على الهوا سوا..!
على الهوا سوا..!
بقلم: عبير الطنطاوي
برنامج يجمع ثماني فتيات في بيت ريفي في لبنان.. هؤلاء البنات يتصرفن وكأنهن في بيوتهن، وتنقل لنا الكاميرات المرئي وغير المرئي من حياتهن على مدى 24 ساعة كاملة..
الهدف أن ينظر الشباب إلى أولئك الفتيات وهن
يأكلن ويشربن ويرقصن ويطبخن ويؤدين الألعاب الرياضية ويغضبن ويفرحن ويعملن (مكياجهن)و..و..إلخ،
أي حياة كاملة وتصرفات كثيرة لربما لا يرى الرجل حتى زوجته في بعض تلك المواقف،
كالرقص على كل أغنية وكالملابس الضيقة الفاحشة التي يندى لها الجبين..
يقولون: إن الهدف شريف، وهو الزواج، ولكن أين الشرف في فتيات تزعم إحداهن أنها متدينة وتصلي؟!! أين الشرف أن تترك فتيات من تونس ولبنان ومصر وسورية بيوت أهاليهن ليعرضن أنفسهن على شاشات التلفزيون 24 ساعة؟
والتي ترقص وتغني وتصيح (اخطبوني)، والتي تلعب رياضة بأسلوب فاحش، والتي...، والتي...
آه ماذا نقول؟!
أنا ومن حولي من الفتيات والمتزوجات المثقفات من أشد المعارضات لفكرة الزواج بهذه الطريقة، لقد فقد الزواج بهذا الأسلوب سموه وهدفه.. فأنت تتزوج لتكمل نصف دينك فأين نصف دينك وأنت تختار امرأة اشتهاها الملايين من شبان العالم؟
أنا من اللواتي كن ينظرن ويبحلقن بملابسهن وحركاتهن وكأنني غير مصدقة أنه من الممكن أن ينجب العالم العربي فتيات بهذا الشكل وبهذه الوقاحة!
بنات سمينها جرأة، وأنا أسميها وقاحة وسخرية وعرضاً للأجسام لا أقل ولا أكثر.. ربما كان هناك وسائل أكثر وقاحة في الأجسام كالبحر الذي يتمددون على شاطئه عاريات، ولربما يعجب عارٍ بعارية ويتم الزواج وتبنى حياة... والله أعلم بهذه الحياة، وربما يتم عرض هذه الأجسام في التلفزيون بواسطة عروض الأزياء الفاحشة، ولربما يقع فاحش بحب فاحشة من العارضات ويتم الزواج كذلك، وربما لم يكن هدفهم أصلاً في هذه الحالات الزواج ولكن الزواج قد يتم صدفة عن طريقها.. أما أن تعرض البنات أنفسهن بهذه الطريقة المشينة والمهينة فهذا مما يستغربه العقل!!
نعم ربما ولدت هذه التجربة منذ عشرات السنين في بلاد غربية ونجحت وأنا لي معارف في تلك البلاد وحدثوني منذ سنوات عن هذه التجربة بل وحتى بيوت تلك البلاد كانت تحوي شباباً وبنات معاً، ولكن ليس كل ما يصلح للغرب يصلح للعرب، فنحن مسلمون لنا أصول وأعراض وشهامة وشرفٌ وقيم لا تقبل بهذا أبداً.
هذه كلمتي وأنا أتوقع أن هذه التجربة طبعاً سوف تستمر وستتكرر ولن تقف مقالتي هذه في وجهها لصدها ولكنني أرجو ألا تتزوج بناتنا بهذه الطريقة السخيفة.
وأنا أحب أن أوجه كلمتي هذه لكل فتاة في ذلك البيت وأتمنى لو تصل رسالتي لهن ومهما وصموني بالرجعية ومهما استهزؤوا بي فلتعلم كل واحدة منهن أن كلمتي هي لصالحهن وليس ضدهن. وأنا والله حريصة عليهن وعلى سمعتهن وعلى دينهن وشرفهن.
ورغم رفضي وحزني لحالتهن التعيسة جميعاً، لا أنكر أنني لمست بعض جوانب الطيبة الظاهرة في وجوه بعضهن، وربما رأيت في واحدة منهن نفسي وشبابي الثائر، وربما رأيت في آخر شخصية أختي الحبيبة إلى قلبي، وربما رأيت في أخرى شخصية صديقتي العزيزة، لذلك لما تخليت نفسي وأختي وصديقتي ونحن نعرض أنفسنا بهذا الأسلوب المبتذل، كرهت البرنامج كله، ووجدت فيه برنامجاً لإغراء الشباب ولدفع المتزوجين إلى النظرة الدونية لزوجاتهم المشغولات في المنزل مع الأولاد، والتي قد لا تستطيع الواحدة منهن أن تحبس جسدها في بنطال ضيق فاحش، والتي قد تشعر بالبرد الشديد والمرض إذا لبست قمصاناً كقمصان أولئك البنات القصيرة ليظهر منها البطن والظهر ولينكشف العنق والنحر والصدر، كما أنها دعوة للبنات للكسل: فهن يسهرن إلى ساعات متأخرة جداً من الليل ولا يستيقظن إلا بعد الواحدة ظهراً أو أكثر، ويقمن من النوم إلى المكياج والرياضة ومن ثم ينتظرن حسنة المنتج ليقدم لهن الفطور أو الغداء وكأنهن طفلات صغيرات! وأي صغر هذا وأصغر واحدة فيهن عمرها 21 سنة؟! فضلاً عن الغنج والدلع والغمزات واللمزات.
ولا ننسى ذلك الأسلوب الفظيع لدفع الناس إلى التهافت على الاتصالات الخلوية للتصويت للبنات والأرباح الطائلة من وراء ذلك التصويت وبالمقابل الخسائر الفادحة للشعوب العربية المسكينة. فقد لا يملك الشاب ثمن (ساندويتش) يسد به رمقه، ومع ذلك فإنه يتصل ويصوت ويحلم بأن يظفر إما بتك الشقراء التونسية أو تلك الملساء المصرية، وهذه النقود التي تنفق على من في المنزل من أكل وشرب ولبس وتدفئة... ليست لأهل المنزل فقط وإنما للمخرجين والمصورين ومن هم وراء الكاميرات المنتشرة في أنحاء المنزل!!!
ألا يوجد في هذا العالم العربي المنكوب من هو أحق بها من هؤلاء (ولا أقول الرخيصات)؟ ألا يستحق أطفال العراق وأطفال الحجارة وأطفال الصومال والأطفال مرضى السرطان في وطننا العربي –الذين تجمع لهم الأموال- أليسوا هم أولى من أولئك الفتيات؟ لا أدري لصالح من؟ ولماذا أقيم هذا البرنامج؟ ولا أدري هل الكاميرات حقاً تنقل لنا كل شيء؟!
الله أعلم.
آه يا جدتي كيف تزوجت وكيف أنجبت وكيف حافظت على محبة جدي لك على مدى سنوات طويلات، حتى أنك بعد وفاتك ظل جدي عمراً يذكرك بالخير ومات وهو لك المخلص المحب. وكيف يا جدتي ربيت والدي الذي هو قدوة لكل قدوة؟! وكيف ربيت الأجيال والأجيال؟! لا أظنك كنت تستخدمين (الجل والسليكون و..إلخ) بل كنت تلبسين لباس الحب والمودة والشرف والأخلاق والتقوى، ولباس التقوى ذلك خير.