مسلسل هولاكو: أسوأ مسلسل تاريخي
مسلسل هولاكو:
أسوأ مسلسل تاريخي
د. منير الشامي
لقد كان عرض الشخصيتين الرئيسيتين في المسلسل عرضاً لا يتفق وواقع هاتين الشخصيتين، وكان الخيال لا الواقع التاريخي هو الذي يرسمهما، وقد رسمتا انطلاقاً من نتائج حرب المسلمين والمغول، وليس من عرض لتاريخ لهما على الواقع، فهولاكو في المسلسل صاحب شهوات وزير نساء ومعاقر خمر، لا همّ له إلا ذلك، جبار عنيد يقتل كل من يخالفه ولو كان أقرب الناس إليه، والمستعصم في المسلسل صاحب لهو مع الحمام ولذة مع الجواري، لا همّ له إلا ذلك، فإذا كان الاثنان بهذه المواصفات فلماذا ينتصر هولاكو وتفتح أمامه الأرض، ويهزم المستعصم وينتهي ملك الإسلام على يديه إذا تشابها بالمواصفات. أما هما في التاريخ فليسا كذلك.
فالمستعصم (حسن الصورة، جيد السريرة، صحيح العقيدة، معتد بأبيه المستنصر في المعدلة وكثرة الصدقات، وإكرام العلماء والعباد، وقد استجاز له جماعة من الحفاظ، وحدّث عنه جماعة منهم ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ ومحبة للمال وجمعه) البداية والنهاية لابن كثير م7 ج13 ص 217.
وهولاكو (كان ملكاً جباراً فاجراً كفاراً لعنه الله، كان لا يتقيد بدين من الأديان، وكان همه في تدبير مملكته وتملك البلاد شيئاً فشيئاً) المصدر نفسه/ 262.
وهاتان الصورتان لم تبرزا من خلال المسلسل. ومن هذا المنطلق نقدر أن عرض المسلسل شيء والواقع التاريخي شيء آخر.
2 – وإذا ناقشنا المسلسل من خلال العقيدة، فالكفر هو الذي ينتصر، وقانون المغول لا يرحم، وهو الذي ضبط البلاد والعباد، أما الإسلام والعلماء المتنفذون المقربون من الخليفة، وعلى رأسهم ابن الجوزي فالهزيمة لهم، والهزيمة لعقيدة الإسلام، وليس لواقع المسلمين فقط.
3 – والانغماس في الشهوات والملذات لا يضر الكفار ولا يؤثر عليهم، فرغم كل هذا الانشغال بذلك، فالنصر حليفهم، بينما الخلل في الشهوات في قصر الحكم، أقل بكثير منه عند المغول، وهو الذي ساهم في دمار المملكة لانشغال الخليفة بحمامه وجواريه.
3 – ورغم الدسائس والصراعات والظلم والإرهاب الواقع في معسكر هولاكو هذا كله لا يضير في النيل من الصف الداخلي، ولا يفتح المجال للاستخبارات الإسلامية أن تنفذ لدخول هذا المعسكر، بينما تؤدي الصراعات والتحزب والاستخبارات المغولية دورها، وتنتهي بهزيمة المسلمين.
4 – ونسأل دون الدخول في التفاصيل، ومن خلال العرض المطول للأحداث:
ما الذي هزم المسلمين؟ وما الذي نصر المغول؟
البطش والظلم والفتك والإرهاب هو الذي حقق النصر لهولاكو وجيشه، ورجلان من كبار العلماء والمسلمين: الطوسي والجويني هما أقرب المستشارين لهولاكو.
واللين واللهو هو الذي حقق الهزيمة للجيش الإسلامي، وسقطت بغداد بناءً على ذلك، فلا أثر للدين والعقيدة، ولا دور لهما في مجال النصر والهزيمة.
5 – ولابد أن نضفي على أحداث التاريخ ما نحب، فلأن معركتنا قائمة اليوم مع اليهود، فاليهود خونة والنصارى وطنيون، فزعيم اليهود في بغداد يراسل هولاكو بالسر ويدل على الثغور، ويطلب الصفح منه إذا انتصر. أما زعيم النصارى فوطني، والنصارى استعدوا ليقاتلوا تحت راية المسلمين قائلين: نحن وأشقاؤنا المسلمون شيء واحد، ومصيرنا واحد، وعلينا أن نقدم ضريبة الدم، نعيش في وطن واحد، علينا أن نقاوم الغزو الأجنبي ومعظم النصارى دفعوا أرواحهم للدفاع عن وطنهم، أما ابن حاييم زعيم اليهود فيقول: لن نضحي بقطرة دم واحدة.
وينقل الجواسيس لهولاكو خبر القافلة المتجهة للشام والتي فيها النساء والمال وبنات المستعصم، وربح هولاكو الجولة الأولى ضد بغداد وأصبحت بغداد مكشوفة وضُرب جيش سليمان الذي جاء لنجدتها.
6 – هكذا يقول هولاكو: من يخن مولاه يخن سواه، وبعد أن ظفر بالمعلومات كاملة من الجواسيس يقول لهم: خنتما المستعصم، وجزاء الخائن في الياسا القتل، فيقتلهما. ولا يقبل من المسلمين إلا الاستسلام الكامل. كما يقتل هولاكو من خسر المعركة ضد العدو قائلاً: قانون المغول الياسا لا يرحم لا مكان عندنا لمن يخسر معركة. فيقتل.
كما يعرض حواراً بين ابن الجوزي رسول المستعصم و هولاكو، فيعرض ابن الجوزي الحضارة الإسلامية من العلم والمكتبات والمساجد فيقول له هولاكو:
- القوة عصب الحضارة، الحضارة هي نفسها، الحضارة هي القوة، ويبلغ ابن الجوزي بقوله:
- النار المحرقة سوف تحرق كل شيء.
- فيقف ابن الجوزي موقفاً حميداً بقوله:
- أيعني هذا أن نكون تابعين لإمبراطوريتكم، أنا أمثل المستعصم، وأمثل شعبي وأمتي، سأمضي في قول كلمة الحق.
هولاكو: فارس والصين انحنتا أمام حاضرة المغول.
ابن الجوزي: خير لك أن تكون شجرة تكسر من أن تكون غصناً يعصر بيد العدو.
7 – هذا موقف ابن الجوزي. أما موقف ابن العلقمي، فقد كان يراسل هولاكو، والطوسي ينصح ابن العلقمي بالتعاون مع هولاكو، ويحكم بعد نهاية المستعصم، والعلقمي يطلب مهلة للتفكير.
هولاكو: تتوحد دولتانا ونقف معاً ضد الفرنج، وسأزوج ابنته لابني أباقا وتقع المصاهرة وحيث قابل هولاكو كل زعيم بمفرده، فجاؤوا إلى الخليفة بآراء مختلفة.
ابن العلقمي يقول: إنه رجل حرب له أطماعه، بمهادنته يمكن أن نتصالح معه ويمكن جلبه لصالحنا.
الخليفة مجاهد هو قائد الجيش: سيجد الجيش مهيأ للمواجهة.
ويأخذ الخليفة برأي ابن العلقمي، ويعقد العزم على الخروج لملاقاة هولاكو والتفاوض معه، بينما يرفض ابنه قائد الجيش ذلك قائلاً لأبيه:
- قد يجبرنا على الاستسلام، ودولتنا مهددة بالخطر، ومهادنة المغول لا تفيد.
8 – جيش المغول يقترب، ويحار الخليفة بين وزيره ابن العلقمي، وولده قائد الجيش. يقول: أخشى ابن العلقمي، أخشى قائد الجيش.. أغلقوا أبواب بغداد.
- ولم تصل قوة الدعم لقائد الجيش والخليفة لا يزال يلعب بالحمام ويندم على عدم مفاوضة هولاكو، فيغريه ابن العلقمي بقوله:
- أرى أن تذهب معي نستعطف هولاكو.
المستعصم: لا.. سوف أتذرع بالأمل ويقضي مجاهد الدين عليهم، ويصل الخبر: مُنِي الجيش بهزيمة، واستشهد قائد الجيش، فيعرض المستعصم نصف خراج بغداد مقابل السلام ويذهب لمقابلة هولاكو، ويجري الحديث الآتي:
ابن العلقمي: هذه هي بغداد تفتح ذراعيها لاستقبالكم أنت ضيف عزيز على بني العباس.
هولاكو للمستعصم: أيها المستعصم. أمارات الفاقة والجوع على شعبك. الأجدر أن توزع ذهبك لجنودك إذن لاستماتوا بالدفاع عنك، كان جيشك هزيلاً أيها المستعصم.
الخليفة: أنا قلصت عدده لأثبت للدنيا أني رجل سلام.
لكن هولاكو لا يرضى إلا استباحة بغداد في النهاية، ويستشير الطوسي أحد مستشاريه المسلمين الكبار:
- ماذا عن إنهاء حياتهم دون أن تسيل من دمهم قطرة واحدة.
يقتل هولاكو أولاد الخليفة أمامه ويطعمونهم الذهب. الخليفة يوضع في كيس ويُخنق فيه ويداس بالخيل، ويصرخ هولاكو: جئتك يا بغداد فاتحاً، ستشهد أمة الإسلام هولاً لم تشهده أمة من الأمم، أنا هولاكو سيد الدنيا وقاهر العالم.
9 – سقوط بغداد: في السابع من صفر أعلن هولاكو دخول بغداد، هدمت القصور والتحف، واستباحوا القتل والسفك، قتلوا أربعين طفلاً ثم أمهاتهم، قتل ثمانمائة ألف في أربعين يوماً حيث أصدر هولاكو عفوه بعدها، فخرج المختبئون في الآبار والأقنية كأنهم خرجوا من قبورهم. الأب لا يعرف ابنه، والولد لا يعرف أباه، لحقهم الوباء الشديد، ألقوا جميع الكتب في دجلة كل شيء سينتهي إلى العدم. قتل آلاف العلماء والشعراء، وشرد من نجا منهم، أحرقت المكتبات للقضاء على الآثار الإسلامية. سنقضي على قيادتهم وسيحكم المغول بغداد، ونقضي على روح التمرد، زوجة هولاكو النصرانية تصلي ضد هولاكو وتقول: إني خائفة.
10 – حاكم حلب يحالف هولاكو خوفاً منه، تمرد في أربيل. الشام مقسومة بين الفرنجة والأمراء الأيوبيين الموزعين، وهولاكو: عليكم بدمشق سأزحف إليها بعد الاستيلاء على الشمال، من بيارفين من عند الملك الكامل، وأوامر الإمبراطور فيلوخان لهولاكو أن لا يستقر ببغداد طويلاً وأن تمضوا إلى الشام ثم إلى مصر. ونمرغ كبرياءهم بالطين.
لويس التاسع يتصل بهولاكو، وحاكم القدس: يريدون شراً بأمة الإسلام، ويطلب تحالفنا، الناس مسلمين ومسيحيين لا يقبلون الملاحدة، أما ملك بابارفين: سأعطي أموالي لشعبي ولن أعمل كالمستعصم. الأيوبيون يتداعون ليكونوا كتلة واحدة ضد هولاكو، الأمراء في مصر يتشاورون. ألياذا لا يطبق إلا على المغول ولا سبيل لمواجهته إلا بالقوة، نجحنا بقيادة مملكتنا بالشورى، ونحكم بالتروي والتبصر.
قطز وبيبرس يتناقشون حول الفرنجة، وهم أصحاب دين سماوي، المغول يغدرون ويحاصرون حلب حتى سقطت واستباحها لمدة سبعة أيام، أما قلعة حلب فاستعصت عليهم وبقيت تقاوم لمدة ثلاثين يوماً.
البابا: ينطلق من القيم المسيحية في مواجهة التتار، وغير موافق على التجاوزات، نشكل سداً منيعاً من الشام وفلسطين ومصر ضد المغول، هولاكو يقتل توران شاه ابن ملك حلب، ثم يبعث بجيوشه إلى ماردين فتسقط بعد الحصار، ثم إلى ميارافين فتسقط كذلك، ويذل ملكها قبل قتله شر قتلة. ويأمر بجيوشه أن تتجه إلى دمشق، وينتهي المسلسل من الناحية السياسية عند الزيارة السرية من قطز, سلطان المماليك إلى الملك الناصر بدمشق، يدعوه إلى الصمود ريثما تصل قوة المماليك لنجدته، ومنكوخان سلطان المغول يريد أن يوصي لهولاكو بالإمبراطورية حتى لا تتمزق بين أخوي هولاكو المتصارعين على العرش.
التقويم الأخير للمسلسل:
1 – انتصار هولاكو بكل وحشيته دون تحليل لأسباب ذلك الانتصار، والمؤامرات والخيانات حوله حتى أحب زوجاته إليه تحمل طفلاً بالخيانة من ابن أخيه، ويطرد ولده من عنده.
2 – الخيانة تملأ كل حكام المسلمين، والصراعات بينهم لا تنتهي، والاستسلام يقودهم أذلاء لهولاكو والمغول يستبيحون كل المحارم.
3 – يمكن أن نقول بلا مبالغة: المسلسل نصراني، فليس في المسلسل من هو نظيف مخلص صاحب قيم غير النصارى وذلك من خلال الفقرات التالية:
أ – زوجة هولاكو النصرانية تتخلى عنه لوحشيته، وتلتجئ في آخر حياتها إلى دير تعبد ربها فيه، وتغادره لما أزهق من أرواح المسلمين.
ب – ابنها أباقا المتأثر بتعاليم أمه النصرانية وتربيتها، ونجاته بدعائها له يفر إلى دمشق.
ج – أعظم الأبطال الذي يقاتل مع المسلمين، ويهزم المغول هو بروك النصراني.
د – الذي ينقذ زوجة نزار أحد أبطال المسلسل هو ستيفان النصراني.
هـ - البابا يدين وحشية هولاكو، ويدعو، من خلال قيمه النصرانية، إلى عون المسلمين ضد الملاحدة.
و – البطريرك يفتح الطريق لوصول الجيوش الإسلامية لمدد دمشق.
ز – لا فرق في دمشق بين مسلم ومسيحي، فالكل أبناء وطن واحد، كذلك في حلب.
ح – النصارى في بغداد يضحون بأرواحهم وممتلكاتهم في سبيل وطنهم.
ط – زوجة بروك التي قاست معه الأهوال نصرانية وفية مخلصة.
ي – حاييم اليهودي أراد بث الفرقة بين المسلمين والنصارى بأمر هولاكو، فيكشف ويعدم. عشر نقاط تجعل المسلمين بلا قيم فيهم بعض المخلصين، والمغول بلا قيم، وينتصرون واليهود بلا قيم يخونون، أما النصارى وحدهم فهم المخلصون لوطنهم المتمسكون بمبادئهم المضحون بأرواحهم.
وأقول: إنه أسوأ مسلسل تاريخي على الإطلاق، ولا يزرع في قلوب الناس إلا اليأس والاستسلام للقوة، واحتقار الحكام المسلمين، وتعظيم النصارى فقط، ولا ندري عن المؤلف رياض عصمت والمخرج باسل الخطيب وبطل المسلسل هولاكو أيمن زيدان، ما فعلوا بهذه الأمة من خلال هذا المسلسل الرديء، بغض النظر عن إبداعات الجانب الفني فيه في التمثيل والإخراج.
وأقول لكل واحد من هؤلاء الثلاثة:
إن كنت لا تدري فتلك | مصيبةأو كنت تدري فالمصيبة أعظم |
ويا ليت هذا المسلسل لم ير النور.