الفن الإسلامي

وأثره دعوياً وسياسياً وشعبياً

الشيخ علي اليوسف

عضو رابطة علماء فلسطين في لبنان

قفز ((الفن الإسلامي)) قفزة نوعية في السنوات القليلة الماضية وذلك في شتى مجالاته مثل النشيد، المسرح، الدبكة، التراث، الدمى المتحركة، فيديو كليب. بيد أن هذا ((التطور)) في الفن الإسلامي بقي متفاوتاً بين فن وآخر.

ففي حين خطا النشيد الإسلامي خطوات متقدمة وبرفقته الدبكة الملتزمة، بقي المسرح الإسلامي والدمى المتحركة بحاجة إلى رعاية واهتمام كبيرين للحاق بالنشيد الإسلامي. ومع بروز ظاهرة الفيديو كليب المنتشرة انتشار النار في الهشيم في الفضائيات الهابطة، بدأ الفيديو كليب الإسلامي يتحرك بخطوات وئيدة ليأخذ مكانه في هذا العالم المتسارع .

ولأن الفن الإسلامي بات يطلّ بعنقه على الساحة الشعبية والدعوية والسياسية، ويفرض نفسه بقوة فهو الأصيل أصلاً، وما دونه من أغاني خليعة وهابطة هي الطارئة –وإن سادت لفترة- على ساحتنا العربية والإسلامية، ولأن الفن الإسلامي يلعب دوراً هاماً في صياغة الشخصية الوطنية والإسلامية، ويشكل محوراً أساسياً من محاور مواجهة العدوان والفساد على حد سواء، من أجل هذا تأتي هذه الكلمات والمعاني والأفكار لتسلط الأضواء على الفن الإسلامي وصولاً إلى أثره دعوياً وسياسياً وشعبياً.

بداية مشوار الفن الإسلامي

منذ بداية الثلاثينيات إلى الآن مر الفن الإسلامي بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى

مع انطلاقة الحركة الإسلامية في مصر انطلق النشيد الإسلامي، فغنى الإخوان شعارهم الله غايتنا والرسول قدوتنا..، واشتهر عدد من المنشدين مثل الشيخ محمود المسلوب، الشيخ يوسف المنيلاوي، الشيخ أبو العلا محمد، الشيخ عبد اللطيف البنا، الشيخ سلامة حجازي، الشيخ محمود صبيح. غير أن الانطلاقة الأقوى والأوضح والتي أخذت أبعاداً فنية مميزة تلك التي كانت كانت في سوريا ومن رموزها الترمذي والفرفور وأبو راتب وأبو الجود وأبو دجانة وأبو مازن.. إضافة إلى هؤلاء العمالقة في النشيد الإسلامي، وقبلهم بقليل ومعهم برز في الإنشاد الصوفي عدد من المنشدين منهم المشايخ سيد النقشبندي، طه المفتي، محمد الطوفي، نصر الدين طوبار، محمد عمار، سعيد حافظ وغيرهم.

ويقف إلى جانب هؤلاء المنشدين الكبار منشدو الأردن الذين واكبوا مسيرة الفن الإسلامي من بداياته وأضفوا عليه لوناً وطنياً مميزاً أضيف إلى اللون الجهادي الصوفي الإسلامي الرائع الذي خطه منشدو الشام. ومن هؤلاء المنشد المؤسس ((أبو أحمد)) وزميله الفنان محمد غرابلة ((أبو حسام)) وإخوانهم، الذين بدأوا بالتسجيل في غرف مقفلة عام 1979، حين أسسوا فرقة اليرموك. وهكذا ينتقل النشيد الإسلامي من بلد إلى آخر متلازماً مع سعة وانتشار الحركة الإسلامية التي حضنت هذا النوع من الفن. فحيث وُجدت حركة إسلامية قوية كان للفن الإسلامي نصيب من هذه القوة والنشاط، وخاصة الحركة الإسلامية التي تُعنى بالعمل الشعبي وتخاطب الجماهير وتهتم بالدعوة والسياسة وغيرها.

في فلسطين اشتهرت الأناشيد الإسلامية أكثر من اشتهار الأفراد وكذلك في الكويت ولبــنان وغيرها من البلاد، فالأنشودة في كثير من الأحيان أشهر من قائلها، ترددها الألسن من غير أن يعرف منشدها. في هذه الأوقات لم تكن الدبكة قد دخلت إلى جانب الأنشودة الإسلامية حيث أنها –أي الدبكة- بدأت عند الأردنيين والفلسطينيين واللبنانيين.

أما المسرح في هذه المرحلة فقد بدأه في الأربعينيات الأستاذ عبد الرحمن البنا مؤسس مسرح الإخوان (أخو الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله)، حيث قدم عدداً من المسرحيات الشعرية على مسرح الأوبرا في مصر ولكن الخطوة لم تتقدم نظراً لعدم اهتمام الحركة الإسلامية بهذا النوع من الفن.

المرحلة الثانية

في هذه المرحلة ظهر جيل جديد من الأشرطة الحماسية في الخليج والأردن ولبنان وفلسطين ومصر وغيرها، والتي كانت تحمل شعراً لعددٍ من شعراء الحركة الإسلامية، من هذه الأشرطة أناشيد الرابطة والفجر وصلاح الدين.. وغيرها.

من أبرز معالم المرحلة الثانية ظهور عدد لا بأس به من الفنانين الإسلاميين المبدعين أضافوا بعداً مميزاً للنشيد الإسلامي من حيث الشكل والمضمون. ومن هؤلاء المنشدين والفنانين في المرحلة الثانية عبد الفتاح عوينات ((أبو قتيبة)) ورمضان الشيخ وسميح زريقات وأيمن رمضان وأيمن الحلاق ومحمد الحنون وأبو عاصم وراجي النور وأبو ذر محمد حسن والشعار وأبو الجود ((لبنان)) وعماد رامي ومصطفى الجعفري وغيرهم، كما واشتهرت فرق كبيرة مثل اليرموك، الروابي، البراء، السراج، أم النور، الاعتصام، القدس، وغيرهم. وفي هذه المرحلة الثانية تميزت الدبكة الأردنية والفلسطينية واللبنانية.

أما المسرح الإسلامي فقد عُرف في نشأته الثانية في مصر على يد شباب الجامعات من أبناء الحركة الإسلامية، ففي جامعة القاهرة عرض عدد من الطلاب عملاً فنياً مسرحياً رائعاً في كلية الهندسة، حيث قدموا مسرحيات مقتبسة أشهرها للشاعر فاروق جويدة ((دماء على أستار الكعبة)). كذلك في الأردن وفي لبنان حيث تميزت فرقة الفجر للتمثيل المسرحي بمسرحياتها ((نور السلطان)) وأداء أفرادها. غير أن المسرح الإسلامي لم يأخذ نصيبه إلى الآن، والاهتمام به لا يزال ضعيفاً ولهذا لم يطرأ عليه تطور كما حصل للنشيد الإسلامي. وهو الآن يراوح مكانه إن لم نقل إنه يتراجع إلى الوراء.

المرحلة الثالثة

اتسمت المرحلة الثالثة من مراحل تطور الفن الإسلامي، بنقلة نوعية حيث حدثت ثورة عارمة وأهم معالمها دخول الموسيقى –ولو بخجل- على النشيد الإسلامي. ومن أبرز نجومها موسى مصطفى وعماد رامي وأناشيد فرق مقربة من حزب الله اللبناني وأشرطة ميس شلش الأردنية وبعض الأشرطة الجديدة المصرية والأردنية والسورية واللبنانية مثل (فرقة الوعد بقيادة الشيخ وليد أبو حيط، أبو ذر، محمد عارفي، أسامة صافي، وغيرهم). وبدأ في هذه المرحلة يظهر فن جديد ألا وهو الفيديو كليب، ومن أوائل الفيديو كليبات تلك التي نفذت في لبنان مثل أنشودة باسم الجريء، وأنشودة محمد يا زر الورد. ودخل الفيديو كليب مرحلة الاحتراف مع أنشودة ((المعلم)) لسامي يوسف وأناشيد عماد رامي وأناشيد سنا للأطفال عبر قناة المجد الفضائية.

وعرفت الأنشودة في الخليج عبر المرحلتين الثانية والثالثة، ولكنه لم يطرأ عليها أي تعديل فهي بالغالب الأعم لا تزال من غير موسيقى ومن غير إيقاع، ولكن رموزها كثر ومنهم المنشدون أبو عبد الملك وأبو أسيد وأبو علي وأبو مهند وطارق جابر وأبو خالد وأبو مصعب.

الفن الإسلامي والرؤية الشرعية

أياً تكن بداية المشوار على أهميتها ومكانتها وضرورتها، فنحن مقبلون على لون جديد من الفن الإسلامي يجمع بين المسرح والفيديو كليب، والنشيد والدبكة بأسلوب جديد يناسب متطلبات العصر ويحاكي طموح الشباب والفتيات ورغباتهم ضمن الضوابط الشرعية والأصول والآداب. ولكي يتمكن الفن الإسلامي من التأثير على القواعد الشعبية، ويكون عنصراً دعوياً مساعداً وفعالاً، ويفرض تأثيره على السياسة أيضاً لا بد من توضيح الرؤية الشرعية للفن (غناء وموسيقى). من هنا تأتي فتاوى السادة العلماء وعلى رأسهم فتوى فقيه العلماء الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، لتعطي دفعاً للفن الإسلامي ومساحةً أوسع تسمح لمجموع الفرق والفنانين، ولكل المهتمين بالفن الإسلامي إن يقدموا كل جديد ويبدعوا في عطاءاتهم، فالموسيقى واللحن أساس في المسرح والنشيد والفيديو كليب، حيث إن الموسيقى تعتبر بمثابة التلوين للصورة، فالأنشودة من غير موسيقى وإيقاع ولحن نراها بلونين فقط.

وحكم الغناء كما جاء في فتوى الشيخ القرضاوي ((من اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب، وتشنف به الآذان، وقد أباحه الإسلام مالم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم، ولا بأس أن تصاحبه الموسيقى غير المثيرة)) (الحلال والحرام في الإسلام – المكتب الإسلامي - ط15- ص273).

هذه خلاصة فتوى الشيخ القرضاوي بعد أن ساق الأدلة، ورد على المانعين بالحجة الشرعية والبرهان. (راجع أيضاً كتب ((ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده))، ((الفتاوى المعاصرة)) وغيرها.

الفن الإسلامي والدعوة

الملاحظ في الساحة العربية والإسلامية أن الفن الإسلامي ينمو ويزدهر مع نمو الدعوة وازدهارها، ولا غرابة في ذلك، فهو أداة هامة من أدوات الدعوة، فحيث وجدت حركة إسلامية قوية وجد الفن الإسلامي متميزاً، فها هي الأردن تبدع فرقها الفنية، ومصر تعطي عطاءات متميزة في اللحن والأداء وكذلك المسرح، وفلسطين تتعدد فرقها، كما أن هذا الفن الإسلامي انتقل إلى أوروبا وماليزيا وأندونيسيا ومعظم بلاد العالم الإسلامي، فحيثما يممت وجهك، وجدت الشباب المسلم يستخدم هذا الفن كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

من خلال متابعتي للفن الإسلامي ومراقبتي له عن كثب وجدت أنه يحمل بين طياته خطاباً ناجحاً يصل إلى أعماق القلوب، وفي كثير من الأحيان يكون وقعه أكبر بكثير من الدروس الوعظية أو الخطب أو غيرها.. ذلك أن الأنشودة الملتزمة، يتم انتقاء الكلمات القوية والمعبرة لها، كما ويتم انتقاء اللحن والصوت الشجي الذي يغني هذه الكلمات، فكثيراً ما تُدمع الأناشيد العيون، وتشحذ الهمم لتقوى في عالم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى. وفي هذا السياق يقول الشيخ الأزهري أحمد الشرباصي ((هدفنا الدعوة إلى الدين الماجد بوسيلة الفن الصاعد وتزكية الفن السليم بنفحات الدين الكريم، إيماناً بانه إذا تدين رجل الفن وتفنن رجل الدين التقوا في منتصف الطريق لخدمة العقيدة الصحيحة والفن السليم.

الفن الإسلامي والقضية الفلسطينية

احتلت فلسطين بمقدساتها وشهدائها وقضيتها المقدسة موقع الصدارة في الفن الإسلامي، وذلك منذ بداية إنطلاقتها.

فعلى صعيد المسرح، كانت مسرحية ((صلاح الدين)) من أوائل أعمال عبد الرحمن البنا التي ألقت الأضواء على قضية فلسطين، وأهداها إلى ((شهداء فلسطين الأبرار، وأبطال الجهاد المقدس لإنقاذ الوطن الإسلامي وتحرير الأرض.. إلى المهاجرين والمشردين من إخوان العقيدة والإسلام أهل فلسطين المجاهدة الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.. إليكم هذه المسرحية التي أُعدّت لتعمل مع قصف المدافع وأزيز الطائرات، لإدراك الغاية، ورفع الراية، وإصابة الأهداف)).

كما جاءت مسرحية ((لوحات مقدسية)) في الأردن على أوبريت مسرح مغنّى، وحققت نجاحاً كبيراً حيث عاصرت الانتفاضة الفلسطينية..

وعلى صعيد الأنشودة، فمعظم الأناشيد والقصائد في العالم الإسلامي تغني القدس وفلسطين والمسجد الأقصى والشهداء.. لأن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين. فلقد غنى الإسلاميون وغيرهم للقدس.

وعلى صعيد الدبكة، فجذورها فلسطينية، أما الفيديو كليب فبواكيره كانت في بعدها الإسلامي للقضية الفلسطينية، مثل ((باسم الجريء)) و((محمد يا زر الورد)) و((يا أمي الحنونة)) وغيرها..

وبالمجمل فلقد لعب الفن الإسلامي دوراً هاماً في رسم السياسة الجهادية، واستطاع أن يجيش الجماهير، ومهرجانات الأقصى في خطر التي أطلقتها الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة -وعلى رأسها شيخ الأقصى رائد صلاح– أكبر دليل على فعالية وتأثير الفن الإسلامي على الواقع الدعوي والشعبي والسياسي والجماهيري، كذلك المهرجانات الفنية الضخمة التي حصلت في لبنان والأردن وغيرهما من دول العالم الإسلامي تدلل على أن النشيد الإسلامي جزء من الخطاب السياسي والجماهيري والدعوي. لذلك، لا بد للحركة الإسلامية من رعاية واضحة للفن الإسلامي لما يحمل من قيمة دعوية وسياسية وجماهيرية، ويكون ذلك عبر وضع هذا الفن في سلم أولوياتها.

عن مجلة فلسطين المسلمة بتاريخ 1 / 11 / 2005