حنان مطاوع
ثمرة الصدق والموهبة وموروثات الفن الأصيل
د. كمال يونس
[email protected]
حنان مطاوع ..فنانة شابة واعدة صادقة .. ذات موهبة حقيقية متوهجة .. كشفت عن مكنون
مخزونها الإبداعى وقدرتها المسرحية لما أدت دور الغانية فى مسرحية السلطان الحائر
..اختلف النقاد حول قيمة العرض الفنية مابين مهلل مبارك ممجد ..ومابين فاحص مدقق..
ولكن أتفق الجميع فىكتاباتهم أن نجمة العرض هى حنان مطاوع ..وأنها نجمة
العرض..وأعلنت للجميع عن نجوميتها كفنانة مسرحية من الطراز الأول ..مما يجعل الجميع
يتفق على أن تمكنها من أداء دورها فى مسرحية السلطان الحائر أعلن عن مولد نجمة
وسيدة من سيدات المسرح التى نفخر بهن جميعا .. سميحة أيوب ..سهير البابلى..سهير
المرشدى..سناء جميل..عايدة عبد العزيز ..وغيرهن ممن أثروا فن المسرح..ونظرا لفرح
جمهور المسرح والمسرحيين بها أجريت معها هذا الحوار.
*
ما السر فى تألقك ونجاحك فى مسرحية السلطان الحائر؟
ـ
السر يكمن أن وراء تلك المسرحية تحولا هائلا ، إذ أننى كنت حتى الثانوية العامة لا
أقرأ، على الرغم من ثقافة والدى الفنان كرم مطاوع ، ووالدتى الفنانة سهير المرشدى ،
وكانت اللحظة الفاصلة فى تاريخ حياتى حين وجدت كتابا لتوفيق الحكيم يضم مسرحيتى
السلطان الحائر وأهل الكهف ، وشرعت فى قراءة مسرحية السلطان الحائر ، وانتهيت من
قراءتها بعد ساعة ونصف ، وأنا المأخوذة بسحرعالمها الأدبى والفنى الراقى ، فلم أكن
أتصور ذلك الزخم الرائع من الإبداع الذى ضمته تلك المسرحية للعبقرى توفيق الحكيم ،
عالم ممتع ساحر شجى ، عشت لحظات أمتزج فيها الضحك والبكاء ، ناقلة إياى من زمن لزمن
، ومن عالم لعالم ، ثم أقبلت فى نهم على مسرحية أهل الكهف لأكملها ، فما كان منى
بعد ذلك إلا أن نزلت للمكتبات وأشتريت ثمانين كتابا لتوفيق الحكيم ، قضيت شهرا
كاملا فى قراءتها ، وبعدها اتخذت قرارا هاما غير مسار حياتى لأحول من القسم العلمى
الذى كنت بدأت دراسته بالفعل فى الثانوية العامة إلى القسم الأدبى ، مما أثار دهشة
والدى ووالدتى ، فلقد أدركت الماهية السحرية للأدب والمسرح والفن بشكل عام ، وحين
عرض على المخرج د.عاصم نجاتى اعتذرت فى بادىء الأمر نظرا لظروف انشغالى الشديد فى
الأعمال الفنية ، ولكن حين علمت أن الكاتب هو توفيق الحكيم ، وأن العرض سيكون
مسرحية السلطان الحائر ، وعلمت منه أن الشخصية التى سأؤديها هى شخصية الغانية وافقت
بدون تردد ، لأننى بالفعل قد ذاكرتها جيدا منذ زمن ، وقد أثرت فى مسيرتى وحياتى ،
ليست تلك المسرحية فقط بل عالم العبقرى توفيق الحكيم كله.
*
كنت بعيدة عن الفن ..فما الذى جعلك تغيرين من رأيك لتقتحمين عالمه؟
ـ
أفقت من عنادى مع والدتى ووالدى، إذ كنت أرفض أن أعيش فى جلباب أبى ، أو رداء أمى ،
فحين كنت طالبة فى الثانوى التحق كثير من أولاد الفنانين بالوسط الفنى ، وكنت
كمتفرجة أحس استفزازا كبيرا فى ظهورهم هكذا بدفعة من آباءهم ، فكنت أعتبر هذا نوعا
من الاستفزاز للشارع وللمواطن المصرى المفروض عليه الكثير اقتصاديا وسياسيا ، فقد
كان إحساسى كل يفرض إلا الفن ، فالشعب يحس أنه هو صانع الفنان فيجب ألا نسلبه حرية
الاختيار ، كنت أحس لو أننى عملت بالفن بدفعة من أبى وأمى متخفية ومتدثرة بشهرتهما
أننى كمن يأخذ ماليس له حق فيه ، فكم من صور رأيتها فى الجامعة استفزتنى شخصيا فابن
الدكتور فى الجامعة له امتيازاته وصلاحياته التى لايستحقها ، خشيت أن أعمل فى الفن
فأصبح مخالفة لما كنت أعتقده من رأى فأصبح منافقة ، أؤمن بشىء وأفعل أخر ، ولذا
التحقت بكلية التجارة حيث لغة الأرقام وإن كنت لا أجيد التعامل بها فرارا وعنادا
رغم حياتى فى بيئة فنية خالصة ، ولكن قررت وأنا فى السنة الثالثة بالكلية أن أدرس
الفن بعيدا عن أسرتى فالتحقت بورشة د.محمد عبد الهادى ، وشاركت فى 7 أفلام روائية
قصيرة ، ووفقت فى الحصول على أدوار قصيرة جدا مثل مسلسل حديث الصباح والمساء 11
مشهدا فقط على مدار 35 حلقة ، ولكن ببركة الله كبرت الأدوار رويدا رويدا فى ظل
معتقدى ومبدأى ألا أسرق فرصة أحد ،وأشتركت فى مسرحيتى يوم من هذا الزمان ، والطعام
لكل فم ، وفى السينما الغبة ، قص ولزق ، هليوبوليس، صياد السمك، أوعى وشك، ومن
العجيب أن الكثير لم يكونوا يعلمون أننى ابنة الفنان كرم مطاوع ،فقد كانوا يعتقدون
أننى ابنة الصحفى عبد الوهاب مطاوع ، وكنت أعلم وعلى يقين أن المكتوب لى سيسوقه
الله لى ، وأنا لا أدين أولاد الفنانين لأنه بالفعل منهم أصحاب قدرات ومواهب فنية
راقية، ولكننى كنت حريصة ألا أوضع فى مكان أكبر من قدراتى.
*
كيف تختارين أدوارك؟
ـ
أرفض القولبة ، وأبحث عن الدور الذى أستطيع من خلاله أن أبرز طاقاتى وقدراتى ، فأنا
أرى أن الممثل الحقيقى كالصلصال لابد له من أن يتشكل من دور للأخر ، وتلك شيمة
الفنان الموهوب حقا الذى يتمتع بطاقات كبيرة يوظفها فى الدور المناسب له ، والذى
يجد فيه جديدا ، وأنا أبحث عن الدور المستفز الذى أجد نفسى مخضوضة منه ، ومخالف
لطبيعة شخصيتى فى الحياة.
*
ماهى نظرتك لفن المسرح؟
ـ
المسرح حالة متفردة لما فيه من لقاء مباشر حميمى بالجمهور ، وأنا حين أمثل على خشبة
المسرح أكون تماما فى عالم الشخصية أجسدها بصدق وأمانة وانفعال وشعور حقيقى ، أعيش
فى حالة كاملة من الاندماج الفنى ، أما فى السينما أو التليفزيون فكثرة القطع تفقد
الفنان كثيرا من اندماجه الفنى وتفاعله مع الدور ، فالمسرح اتصال فنى مباشر يجعلنى
أنطلق محلقة بما أوتيت من قدرات وموهبة، مما يحقق لى إشباعا فنيا رائعا .
*
كيف ترين واقع المسرح المصرى ؟
ـ
واقع المسرح بشكل عام ليس جيدا ، ولا أظلم أحدا ، فالحالة العامة فيها تردى وخلل
واضح ، والمسرح كفن ماهو إلا انعكاس للحالة العامة ، والحاضر يلقى بظلاله على
الحياة العامة والفن والأدب أيضا، لأنه نتاج بشر ، وحين يكون واقع البشر مترديا
كذلك يكون الفن والأدب والثقافة، أين الخمسينات والستينيات حين كانت هناك حالة
استنفار للنهوض ، وكانت حياتنا ملأى بالرموز فى الفن والأدب والعلم وشتى مناحى
ومجالات الحياة ، ولكن هناك محاولة جادة لمستها للنهوض بالمسرح من د.أشرف زكى فلقد
وفر لعرض الأميرة والصعلوك كل ما يمكن أن يجعل العرض يحقق النجاح.
*ما
هى عناصر العرض المسرحى الناجح ؟
ـ
عناصر العمل المسرحى الناجح الفكر الحقيقى أولا ، و الإلمام والوعى وتقنيات الفن
كى يحقق المتعة الفنية والفكرية المنشودة من العرض المسرحى.
*
حديث الصباح والمساء ..أميرة فى عابدين .. محمود المصرى..سارة بنت من شبرا..نجحت
جميعا فى أداء أدوارك بها ولن لماذا تتوقفين دائما عند مسلسل وكالة عطية؟
ـ
تلك من أهم محطاتى الفنية مع سعادتى بالعمل مع مخرجين تليفزين كبار ، ولكن وكالة
عطية مع المخرج الكبير رأفت الميهى ، والذى أديت فيه دور سندس البنت الزبالة
المنطلقة الطموح الحرباء المتلونة حسب ماتقتضيه الظروف ومصلحتها الخاصة ، القادرة
على التلون فى سبيل الوصول لغرضها ، المستشعرة بجمالها وأنوثتها ، والتى تجيد
استخدامه للوصول لما تريد ، يعنى شخصية الناس الملوثين اللى قدروا يشقوا طريقهم
لأماكن الصدارة والقمة ، وحيث الإمساك بزمام الأمور والسيطرة ، تلك هى أهم مرحلة
ومحطة فى عملى الفنى سواء فى السينما أو المسرح أو التليفزيون أو الإذاعة ، فلقد
استفزنى الأستاذ رأفت الميهى واستنفر طاقاتى وأظهر أشياء وطاقات وقدرات فنية لدى
كانت فى دهشة حين خرجت للنور وتبين لى أننى أملكها ، وأنا فى الحقيقة ممتنة لرأفت
الميهى ، شاكرة لفضله.
*
ما هى الخطوط الحمراء فى اختارك لأدوارك؟
ـ
أنا محددة طريقى الفنى بدقة ، وأمتلك إطارا أختار من خلاله اختيارى أدوارى ، لا
..لأى شىء مبتذل أو مسف ، أو أى دور لن أٌقدم فيه جديدا ، أو قدمت مثله من قبل.
*
ما نظرتك للنقاد رغم تباين أرائهم ودوافعهم؟
ـ
كلام النقاد أنظر إليه بعين الاعتبار ، فهم بشر من بين الناس ، والناس يشبهونهم ،
وهم مصدر هام أستقى منه وجهات النظر المختلفة ، ويعجبنى منهم ذلك القادر على إبراز
سلبيات وإيجابيات العرض الفنى .
*
كرم مطاوع ..أستاذ المسرح المصرى .. ماذا يمثل لديك؟
ـ
كرم مطاوع أبى رائد مسرحى ليس فى مصر وحدها بل فى الوطن العربى كله ، رجل قلما يجود
الزمان بمثله ، وهو جزء من تاريخنا الفنى والقومى والثقافى ، ولن ينسى إلا لو أصبنا
بحالة من فقدان الذاكرة، أتذكر وأنا طفلة صغيرة أن شاهدت عرض أنشودة الدم بطولة
يحيى الفخرانى ، وعبد الرحمن أبو زهرة ، من إخراج كرم مطاوع ، وقد قدم لوحة
سينمائية على المسرح على الرغم من خلفية المشاهد كانت شواهد قبور ، ومع أداء
الفنانا الفخرانى وأبو زهرة بدا لى أن المسرح مكتظ بجيوش فنية.
*
الأم الفنانة القديرة سهير المرشدى .. ماذا تمثل لديك؟
ـ
أمى سهير المرشدى تلك الإنسانة المتفردة التى تجمع ما بين الحنان والقيادة والتواضع
والإبداع والفن والثقافة والأمومة والقدرة على اتخاذ القرار ، فهى أم لكل عائلتى
بما فيها جدتى وخالتى ، وهى أكبر نعمة أنعم الله بها على وهى أجمل مافى حياتى ، ولا
أنسى حين كانت تصطحبنى معها للمسرح وأنا صغيرة ، وكم كنت منبهرة بهذا العالم الساحر
الجميل.
*
ما رأيك فى ظاهرة الخروج على النص التى ضجت منها مسارحنا؟
ـ
الخروج على النص هو خروج على أخلاقيات العمل الفنى ، فالفرق كبير بين المسرح
والسينما والتليفزيون لحيويته المفرطة ، واتصاله المباشر بالجماهير ، وأنا موقنة
بأن المنولوجات شىء والمسرح شىء أخر ، ولكل مكانه ، والفن المسرحى مقدس دون تقعير
لفظى ، وأنا مع الكوميديا التى تبرز من طبيعة الموضوع وشخصياته ، أما دون ذلك فلا ،
فالخروج على النص خروج على الأخلاقيات بشكل عام.
*
وماذا بعد؟
ـ
لا تقل لى ماذا بعد ، فأنا قدرية ، الأمس واليوم والغد بيد الله ، ولكنى أتعهد أن
أحسن اختيار أدوارى وأعمالى فى إخلاص وأمانة والتزام، كىأمتع وأستمتع فنيا بعيدا
عن الإسفاف والابتذال ، ولاضرر ولا ضرار ، والرزق أولا وأخيرا بيد الله.