلالم السلط وسيل عمان وحارات وأبواب القدس ودروب رام الله التحتا, وأن تستنشق عبق التاريخ فيها والروح الشعبية.. لتكتب عن دينا غزال..يعني أن تعرف تاريخ كل صنوبرة وشجرة حور في شارع السهل في رام الله..وأن تملأ روحك من جذور زيتونة ( رومية ) في تلال فلسطين..أن تخرج من ذاتك في الربيع فتجول السهول والتلال تقطف الزنابق والنرجس وشقائق النعمان والمنثور وتتنشق نسمات الياسمين والزعتر الأخضر وترتاح بعدها بين أشجار سنديان عتيق.
هكذا استشعر نفسي وأنا أقف أمام إبداعات وخزفيات وجداريات دينا غزال...فنانتنا هذه..نمت وترعرعت في أحضان مدينة نابلس, حيث التاريخ لمدينة جميلة ومتميزة, الأحياء القديمة ذات الأزقة المتعرجة والضيقة والجميلة..مدينة البنيان الجميل والهواء العليل, ولمن لا يعرف تلك المدينة فهي تقع بين جبلين شاهقين يحميانها ويلتفان حولها.ولذا...فكل من سكنها كان دوما نظره إلى أعلى...للسماء والى قمم لجبال تعانق السماء..فتخلق بالنفس شموخا وكبرياء ونظرة تتعالى للبحث عن الجمال والسمو فيه والتحليق عاليا في فضاءات عالية ورحبة..
ومن هنا..كانت نشأتها..في هذه الأجواء المتميزة والحاضرة ذات التاريخ الموغل في القدم..وفي أجواء المدينة بين ماضيها وحاضرها بجمالياتها وخطوطها وأحيائها..ولذا ..فليس من السهل أن تقرأها دون أن تعرف عن كثب وقرب الأجواء التي أحاطت بنشأتها والعوامل التي ساهمت بتكوينها الفني وأثرت على نفسيتها, فأتاحت لها هذه الخطوط الانسيابية والألوان المتمازجة والمواضيع القيمة..إلى استكمال دراستها في بغداد في منتصف السبعينات من القرن الماضي..ومن كان يضاهي بلاد الرافدين في فن الخزف والجداريات ؟؟
أذكر أنني سافرت لبغداد للدراسة في أوائل السبعينات من القرن الماضي..وصلناها منهكين متعبين قبل اشراقة صبح, كانت رحلة طويلة ومرهقة جدا فنزلت بأول نزل صادفته ونمت لما بعد الظهر, وحين صحوت من نومي وفتحت نافذتي لتعانق عيناي هذه المدينة العريقة الجديدة بالنسبة لي, حتى كان أول ما وقع عليه نظري مسجد بقبة خزفية سلبت لبي وأثارت بي أحاسيس لجمالية من الفن أراه لأول مره, فتناولت آلة التصوير التي لم تكن تفارقني لتكون تلك القبة أولى صوري لبغداد..لم يكن التصوير الملون معروفا لدينا, وما زلت احتفظ بتلك الصورة رغم عوامل الزمن التي عبثت بها..لأكتشف بعدها أن هذه التي سلبت لبي وجذبت روحي ماهي إلا مسألة أقل من اعتيادية بتلك المدينة العريقة..ومن هنا تخيلت كيف يمكن أن يكون وقع ذلك الجمال على روح فنانة وكيف يمكن أن تتأثر به..
بكل قطعة تأملتها من أعمالها, في كل منحوتة تعايشت معها, في معرضين اتيح لي أن أكون متجولا بين إبداعاتها, كنت اشعر أنني أتنسم عبق التاريخ ودروبه..في الحارات القديمة الضيقة الملتفة التي زرتها أو عشت بها أو عايشتها..
دينا غزال..حالة فلسطينية متميزة من القهر والظلم ومن تحت نير احتلال غاصب بشع..أبدعت وسمت..ولدت في نابلس في عام 1958 وفي عمر الزهور والطفولة عاشت الاحتلال الإسرائيلي لباقي أجزاء فلسطين وما زالت تحيا, تخرجت من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1981 بتخصص الخزف, عضو مشارك في رابطة الفنانين التشكيليين وعضو في جمعية إنعاش الأسرة في رام الله وعضو في جمعية مركز السرايا بالقدس, حصلت على دورتين في سلوفاكيا واليابان, أعطت دورة في الخزف لمتضرري الانتفاضة الفلسطينية, تعمل حاليا مدرسة للخزف في كلية مجتمع المرأة في رام الله..
حصادها كبير..إنتاجها مميز..مشاركاتها فعالة..أربعة معارض شخصية, في بغداد 1981, في وزارة الثقافة الفلسطينية 1996, في مطل رام الله الثقافي 1999, وفي مركز خليل ألسكاكيني حاضنة الفن والثقافة في رام الله معرضها_ بلا عنوان_ 2004, إضافة لثماني معارض جماعية خلال الأعوام 1984- 1998, المشاركة في معرض الصبار في قطر عام 2001 ومعرض القدس في دبي عام 2002.. عرضت لها أعمال عدة في كل من أمريكا, الخليج العربي, الجزائر, كوبا, بريطانيا, الأردن..إضافة لأربعة جداريات في كل من رام الله – القدس – نابلس..نالت جائزة الإبداع في النحت من وزارة الثقافة والفنون عام 1999.
عطاء متميز..سيل لا ينضب..إبداع في عالم الجمال...هكذا رأيتها..