المنشد أبو راتب والموسيقى والدعوة في أمريكا
المنشد أبو راتب
والموسيقى والدعوة في أمريكا
المنشد أبو راتب |
نجدت لاطـة |
من المعروف أن المنشد أبا راتب يعيش في أمريكا ، ويساهم هناك في العمل الدعوي من خلال الإنشاد . ومن المعروف أيضاً أن أبا راتب لا يستخدم الموسيقى في أناشيده .. وما زال إلى اليوم ملتزماً بهذا الخط .
وأتساءل : هل من الحكمة في العمل الدعوي الإنشادي في أمريكا عدم استخدام الموسيقى ؟ هذا السؤال تحتاج إجابته إلى شيء من الشرح والتفصيل لكي نصل إلى هذه الحكمة .
الحكمة في أي عمل دعوي هي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، وإن لم نستخدم هذا الأسلوب يكن ذلك فتنة لهم . وفي حال كانت الدعوة موجّهة إلى قوم غير مسلمين فينبغي أن يتمّ التركيز على الأصول والفروض في ديننا ، دون إقحام للفروع في أي وجه من وجوه الدعوة ، أو أي منشط من أنشطتها . لأن الأصول والفروض هي الوجه الأكمل والأجمل والأهم في الدين ..
وفي السيرة النبوية ما يؤكد هذا المعنى ، فمما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين أرسله إلـى أهل اليمن : ( يا معاذ ، إنك ستأتي قوماً نصارى ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن قالوها فقل لهم : إن الله فرض عليكم الصلاة ، فإن أقاموها فقل لهم : إن الله فرض عليكم في أموالكم حقاً للفقراء .. ) وجاء في الصحيحين ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، دلني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة . قال : تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده ، لا أزيد على هذا ولا أنقص منه . فلما ولّى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سرّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة ، فلينظر إلى هذا ) . يقول الدكتور يوسف القرضاوي معلّقاً على هذا الحديث : ( إن هذه الفرائض هي الأساس العملي للدين ، وإن من أدّاها كاملة ولم ينقص منها شيئاً ، فقد فتح أمامه باب الجنة ، وإن قصّر فيما وراءها من السنن . وكان المنهج النبوي في التعليم : التركيز على الأركان والأساسيات ، لا على الجزئيات والتفصيلات ) .
ونستنتج من هذا أن العمل الدعوي في أمريكا ينبغي عليه أن يقدّم هذه الأصول والفروض للناس هناك ، أما الفروع فلا ينبغي أن نلوّح بها أمام الناس ولا نذكرها .. بل ولا نجعلهم ينتبهوا لها . باعتبار أن الفروع تشوّش وتحدّ من إقبال الناس على الأصول وعلى الفروض . لأن الإنسان إذا رأى تعاليم الإسلام كثيرة فقد لا يشجعه ذلك على الدخول في الإسلام . أما الأصول والفروض ـ وهي قليلة جداً ـ فمن الممكن جداً أن يتقبّلها العقل الإنساني السليم ، فلا يجد فيها ثقلاً أو حرجاً أو صعوبة في قبولها وفي تطبيقها .
وفي حال كان أحد الفروع مما هو يظهر ويبرز في العمل الدعوي أو في الأنشطة الإسلامية ، وكان الرأي الفقهي في هذا الفرع فيه قولان ، الأول يبيحه ، والثاني يحرمه .. فمن الحكمة في الدعوة أن يأخذ الداعية بالرأي المباح ، لأن القول المحرّم قد يُحدِث عند المسلم الجديد أو عند من يتعرّف على الإسلام إشكالية ، وقد تكون هذه الإشكالية سبباً في عدم قبوله للإسلام ، وخصوصاً إذا كانت هذه الإشكالية موجودة بكثرة في حياة الإنسان الأمريكي ، وتزداد الإشكالية إشكالاً إذا كانت هذه الإشكالية تجري في دم الشعب الأمريكي ، كالموسيقى مثلاً .
وإذا كان هناك شيء محرّم قطعياً في ديننا كالخمر مثلاً الذي هو موجود بكثرة في الغرب ، ويشربه الشعب الأمريكي كما نشرب نحن الماء ، فمثل هذا المحرّم لا نتنازل عنه ، ولكن علينا أن نكون حكماء في دعوة الشعب الأمريكي إلى الإسلام ، فلا ندخل معهم في نقاشات حول هذا المحرّم , وإنما نفتح معهم قضية التوحيد أولاً ، باعتبارها هي المهم ، وباعتبارها هي المدخل المهم إلى فهم مبادئ ديننا الحنيف .
وقضية الموسيقى هي من الفروع ، وليست من الأصول ولا من الفروض .. وليسـت من المحرّمات القطعية ، وهناك رأيان فقهيان فيها ، الأول : يبيحها ، والثاني : يحرمها . ويقف وراء كل قول علماء أجلاء وفقهاء كبار من العصر القديم ومن العصر الحديث . فأتساءل : هل من الحكمة في أسلوب الدعوة في أمريكا الأخذ بالقول الثاني الذي يحرّم الموسيقى ؟ وهل يمكن أن يسـتوعب الشعب الأمريكي قضية تحريم الموسـيقى ؟ وهل من الحكمة أن يقول الداعية المسـلم للشعب الأمريكي أن سيمفونيات بتهوفن حرام فـي ديننا ؟ وكيف سيستوعب الأمريكي أن أصوات ( تن تن ) حرام ؟ وكيف سنستطيع أن نثبت للشعب الأمريكي علة تحريم الموسيقى ؟ لأن كل المحرمات القطعية في ديننا أثبت العلم الحديث أضرارها الجسيمة على الإنسان .. كالخمر والزنا والربا وأكل الميتة ولحم الخنزير ولحوم الحيوانات المفترسة ولبس الذهب والحرير للرجال وغير ذلك . أما الموسيقى فهي الوحيدة التي لم يجدوا فيها ضرراً قط ، بل حدث العكس تماماً ، فكل يوم يكتشف علماء الغرب فوائد جمة للموسيقى ، وقد دخلت الموسيقى في مناحٍ كثيرة من حياة الإنسان الغربي ، فالموسيقى دخلت في العلاج النفسي ، وصار لها قسم خاص في المستشفيات .
وقد نال البقر والغنم في الغرب نصيباً من الموسيقى ، فنجد أنه توضع الموسيقى في مزارع البقر والغنم .. فتسـترخي عضلاتهما ، فيتمّ حلبهما بشكل أفضل . بل والنبات أيضاً تبيّن للباحثين أنه يتأثر إيجابياً بصوت الموسيقى ، فتحدث عند النبات عملية النمو والتفتح بشكل أفضل .
فهل من الحكمة ـ بعد هذه الأبحاث العلمية عن الموسيقى ـ أن يأخذ المنشدون في أمريكا قول تحريم الموسيقى ؟ أمَا كان الأولى في المنشدين أن يأخذوا قول الإباحة حتى لا يصطدموا بمشاعر الناس هناك ؟ لأن الشعب الأمريكي ـ وكذلك بقية شعوب العالم ـ أصبحت الموسـيقى في دمائهم ، فيستيقظون عليها وينامون عليها . فنأتي نحن ونأخذ ـ وبكل سذاجة ـ بقول التحريم ، فتكون الموسيقى بذلك حجرة عثرة في طريق الدعوة في أمريكا ؟
هذه الإشكالية حدث شبيه لها في كوريا .. فهناك في كوريا يأكلون لحوم الكلاب كما نأكل نحن لحوم الغنم . فخرجت هذه المشكلة في العمل الدعوي الإسلامي هناك ، أي أن قضية أكل لحم الكلاب أحدثت مشكلة للدعاة وهم يدعون الكوريين إلى الإسلام ، فما أن يعرف الكوري أن الإسلام يحرّم أكل لحم الكلاب حتى يتردد وينظر إلى الإسلام بشيء من الدهشة والاستغراب ، فتجده لا يُقبل على سماع الدعاة وهم يشرحون مبادئ الإسلام . بمعنى أن قضية تحريم أكل لحم الكلاب وقفت حجر عثرة أمام الدعوة في كوريا .
فوصلت هذه الإشكالية إلى الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي ، فقال للدعاة في كوريا : يوجد قول ضعيف في مذهب الإمام مالك يبيح أكل لحم الكلب ، فيجوز لكم أن تأخذوا بهذا القول في كوريا ، حتى لا تتوقف الدعوة هناك ، لأنه من غير المعقول أن يقف الكلب حجرة عثرة في طريق الدعوة ، وهل يُعقل أن تتوقف كلمة التوحيد والعمل الدعوي من أجل أكل لحم الكلب ؟؟؟
والمتابع لأخبار المنشد الكبير أبي راتب ( الذي هو أبو النشيد الإسلامي ) يجد أنه ما يزال يرفض استخدام الموسيقى في النشيد ، فتجده يدخل في المهرجانات وهو يحمل الطبل والدف ، فينشد أمام الجمهور ووراءه مجموعة من المطبلين بهاتين الآلتين ( الطبل والدف ) . فأتساءل وأطرح سؤالاً كبيراً بحجم كبر أمريكا : هل ينظر الشعب الأمريكي إلى أبي راتب على أنه مطرب كبير ؟ وهل المطرب الكبير ـ في نظر الأمريكيين ـ يرضى بأن يستخدم الطبل والدف ؟ لأن الطبل والدف معروف عنهما بأنهما أسوء الآلات الموسيقية ، لِما يُحدِثان من صخب في الأذن ، ويعيقان الكلمات عن الوصول إلى الأذن بشكل واضح .
والأمريكيون يستغربون من المنشدين عدم استخدام الآلات الموسيقية الفخمة كالجيتار والبيانو والأورك والكمنجة والعود والجاز وغير ذلك ، فهل ـ بعد هذا ـ تريدون أن ينظر الأمريكيون إلى أبي راتب على أنه أبو النشيد الإسلامي ؟ أنا أظن أنهم ينظرون إليه على أنه أكبر مطرب متخلف ؟ وليست هـذه النظرة هي فقط لأبي راتب ، وإنما لكل منشد ينشد في الغرب .
وطبعاً سيسأل الأمريكيون : لماذا لا يستخدم أبو راتب الآلات الموسيقية في النشيد ؟ وحين يعلمون أنها محرمة في ديننا ، فهل سيتقبلون هذا الرأي ؟ أم أنهم سيُدهشون من ذلك أيما إدهاش . ومن كان منهم غير مسلم فلا أظن أنه سيدخل في ديننا ، لأن الموسيقى عند الغربيين هي من الأشياء الجميلة المفيدة جداً للإنسان . بل هم يعلمونها لأبنائهم لكي تصفو نفوسهم وترق مشاعرهم . فهل يُعقل أن يستبدل الأمريكيون الآلات الموسيقية بالطبل والدف في تعليم أبنائهم في المدارس ؟ أي هراء نحن فيه ؟ ومن أضيق نظرتنا إلى الإسلام العظيم ؟
ومعذرة من أبي راتب ومن بقية المنشدين ، فهم إخواننا ونحبهم حباً كبيراً في الله ، ولكن هذا شيء وقول الحق شيء آخر ، فنحن هدفنا الأول هو نجاح العمل الدعوي في أمريكا وفي غيرها .. أما المجاملات فهي ليسـت من صفات الناصحين لله ، وليس من المعقول أن نجامل أنفسنا في العمل الإسلامي ، والإسلام يُذبح في كل مكان .
والمفروض من أبي راتب الذي أخذ لقب ( أبو النشيد الإسلامي ) أن يكون متفهماً لدور النشيد في أمريكا ، فيحاول أن يقدم من خلاله أجمل صورة للإسلام .
وإذا كنتم تريدون الصراحة أكثر ، فأنا أعلم أن أبا راتب لم تذهب عنه حكمة استخدام الموسيقى في النشيد ، ولكن هـو يراعي شعور بعض الإخوة هناك في أمريكا ، ولكن هذا الأمر لا ينبغي أن يسكت عنه أبو راتب ، بل عليه أن يشرح لهم أهمية استخدام الموسيقى في النشيد في أمريكا ، كنوع من تحسين صورة الإنشاد هناك ، لأن الإسلام علمنا أن الحق أحق أن يقال ولا يُسكت عنه .