عفوا درويش على هذه الأرض من يصنع الحياة

عفوا درويش

على هذه الأرض من يصنع الحياة..!!

عبد الكريم عليان *

[email protected]

فريق إبداع الإعلامي في غزة أصر أن ينفذ برنامجه الترفيهي والثقافي ناقلا الجمهور من حالة الكبت الشديد الذي يعانيه في ظل حصار ظالم وحكم مستبد منع إقامة الحفلات الفنية حتى داخل الصالات، حيث أقيم الحفل في منتجع البيدر السياحي على شاطئ بحر غزة، فامتلأت قاعة البيدر بالعائلات الغزية مصطحبة الأطفال والشباب المقبلين على الزواج، إضافة إلى لفيف من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالحركة الثقافية في غزة استطاعوا جميعا سرقة أكثر من ثلاثة ساعات من الفرح الذي بدا واضحا ومكشوفا على وجوه الجميع.  قدم الحفل الشاب سامي عطا الله من فريق الإبداع الإعلامي بالترحيب بالحضور مقدما رؤية الفريق واهتمامه بالشأن الثقافي والحياتي للناس طالبا منهم أن يرموا همومهم وعذاباتهم وآلامهم خارج القاعة، وذكر بأن هذه الأمسية الثالثة التي أقامها الفريق معنونا خطاهم بشعار جميل وحكيم يقول: "لا تمشي أمامي ربما لن استطيع أن الحق بك.. ولا تمشي خلفي ربما لن استطع القيادة، بل امش بجني فسوف نصل .." وبدأ الحفل من المغني الشاب محمد عساف الذي ما أن على المنصة حتى قوبل بالتصفيق الحار من الجمهور الذي عرفه من قبل بأغنيته المشهورة "عليّ الكوفية" فقدم أغان جبلية جميلة لاقت حماسا وإعجابا شديدين من الحضور..

الفقرة الثانية كانت من فرقة "كراميش" للفلكلور الفلسطيني، فقدمت عرضا للدبكة الفلسطينية على أنغام العاتابا والميجانا وظريف الطول وجفرا.. وهذه الفرقة تتألف من فتية ناشئة حملت على عاتقها تراثا زاخرا بالإبداع الإنساني الفلسطيني لأكثر من ألفي عام مضت وما زالت.. فالدبكة الفلسطينية ليست فنا رياضيا أو رقصا فقط ! بل هي تمثيل يرتقي إلى مرتبة الأوبرا وأكثر باستخدامها لشتى أنواع الفنون من تمثيل ورقص وغناء ملحمي يعبر عن حقب تاريخية مختلفة، إنها ميثولوجيا الإنسان الفلسطيني وهويته.. ولا شك أن فرقة "كراميش" بزيها الفولكلوري قد أبدعت وقدمت ذلك في دقائق معدودة شحنت الحضور بالحنين إلى الماضي والتمسك والاعتزاز به.. ثم قدمت الفرقة عرضا آخرا للأطفال بعنوان "يا الله نعيش" منتحلة شخصيات ميكي ماوس والدببة والفيلة برقص يحبه الأطفال الذين علو المنصة وشاركوهم الرقص والتمثيل فدخلت الفرحة والأمل في قلوب الجميع..

فقرة أخرى من الفكاهة الهزلية قدمها الفنان علام السرساوي المشهور بتقليده للرؤساء، فبدأ عرضه بتقليد الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات ـ رحمه الله حينما كان محاصرا في المقاطعة برام الله فقال: " يريدونني إما أسيرا، وإما قتيلا، وإما طريدا.. وأنا بقول لهم لا.. شهيدا شهيدا شهيدا ... على القدس رايحين شهداء بالملايين..." وما أن التفت حولي، ففجعت بما شاهدته من الدكتورة الزميلة ـ فاطمة قاسم التي اغرورقت عيناها بالدموع وانهمرت مدارا على وجنتيها.. وسارعت بالاتصال بعقيلة المرحوم ـ سها عرفات لتبلغها بأن "أبو عمار" ما زال حيا.. استمر الفنان علام بتقديم عروضه بتقليد الفنانين الكبار وبمشاهد من الأفلام القديمة والحديثة التي لاقت تصفيقا وحماسا من الجمهور.. ثم قدم الشاب ـ محمد أبو حميد فقرة المسابقات والجوائز، وكانت الفقرة غنية بالأسئلة الثقافية والعلمية والتاريخية المتنوعة وشارك بها الجمهور بحماسة وعصف للذهن حتى ينالوا العديد من الجوائز القيمة.. ثم قدمت فقرة من التهريج الهزلي المخلوط بالجد وبمشاركة عدد من الأطفال أيضا، ثم قدم الشاعر الشاب " محمد الإماراتي " قصيدة من الشعر النبطي وأغنية خليجية بصوته لاقت تصفيقا حارا، يذكر أن الشاعر محمد فلسطيني مولود في دولة الإمارات وترعرع وشب على أراضيها فشرب من ثقافتها وتقاليدها فأبدع من الشعر النبطي ما لم يبدعه شاعر خليجي في مثل سنه.. ثم تقدم المنصة الطفل المغني ـ محمد عطا الله ليفاجئ الجميع بأغنية من الطراز القديم "احكي لي ع اللي جرى" إذ من المعروف أن الشباب يميلون إلى الأغاني الحديثة والشابة.. حقا كانت تقديم رائع بأن نعيد للفن أصالته وعراقته من جيل جديد يبشرنا بفجر جديد..

تحية وألف تحية لمن يصنع البسمة على وجوه أطفالنا.. تحية وألف تحية لمن يحول العذابات والآلام إلى فنونا راقية.. تحية وألف تحية للشباب الذين يصنعون الحياة والحضارة .. هذه هي غزة الأبية .. هذه هي غزة التي تتحدى .. ها هي غزة التي سوف يهزم على شواطئها كل الغزاة والظالمين.. وسوف تنكسر شوكة الطغاة والحاقدين .. ألف تحية للشباب من فريق إبداع الإعلامي بغزة وإلى الأمام..

               

*عضو صالون القلم الفلسطيني