حتى يكون النشيد الإسلامي نشيدنا
حتى يكون النشيد الإسلامي
نشيدنا
نجدت لاطة
النشيد الإسلامي ـ عموماً ـ ما زال في بداياته الفنية مع أنه ولد وقُعّد له منذ ربع قرن على أيدي المنشدين أمثال: أبو الجود وأبو مازن وأبو دجانة ومحمد أمين الترمذي وأبو راتب.
وقد قدّم هؤلاء المنشدون النشيد الإسلامي بشكلٍ يُشكرون عليه، وكان ما قدموه في حدود المقبول،وعذرهم أنهم في البدايات الأولى.
لكن أن ينقضي ربع قرن دون أن يتطور النشيد الإسلامي، فهذه طامة كبرى تعبر عن عدم تفهم القائمين بالعمل الإسلامي لأهمية النشيد الإسلامي.
وليت الأمر توقف عند المستوى الفني الذي انتهى إليه هؤلاء المنشدون الأوائل, وإنما تراجع النشيد ـ في بعضه ـ إلى العقم الفني وأحياناً إلى التكرار الممل والجديد الضعيف، وأصبح الواحد منا يسمع النشيدة الجديدة لمرة واحدة ولا يحب أن يسمعها مرة أخرى. وما ذاك إلا لأن روح الطرب غير موجودة في تلك النشيدة. فما أسباب هذا التراجع الفني في النشيد الإسلامي؟ أهو بسبب انعدام الصوت الجميل؟ أهو بسبب انعدام الملحن الجيد؟ أو أن هناك أسباباً أخرى خفيت على الكثيرين منا؟
أنا أرى أن الأمر يعود إلى سببين لا ثالث لهما، لأنه لا أظن أن الأمة الإسلامية عجزت عن أن تنجب متديناً ذا صوت جميل أو ذا موهبة لحنية.
السبب الأول: أن القائمين بالعمل الإسلامي لا يولون النشيد اهتمامهم، لأن النشيد عندهم من الوسائل الثانوية جداً في العمل الإسلامي.لذا نجدهم يتركون أمره إلى أنشطة الشباب الصغار دون توجيه واع ودون عمل منظم.
والمشكلة تكمن في أن بعض القائمين بالعمل الإسلامي يرفض تغيير تلك النظرة إلى النشيد ودوره، فهم يعتقدون أنهم هم الأوعى والأفهم، مع أن عمر بن الخطاب أخطأ في قضية المهور وأصابت امرأة من عامة الناس.
السبب الثاني : أن جمهور المتدينين لا يهتم بالمنشد، وأعني هنا الجانب المادي. فهؤلاء يطلبونه لإحياء الحفلات والمناسبات مجاناً، ناسين أن هذا المنشد يعطي من وقته الشيء الكثير للنشيد وبروفاته.
فكما نعلم أن الظروف الحياتية أصبحت صعبة، والمنشد من حال الناس، وقد يستطيع أن يعطي جزءأً من وقته ـ أحياناً ـ للنشيد، ولكن بعد ذلك قد يضطر إلى تركه، لأنه يشغله عن أعماله التي يعيش منها وخصوصاً عندما يكبر ويتزوج وتزداد مسؤولياته تجاه أسرته، وقد رأيت نماذج من هذا النوع.
وأحياناً يضطر المنشد إلى التحول إلى الأغنية، لأن المطرب يحصد أموالاً طائلة من أغانيه. وهذا ما حصل مع المطرب صباح فخري الذي كان منشداً للمدائح النبوية الرائعة، وكانت حالته المادية عادية جداً، فتحول بعد ذلك إلى الغناء والطرب وأصبح من أهل الملايين.
فلماذا لا نكفي المنشد مادياً ويكفينا نشيداً؟ وقديماً اشتكي مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ من نفس الشيء فقال: عجباً لهذه الأمة، لو كفتني مالياً لكفيتها أدباً. لأن الرافعي كان مرهقاً في وظيفته الحكومية.
وما زلت أذكر أن أحد المنشدين الذين ذكرتهم في بداية كلامي تولى بنفسه ـ فقط ـ إقامة أحد المهرجانات الضخمة للأنشودة الإسلامية، وبذل من وقته وجهده الشيء الكثير على مدى شهرين كاملين. وفي ختام المهرجان قدّم له مدير المهرجان مبلغاً تافهاً كأجرته على عمله. قال لي هذا المنشد: لقد دفعت من جيبي أضعاف هذا المبلغ على المواصلات والمصروفات التي صرفتها في سبيل إنجاح هذا المهرجان.
ومع ذلك كله بدأت الحياة تدّب في النشيد مرة أخرى، وبدأ الانتعاش يتراءى لنا قليلاً فيه. والسبب في ذلك أن بعض المنشدين بدأ يأخذ أجرة على كل حفلة يحييها أو على كل شريط يصدره.
ولعل الفضل في هذه الفكرة الجديدة يعود إلى المنشد أبي راتب والمجموعة التي عمل على تدريبها وتنشيطها. وأعتقد أن النشيد لن يتطور إلا بهذه الطريقة الجديدة. أما أن نترك المنشدين إلى ظروفهم الصعبة فهذا مرفوض، وشأنهم شأن مدرس التحفيظ وخطيب الجمعة وإمام المسجد، فهؤلاء يأخذون أجرة على عملهم.
لذا أنا متفائل بمستقبل النشيد الإسلامي، وبعدها سيصبح هذا النشيد نشيدنا حقا ولنا أن نفتخر به.