مشكلة العلاقات العاطفية في المسلسلات التلفزيونية

مشكلة العلاقات العاطفية 

في المسلسلات التلفزيونية

مسلسل ( زيزينيا ) نموذجاً

نجدت لاطة

لا يختلف معي أحد في كون قضية الحب والغرام أكثر القضايا التي تمّت معالجتها في السينما العربية منذ نشأتها، فالسؤال هنا : هل كانت هذه القضية تستحق منا هذا الاهتمام الكبير لاسيما والدول العربية مرّت وتمرّ بمشكلات كبرى، الحب والغرام ليس من ضمنها؟

وأنا هنا سأتناول مسلسلاً لأحد أكبر كتّاب السيناريو الذين عرفتهم السينما العربية، لاسيما المسلسلات الضخمة المشهورة ( مسلسل ليالي الحلمية أحدها). ليتبيّن للقارىء حجم ( الضحك على الأمة والشعوب) الذي مارسه عمالقة السينما العربية.

المسلسل (زيزينيا) الذي عرضته معظم الفضائيات العربية في السنوات الأخيرة هو للكاتب أسامة أنور عكاشة. والمسلسل يتحدّث عن فترة ما قبل ثورة يوليو 1952 . فقد ذكر الكاتب أسامة أنور عكاشة في مجلة روز اليوسف العدد (3631) في معرض حديثه عن مسلسله "زيزينيا" أن المسلسلات التاريخية التي تتحدث عن فترة ما قبل ثورة يوليو تبيّن للمواطن المصري والعربي الأسباب التي دعت للثورة, وهي ـ برأيه ـ مهمة ولابد من أن يطلع عليها الجيل الحالي.

فهل استطاع مسلسل "زيزينيا" أن يطلعنا على أحداث تلك الفترة الزمنية بصورتها الحقيقية؟ وهل كانت الحياة المصرية التي شاهدناها في المسلسل تمثل تلك الفترة ؟ أظن أن القارىء المشاهد سيشاركني في الإجابة على هذين السؤالين وهي أن الكاتب أسامة أنور عكاشة قد شط في خياله كثيراً, فهو لم يطلعنا على حقيقة المعاناة التي كان يعيشها الشعب المصري, وإنما حكى لنا حواديت غرامية نسجها من خياله، وليس من تلك الفترة التي كان النضال الوطني ضد الإنجليز يمثل الحدث الأول والأهم فيها. لأن الموضوعات التي تناولها الكاتب في المسلسل تدور حول محورين, المحور الأول: العلاقات العاطفية بين شخصيات المسلسل, المحور الثاني: النضال الوطني ضد الإنجليز.

وكنت أتمنى أن يبرز الكاتب المحور الثاني بشكل مفصل وأعمق من ذلك, بحيث يعطي له الأهمية الكبرى في المسلسل,ولكن ـ للأسف ـ لم يأخذ هذا المحور إلا حيزاً قليلاً, ولم تظهر الأفكار الوطنية التي كانت تغلي في أعماق الجيل المصري آنذاك .

وقد بدت المشاهد الوطنية في المسلسل وكأنها متنفس للكاتب لكي يطيل بها مسلسله, بمعنى أن هدفه لم يكن إطلاع الجيل الحالي عليها كما زعم في كلامه. مع أن النضال الوطني في تلك الفترة الزمنية كان مادة حية لكتاب المسلسلات, وممكن أن تستفيد منها عشرات المسلسلات, لأن فترة ما قبل ثورة يوليو مليئة بالعمل النضالي السري منه والعلني, المسلح منه والسياسي. إلا أن كاتبنا عكاشة لم يستفد ـ أبداً ـ من ذلك، لذا بدا النضال الوطني بارداً وهزيلاً ولا يعطي الصورة الحقيقية له .

أما المحور الأول ـ وهو العلاقات العاطفية بين شخصيات المسلسل ـ فقد طغت على حلقات المسلسل الأربعين كلها، والكاتب لم يترك أحداً من شخصياته إلا ولصق به علاقة عاطفية, حتى خُيل للمشاهد أن الشعب المصري كله يحب ويعشق, وأنه لا همّ له إلا الحب والغرام .

وكان بودي أن أذكر الشخصيات التي أحبت وعشقت ولكن المشكلة أن عددها كثير يضيق بها حجم مقالي، ويكفي من القارىء المشاهد أن يراجع ذاكرته مع المسلسل لكي يتأكد من صحة كلامي .

والغريب في الأمر ـ أيضاً ـ أن الكاتب لم يلصق العلاقات العاطفية بالشخصيات الشبابية فقط مثل: بشر عامر عبد الظاهر( يحيى الفخراني) وعايدة ( آثار الحكيم) وفتحي ( أحمد السقا) وصلاح ( خالد جمال) .. وإنما جعل ـ أيضاً ـ إمام المسجد الشيخ عبد الفتاح ( أحمد بدير) يحب, بل ويصل إلى درجة الهيام والعشق .

فبعد هذا الحشد الهائل من المحبين والعشاق يحق لنا أن نعتبر المسلسل من المسلسلات العاطفية, وليس من المسلسلات الوطنية الخاصة بالفترة التي سبقت ثورة يوليو, لأن 80 % من شخصيات المسلسل كان لها علاقات عاطفية، بالإضافة إلى أن أكثر مجرياته كانت تدور حول تلك العلاقات .

فالقضية في هذا المسلسل قضية تأليف قصص عاطفية (حواديت)  يتسلى بها جيلنا الحالي. وهل يُعقل لمن أراد أن يُطلِع الجيلَ الحالي على أحداث تلك الفترة أن يقدم له هذا الكم الهائل من القصص العاطفية بحيث تأخذ أكثر ساعات المسلسل؟

ولا أدري ما الذي منع أسامة أنور عكاشة من أن يجعل المسلسل صورة حية عن النضال الوطني في فترة ما قبل ثورة يوليو. لأنه كان

ـ على الأقل ـ يذكّر جيلنا الحالي بنضال آبائنا كي يقتدي بهم في هذا الزمن الصعب الذي لم يعد يجد فيه إلا الهزائم !!!

لكن حين يكون هدف الكاتب الاستمرار في الضحك على الشعوب تُنسج القصص الغرامية وتُحذف قصص البطولة والنضال، وهكذا دواليك مع كل مسلسل أو فيلم عربي.