المسـتوى الفني للنشـيد الإسـلامي

المسـتوى الفني للنشـيد الإسـلامي

ضعف في الصوت واللحن والكلمة

تعقيب على الأستاذ عبد الكريم أحمد

( 1 ـ 2 )

نجدت لاطـة  

 المتابع لحركة النشيد الإسلامي منذ نشأته ( وكانت النشأة قبل ربع قرن تقريباً) يجد ـ دون أدنى شك ـ أن المستوى الفني للنشيد أضعف بكثير من المستوى الفني لحركة الغناء العربي المبدوءة بأم كلثوم ومروراً بمحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وناظم الغزالي وصباح فخري وفيروز وانتهاء براغب علامة وكاظم الساهروعمرو دياب وآخراً بنانسي عجرم. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن أفخم منشد عندنا  أصغر ـ فنياً ـ من أصغر مطرب معتبر. ومن يشك في هذا فليراجع ذائقته الموسيقية أو يسأل أي ملحن محترم.

        فأتساءل : لماذا هذا التخلف والضعف في النشيد الإسلامي ؟ وقل الشيء نفسه في سائر الفنون الأخرى كالشعر والرواية والسينما. فهل عندنا شعراء إسلاميون مثل نزار القباني والجواهري وبدوي جبل وعمر أبو ريشة ؟ وهل عندنا أدباء إسلاميون مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحنا مينة والطيب الصالح ؟ وهل عندنا سينما إسلامية أصلاً ؟ وهل عندنا فضائية إسلامية تنافس قناة الجزيرة أو العربية أو أبو ظبي أو حتى القنوات الحكومية ؟

        فلماذا تخلّف الإسلاميون في الفنون والوسائل الإعلامية ؟ وهذا التخلف دليل قاطع على التخلف الرهيب والخطير في عقول القائمين على العمل الإسلامي سواء أكانوا من العلماء أم من المفكرين أم من الدعاة ؟ لأن الفنون والوسائل الإعلامية متوفرة ويمكن استخدامها ولكن العقول الناضجة غير متوفرة في العمل الإسلامي.

        في حين أن الفنون الإسلامية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت أقوى ـ فنياً ـ من فنون المشركين، وكانت متمثلة آنذاك في الشعر والخطابة, فقد كان حسان بن ثابت  أشعر من شاعر المشركين وكان خطيب المسلمين أخطب من خطيب المشركين كما هو معروف في السيرة. فلماذا لم يقتدِ قادة العمل الإسلامي اليوم بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟

        ولا بد من التذكير بشيء مهم جداً أن الإمام حسن البنا رحمه الله  كان يمتلك عقلية واعية جداً في ضرورة استخدام الفنون العصرية في الدعوة . فحين رأى انتشار ظاهرة المسرحيات في مصر أيام الثلاثينيات والأربعينيات أوعز إلى أخيه عبد الرحمن البنا بإنشاء الفرق المسرحية، وتمّ عرضها في مسارح القاهرة ودار الأوبرا وغيرها، وكان يستخدم الممثلين المشهورين آنذاك في عرض المسرحيات الإسلامية. فكانت تُكتب لافتة على باب المسرح ( الإخوان المسلمون يقدمون مسرحية عبد الرحمن الداخل بطولة زكي طليمات وأمينة رزق وغيرهما ..) فالإمام حسن البنا كان داعية ناجحاً وسار بهدى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... ولكن ـ للأسف ـ لم نجد أحداً مثل حسن البنا، لا في مصر ولا في البلاد العربية ولا في تركيا ولا في باكستان... فكل الحركات الإسلامية تخلفت بشكل كبير في جانب الفنون والوسائل الإعلامية, وبذلك فشلت فشلاً ذريعاً في استقطاب الشعوب وإرجاعهم إلى تعاليم دينهم.         

أعود إلى النشيد الإسلامي...

        صحيح أن هناك تطوراً في النشيد على أيدي موسى مصطفى وأيمن حلاق وغيرها... لا سيما في استخدام الأجهزة الموسيقية، ولكن مازال هذا التطوير دون المستوى المطلوب بل ويحتاج إلى تطويرات كثيرة حتى نصل إلى مستوى أصغر مطرب معتبر، ولا أعني هنا أمثال المطرب شعبان عبد الرحيم.

        وشيء ثانٍ .. لماذا لا يوجد عندنا منشدات ؟ ألا يدل هذا على عقم في التفكير؟ أنا سألت زوجتي: كيف تفعلن في الأعراس النسائية ؟ فقالت: نضع شريط أبي راتب أو عماد رامي أو غيرهما... وترقص النساء على أناشيدهم. فهل يروق هذا تعاليم الإسلام ؟ أليس من الواجب على العمل الإسلامي أن يوجد منشدات ينشدن في الأعراس والمهرجانات الخاصة بالنساء ؟ ومتى نصل إلى التكامل في تفعيل كافة الأنشطة التي تهم المجتمع المعاصر في سائر مناحيه ؟

        بل إذا انتقلنا إلى جانب الثقافة فلا يوجد عندنا مفكرات وعالمات وفقيهات من الطبقة الأولى، ألا يدل هذا على تخلف مذهل في العمل الإسلامي ؟

        فيا أستاذ عبد الكريم أحمد .. نحن بحاجة إلى انقلاب جذري في الخطاب الإسلامي المعاصر، وإلى تغيير كامل في أنشطة العمل الإسلامي.. هل تظن أن الله يُنزل علينا الهزائم تلو الهزائم عبثاً ؟ فما ننتهي من مذبحة حتى ندخل في هزيمة كبرى ( البوسنة والشيشان وكوسوفا والعراق وفلسطين الجرح الدائم واستشهاد أحمد ياسين رحمه الله ..) هل هذه الهزائم تنزل علينا عبثاً ؟ أم أنها تنزل بسبب تخلف الإسلاميين في العمل الإسلامي الذين لا يجيدون خطاب الشعوب المسلمة، ولا يعرفون من أين تُؤكل الكتف في استقطاب الجماهير؟ هل نسيتَ القاعدة الإلهية التي تقول ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أنفسكم ) ؟

        فعلماؤنا ومفكرونا ودعاتنا بحاجة إلى مراجعات جذرية في العمل الإسلامي، وبحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات العمل الإسلامي. وللأسف أقول إن معظمنا لا يفعل شيئاً من هذه المراجعات، وإنما يبقى يسير على طريقة الخمسينيات والستينيات وكأنه لا يشعر بأننا انتقلنا إلى عصر الكمبيوتر والإنترنت والقنوات الفضائية .

       للحديث بقية في الأسبوع القادم ..