قراءة في فلم الأطفال جدار في القلب
أول فلم فلسطيني ثلاثي الأبعاد 3D بأيد عربية
خليل الصمادي
[email protected] عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض
بالأمس الثلاثاء 14/4/2009 كنت ضمن المدعوين لحضور العرض الأول لفلم جدار في القلب الذي عرض أمام حشد من الإعلاميين بمدينة دمشق على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون " دار الأوبرا".
لم أكن أتوقع أن يكون هذا العرض بهذا المستوى الرائع من العمل الفني أداء ورسوما ولغة وإخراجا وقبل ذك كله مضمونا ، وقبل التحدث عن مضمون الفلم لا بد من التنويه أن مسيرة العمل الفني في أفلام الأطفال الكرتونية أو ذات الأبعاد الثلاثية ضعيفة وما زالت في بدايتها وبحاجة إلى تشجيع وتمويل ودعاية أذكر قبل أكثر من عشر سنوات أنتجت شركة آلاء الفلم الكرتوني " محمد الفاتح" وكانت بداية طيبة وموفقة وقد انتظر أولياء الأمور المزيد من الأعمال الجادة إلا أن انتظارهم ذهب هباء منثورا فالأعمال التي خرجت لم تكن بمستوى الفاتح ويبدو كما صرح الأستاذ خليفة في قناة الجزيرة أن مثل هذه الأعمال تكلف الكثير الكثير وأصحاب المحطات العربية لا يدفعون إلا القليل القليل مقابل عرض مثل هذه الأعمال وتحتاج أفلام الكرتون إلى مال كثير وتمويل مؤسساتي.
وبالعودة للفلم المذكور أرى أنه فتحٌ في عالم الأطفال إذ يعد أول عمل فلسطيني ثلاثي الأبعاد يلخص القضية الفلسطينية منذ حرب 1948 بأسلوب مبسط خال 80 دقيقة إذ تجري أحداث القصة في مخيم بلاطة القريب من مدينة نابلس يتناول عدة أمور منها:
· معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بما يحمله من قهر وظلم وسجن وتشريد وجوع وبطالة واعتقال واغتيالات وهدم للبيوت ومصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار من أجل بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري؛ فبطل الفلم الفتى فارس ذو الأربعة عشر عاما يرى النور في المخيم دون أن يرى والده الذي كان معتقلا في سجن الرملة كما يصور الفلم بعض جيران أم فارس كأبي صلاح الذي هاجر من يافا وسكن بالقرب من أم فارس وهذا الرجل العجوز لم ترحم الجرافات الإسرائيلية منزله المتواضع وأما ابنه صلاح فهو متوار عن الأنظار لأنه مجاهد في سبيل الله ، كما يتعرض الفلم مأساة التعليم في جو الحصار والجدار إذ كثيرا ما تغلق المدارس بسبب أوامر الحصار وبسبب الحواجز الإسرائيلية الكثيرة التي مزقت الضفة الغربية بما فيها القدس وغير ذلك من المعاناة التي لا يتسع المقام لذكرها.
· ثقافة المرأة الفلسطينية وصبرها: لم يغب عن كاتب السيناريو إظهار ثقافة المرأة الفلسطينية وصبرها فأم فارس " سلمى" هي مثال المرأة الفلسطينية الصابرة المثقفة التي لا هم لا سوى تربية فارس تربية صحيحة، وسلمى تملأ أوقات فراغها بممارسة هوايتها في الفن التشكيلي تعبر من خلاله عن المأساة التي يعيشها الفلسطينيون وتتجلى ثقافتها عندما يحضر صحافيان فرنسيان يطلبان منها أن يصورا مشهدا من أعمالها الفنية فيقرعان بابها ويتحدث معها أحدهما بالعربية إلا أن زميله المصور يحدثه بالفرنسية قائلا يبدو أنها مترددة في تصوير أعمالها ولكن أم فارس ترد عليهما بالفرنسية قائلة أهلا وسهلا بكما صورا ما تشاءان ، وأما ليلى المعلمة التي تسكن خارج المخيم والتي تذهب كل يوم إلى مدرستها في نابلس مارة بمخيم بلاطة تعود أدراجها إلى مخيم بلاطة رغما عنها بسبب الحصارو تأوي إلى بيت أم فارس ولكنها تفتح مدرسة صغيرة في حديقة بيت أم فارس فتجمع فارس وأصدقاءه وتعطيهم دروسا في الرياضيات عوضا عن الدروس التي خسروها .
· قضية هجرة اليهود : يستعرض الفلم قضية الهجرة لفلسطين فشلومو مهندس صهيوني متدين جاء من نيويورك مع ابنه جونيور بعد أن طلق زوجته التي رفضت الهجرة معه بسبب أفكاره المتطرفة وهذه العائلة أو النفران يعانيان مشكلات نفسية عديدة صبا جام غضبهما على الفلسطينين فشلومو مشرف على بناء جدار الفصل العنصري ويحمل السلاح لا يتوانى هو وابنه البالغ من العمر أربعة عشر عاما من تصويبه على الفلسطينيين بمساعدة جيش الاحتلال وأما شجرة الزيتون التي أبت أن تُقلع من مكانها بالجرافة ولكن حقد شلومو قلعها بعد أن ساق الجرافة .
· السجن والأسر : لا شك أن غالبية الشعب الفلسطيني يعاني من السجن فقلما تجد أسرة لا أسير لديها ويدخل فارس البطل السجن وينام في زنزانة مجاورة لوالده لأنه هجم على بعض السجانيين الذين أرادوا إهانة والده أمامه فلم يطق ذلك فانطلق كالأسد الهصور على السجانيين الإسرائيليين فعاقبته إدارة السجن بالمبيت ليلة جوار والده إذ استغل الفرصة في تناول الأخبار معه.
· الإعلام : لما للإعلام ولا سيما في عصرنا هذا من أهمية كبيرة فلم يغفل الفلم دور الإعلام ولا سيما المرئي منه فالصحافيان الفرنسيان يحاولان أن يحصلا عل جائزة عالمية من اللقطات المثيرة ويبدو أن ما تتبجح به إسرائيل من حرية الصحافة والإعلام هو من باب الدعاية فقط بالمهندس شلومو يصوب سلاحه أثناء انتفاضة مخيم جنين على عدسة المصور ويقول هذا عدونا أيضا ويردي الكمرا ويجرح مصورها وأما الصحفي في أخر الفلم فيستقيل من مهنة الصحافة بسبب المتاعب التي لاقاها من الجيش الإسرائيلي لأنه يراقب كل ما يكتب ويصور ويعيد التقرير إذا ذكر الجبش الإسرائيلي لأن الواجب أن يقول جيش الدفاع الإسرائيلي حسب مزاعمهم .
هذه أهم القراءات في هذا الفلم الفلسطيني الأول الموجه للأطفال ويبدو أنه موجه في الدرجة الأولى لأطفال العالم الغربي فكما علمنا أنه مترجم لعشر لغات فحري بأطفال العالم أن يعرفوا معاناة شعب فلسطين وأطفاله فالآلة الإعلامية الإسرائيلية الضخمة زورت الحقائق فكما نعلم في قضية اغتيال الدرة التي التقطتها عدسة المصور طلال أبو رحمة غدت تؤرق الكيان الصهيوني لأنها انتشرت عالميا حتى أنهم في بداية الأمر اعتبروه يهوديا سقط برصاص الإرهابيين الفلسطينيين وبعد أن انكشفت الحقائق أشاعوا أنه سقط برصاص الفلسطينيين وأما هدى غالية فكذلك اتهموا المقاومة باغتيال أبيها وهكذا .
إن مثل هذه الأفلام الموجهة للغرب لا شك أنها ستغير الصورة النمطية عن الإسرائيلي وكذلك الفلسطيني فالصورة في السابق كانت مقلوبة والآن بدأت تستعيد اتزانها وحقيقتها نوعا ما بسبب الفضاء المفتوح بالرغم من تحيز الإعلام الغربي مع إسرائيل وإذا ساهمنا في نشر مثل هذه الأعمال فلا شك أننا نساهم في قلب الصورة السابقة ووضعها في الاتجاه الصحيح.
وهمسة في أذن القائمين على هذا العمل فلا شك أنه رائع وهدية لم نكن نتوقعها ولكن هناك بعض الأمور لاحظتها ولا حظها غيري إذ أنني استطلعت أراء بعض المشاهدين فكان منها : أن الموسيقى كانت صاخبة من أول الفلم لآخره ، وأن الحوار كان في بعض الأحيان فوق مستوى الطفولة ، ,ان المعالجة الدرامية بالإمكان أن تكون أفضل من ذلك وحتى أن الفلم أظهر في بعض جوانبه من أجل إتمام المعالجة الدرامية وحبكتها لطف الجنود الإسرائيليين إذ يصرخ قائدهم صوبوا نحو الأطراف فقط وكذلك فارس لم يبت إلا ليلة واحدة في الزنزانة، وأما ليلى التي احتضنت شجرة الزيتون وهي تقاوم الجرافات بالرغم من إطلاق النار الكثيف عليها فإنها أصيبت بالشلل فقط وملاحظة ذكرها أحد الإخوة أن ليلى الملتزمة باللباس الشرعي لا يحق لها أن تجلس مفردة في الكرسي الملاصق لسائق الحافلة الصغيرة أبو نضال فحري بها أن تكون خلفه علما بأن لا أحد كان في الحافلة قبل صعود فارس وزميله عبد الله وحتى لو اقترنت بآخر الفلم بأبي نضال.