النشيد الإسلامي من المسجد إلى الفيديو كليب
النشيد الإسلامي
من المسجد إلى الفيديو كليب
نجدت لاطـة
المتابع لحركة النشيد الإسلامي يلاحظ بوضوح ازدياد عدد المنشدين والفرق الإنشادية ، لتشمل شتى بلاد العالم الإسلامي ، وبلاداً أخرى كالدول الأوروبية وأمريكا .. وتشارك في الإنشاد أصوات ليست عربية ، فيتألق المنشد البريطاني سامي يوسف بأناشيده ، وتساهم فرق إنشادية باكستانية وماليزية كذلك .. فيشعر المتابع لحركة النشيد أن هناك وعياً في العمل الإسلامي بدأ يدرك أهمية الفنون في التأثير في الشعوب . بعدما كان العمل الإسلامي لا يعير اهتماماً لهذه الفنون .
نظرة إلى البدايات
في عام 1968 صدر أول شريط للنشيد الإسلامي ، وكان على يد المنشد السوري أبي مازن ، ويمكن أن نعتبر هذا العام عام ولادة النشيد الإسلامي بشكل رسمي ، له طابع الجدية ، وله وضوح في المبدأ والهدف ، فقد كان النشيد قبلها أصواتاً متناثرة هنا وهناك ، ولا تأخذ طابع الجدية في شيء ، ولعلّ المنشد السـوري ( أحمد البربور ) هو المنشد الوحيد الذي كان ينشد أناشيد لامست شغاف قلوب الشباب الإسلامي ، لِما كانت تتمتع أناشيده بصبغة حركية . ولكن لم يُخرج أحمد البربور أناشيده في شريط ، لذا بقيت شهرته في نطاق محدود جداً .
وتوالى صدور الأشرطة تلو الأشرطة ، منها ما كان لأبي مازن الذي وصل عدد أشرطته إلى تسعة أشرطة ، ومنها ما كان لأبي الجود الذي وصل عدد أشرطته إلى الشريط الثامن ، ومنها ما كان لأبي دجانة الذي قدّم أربعة أشرطة ، وتلاه المنشد أبو محمود الترمذي الذي لم تتوقف أشرطته حتى يومنا الحاضر .
فيمكن أن نقول إن ولادة النشـيد الإسلامي أخذت عقد السبعينيات بكامله تقريباً ، وكان المنشدون الأربعة المذكورون هم القاعدة الثابتة الراسخة التي انطلقت منها حركة النشيد الإسلامي ، وعلى سمات أناشيدهم تمحورت مفاهيم النشيد الإسلامي .
ولكن تفاجأ جمهور الإسلاميين في عام 1980 بتوقف المنشدين الثلاثة ( أبو مازن ، أبو الجود ، أبو دجانة ) عن الإنشاد تماماً ، وانزوى المنشد الترمذي قليلاً . وخلَت الساحة الإسلامية من أي إنشاد جديد .
ولكن بزوغ فجر جديد للنشيد في عام 1981 بدد مخاوف انقطاع النشيد عن الساحة الإسلامية ، وكان هذا الفجر الجديد متمثلاً ـ فقط ـ بالمنشد الشاب اليافع أبي راتب الذي لم تتجاوز سنين عمره آنذاك ( 18 سنة ) . ويمكن القول إن هذا المنشد استطاع بجهده الشخصي أن يعيد النشيد للساحة وهو في أبهى صوره ، بل ويمكن القول أيضاً إن أبا راتب نقل النشيد إلى حركة منظمة لها أسس وقواعد ، ثم أنشأ المؤسسات الفنية التي تهتم بإصدار الأشرطة ، وأقام عدة مهرجانات خاصة بالنشيد ، ودرّب الفرق الإنشادية ، وشارك في مسرحيات إسلامية كان لإنشاد أبي راتب فيها دور الأكبر في نجاحها .
ومنذ بزوغ اسم أبي راتب والنشيد الإسلامي يتقدم بخطى ثابتة ، وفي كل خطوة يضيف المنشدون شيئاً جديداً ، وتظهر ـ خلال ذلك ـ أصوات جديدة ترفد النشيد بأشرطة تلو الأشرطة ، حتى وصل المنشـدون اليوم إلى إصدار أناشيد الفيديو الكليب ، وصارت تظهر في القنوات الفضائية .
المستوى الفني للنشيد الإسلامي
كان المنشدون الأربعة ( أبو مازن ، أبو الجود ، ألو دجانة ، الترمذي ) يتمتعون بمستوى فني عالٍ ، من ناحية الصوت والألحان ، فكانت لأناشيدهم وقع السحر على آذان الجمهور الإسلاميين ، ولاقت أشرطتهم ترحيباً وانتشاراً واسعاً .. ولكن لا بد من القول إن المستوى الفني عند هؤلاء المنشدين الأربعة كان له الدور الأكبر في هذا الانتشار ، لأن بعض المنشدين الجدد يعتقدون أن خلو الساحة الفنية في عقد السبعينيات إلا من هؤلاء المنشدين الأربعة هو سبب الانتشار ، ويعتقدون أيضاً أن المستوى الفني للنشيد الإسلامي الحالي أقوى من المسـتوى الفني للمنشدين الأربعة .. وهذا ـ طبعاً ـ وهْم كبير ، وهو بعيد عن النظرة الموضوعية والفنية ، ولا يدل ـ في شيء ـ على ذائقة فنية عميقة .
ويوازي المستوى الفني للمنشد أبي راتب المستوى الفني لسابقيه ، ثم برز المنشد عماد رامي في بداية التسعينيات ليحافظ إلى ـ حدٍ ما ـ على المستوى الفني للنشيد ، ثم ازداد عدد المنشدين والفرق الإنشادية لتأخذ الطابع المنظم أكثر من ذي قبل ، بالإضافة إلى المحافظة على المستوى الفني المقبول للنشيد إلى حدٍ ما أيضاً .
ولكن المستوى الفني للنشيد يحتاج إلى تطوير وتجديد ، لأن النشيد لم يصل بعد إلى الحد الذي ينافس حركة الغناء ، لأن حركة الغناء فيها مطربون لهم وزنهم ، وفيها ملحنون لهم وزنهم أيضاً ، فمن غير المعقول أن يقف المنشدون عند المستوى الفني الحالي للنشيد ، فالمنشدون مطالبون بشدة بالتطوير والتجديد .
ولكن كيف سيتم التطوير ؟ أنا أرى أنه لا بد من وضع استراتيجية جديدة للنشيد ، وأنا أرى إنشاء معهد فني خاص بالنشيد هو أول عمل في هذه الاستراتيجية ، لأنه ـ بصراحة ـ لا يُعقل أن نتحدث عن حركة إنشاد تملأ البلاد طولاً وعرضاً ونريد أن ننافس المطربين ونحن لا يوجد عندنا معهد فني يُخرّج منشدين وملحنين وفق أسس علمية وفنية لفن النغم .
بالإضافة إلى أهمية إقامة دورات فنية في عدة دول ، ولا بد من اهتمام الحركات الإسلامية بهذه الدورات ، بل من المفروض أن تتكفل الحركات الإسلامية بكل تكاليف هذه الدورات ، لأن بعض المنشدين ليس لهم القدرة المالية . وهناك خامات صوتية ومواهب في التلحين تحتاج إلى صقل وتدريب . فأين يتعلم هؤلاء ؟ وأمَا آن للحركات الإسلامية أن تُدخل العمل الفني وتكاليفه في أبجديات العمل الإسلامي ؟ وإلى متى يظل المنشدون الناشئون ينتظرون الفرص الذهبية لاكتشافهم ؟
موضوعات النشيد
كانت موضوعات النشيد في البدايات الأولى تتمحور حول ثلاثة موضوعات لا تتجاوزهم ، الأول : المعاني الروحية . والثاني : المعاني الجهادية . الثالث : المعاني الدعوية . وقد نال الموضوع الثاني زخماً كبيراً ، لِمَا كان يرافقه على أرض الواقع من حركات جهادية أبرزها الانتفاضة في فلسطين ، والجهاد الأفغاني الذي لعب فيه الشهيد عبد الله عزام دوراً هاماً .
ولكن بعد أن انتشر النشيد بكل واسع ، خرجت أصوات تطالب المنشدين بأن يوسّعوا دائرة موضوعات النشيد لتشمل كافة مناحي الحياة ، فدخل موضوع الغزل حركة النشيد ، لا سيما ما يناسب الأعراس الإسلامية . وقد لاقى موضوع الغزل معارضة شديدة من البعض ، ولكن حين عرض بعض النقاد موضوع الغزل على بساط الشرع تبيّن أنه لا يوجد مانع شـرعي للغزل ، ولكن ضمن شروط الكلام العفيف .
استخدام الموسيقى في النشيد
كان المنشدون في البدايات الأولى وحتى عام 2000 تقريباً مقتصرين على استخدام الدف فقط . ولكن بروز فتوى إباحة استخدام الموسيقى بشكل قوي في الصحف والقنوات الفضائية ، لا سيما فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي ، جعل بعض المنشدين يفكر جدياً باستخدام الآلات الموسيقية ، بل كان بعض المنشدين مقتنعاً تماماً بجواز استخدام الموسيقى ، ولكن كان هناك الجمهور الذي لم يعتد على ذلك ، فبين أخذٍ وردّ ، أقدم بعض المنشدين على استخدام الموسيقى ، ولعل المنشد موسى مصطفى هو أبرز هؤلاء المنشدين الذي تجرّأوا على هذه الخطوة ، ونحجت هذه الخطوة ، بل ولاقت استحساناً من البعض ، وطبعاً خرجت أصوات كثيرة تعارض الفكرة من أساسها ، ولم تهدأ هذه المعارضة إلى يومنا الحاضر . ولكن بعد ازدياد عدد المنشدين الذين استخدموا الموسيقى أصبح نسبة الذين يستخدمون الموسيقى ثمانين بالمائة .
ولعل السنوات القادمة تشهد اختفاء المنشدين الذين يقتصرون في إنشادهم على الدف والطبل ، لأن أشرطة النشيد التي فيها الموسيقى أخذت بعداً فنياً وتسجيلياً أقوى وأجمل من الأشرطة التي اقتصرت على الدف والطبل ، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع نسبة مبيعات الأشرطة التي فيها الموسيقى .
أناشيد الفيديو كليب
تعتبر أناشيد الفيديو كليب هي آخر المراحل الحالية التي يمر بها النشيد اليوم،وبل تعتبر هي أقوى المراحل في تاريخ النشيد الإسلامي كله،لأن الفيديو كليب هو الأكثر عرضاً وقبولاً لدى الجماهير . ويعتبر البعض أن عصرنا هـو عصر الصورة ، ولا يوجد منافس لها .
وقد كان المنشد البريطاني سامي يوسف هو أكثر المنشدين الذين نقلوا مرحلة ( أنشيد الفيديو كليب ) إلى القنوات الفضائية ، لا سيما الغنائية منها.فقد قدّم سامي يوسف أنشودة ( المعلم ) بفيديو كليب رائع نال إعجاب الجميع ، وقد فازت أنشودته بالمركز الأول في قناة ( ميلودي ) الغنائية .
ثم أبدع المنشد مشاري العرادة في فيديو كليب ( فرشي التراب ) ، ولكن لم تأخذ هذه الأنشودة مكاناً في القنوات الفضائية الغنائية ، وذلك بسبب موضوعها الذي لا يتلاءم مع موضوعات الفضائيات الغنائية . ثم تلاه المنشد موسى مصطفى في فيديو كليب ( الأمنيات ) وقد نال هذا الفيديو كليب إعجاب الكثيرين ، وظهر أيضاً في القنوات الفضائية الغنائية .
ثم تكررت المحاولات في الفيديو كليب ، فظهر فيديو كليب ( محمد صلى الله عليه وسلم ) للمنشد أحمد الهاجري ، وظهر أيضاً فيديو كليب ( قلبي شذا ) للمنشد يحيى حوى ، وظهر أيضاَ فيديو كليب ( الجروح ) للمنشد فهد الكبيسي .. بالإضافة إلى المنشد سامي يوسف الذي أنتج عدة فيديو كليبات متنوعة الموضوعات .. ويمكن القول إن سامي يوسف هو المتربع على عرش الفيديو كليب الإسلامي .
رابطة الفن الإسلامي
شعر بعض الإخوة المنشدين وعلى رأسهم المنشد الكبير أبو راتب وبعض الإخوة الخليجيين بضرورة إقامة رابطة فنية تجمع كافة الفنون الإسلامية المتاحة التي يقُدّم من خلالها الفن الإسلامي الملتزم.فقام هؤلاء الإخوة بتأسيس رابطة الفن الإسلامي،وجعلوا مقرها في دولة السويد،وإدارتها في مدينة جدة السعودية.وما زالت هذه الرابطة ناشئة،وتسعى يوماً بعد يوم إلى جمع شمل الفنانين الملتزمين.
وقد وضعت هذه الرابطة في قائمة أعمالها دعم الفنانين الملتزمين ، من حيث تدريب المواهب الفنية على حسابها الخاص . بالإضافة إلى سعيها إلى إنشاء موقع لها على الإنترنت بحيث يتواصل مع الفنانين الملتزمين ، ومتابعة أخبارهم ، وتسعى إلى حفظ حقوقهم في الأشرطة التي يصدرونها بين الحين والآخر . ولكن ـ طبعاً ـ هذا يتطلّب جهداً واسعاً ، لأن الرابطة هي مؤسسة خاصة وليست تابعة لدولة معينة ، أي أنها لا تملك قرار المحاسبة والمتابعة للسرقات التي تحدث في عالم الأشرطة.
نشر المقال في مجلة ( فلسطين المسلمة ) بتاريخ 1 / 11 / 2005