المخرج فريد جوهر : أطالب الفنانين التائبين بتصحيح الفن بدلاً من اعتزاله

المخرج فريد جوهر :

أطالب الفنانين التائبين بتصحيح الفن

بدلاً من اعتزاله

حاوره : هيثم الأشقر

         عني الإسلام عناية كبيرة بالمبدعين وقدّمهم على سواهم في المجالس, وما ذلك إلا تشجيعاً للعلم ورفعة للدين والدولة المسلمة, إلا أننا اليوم نرى إهمالاً للإبداع والمبدعين, وخاصةً بين فئات ترفع شعار التطوير والإنقاذ لدرجة أصبح الناس ينظرون خطأً لكثير من الفنون الإبداعية بشكل مريب، وهذه من مؤشرات التخلف والتراجع، وإذا كان الآخرون اعتمدوا الفنون الجماهيرية للتغيير فإن الأدعى أن يستخدمها المسلمون لأنها لغة العصر، وخاصةً بعد التقدم الكبير الذي طرأ عليها، وبعد أن غلبنا أعداؤنا على أنفسنا ونسائنا وأولادنا.          

        الأستاذ فريد جوهر مخرج وكاتب مسرحي من أكثر من عشرين سنة، بالإضافة إلى أنه يقوم بالأدوار التمثيلية, كانت أهم أعماله إدارة البرامج والعروض الفنية في مهرجان الأقصى في قلوبنا، بالإضافة إلى تولي تقديم خمسة عروض مسرحية في نفس المهرجان، كل مسرحية تتناول محوراً من محاور قضية فلسطين, ولكل مسرحية مخرج وفريق عمل كامل من إداريين وفنانين وفنيين.

        فقد كان العرض الأول مسرحية ( الحواجز ) وذلك للمخرج العراقي أمير الحسناوي وهو من المحترفين حيث كان الحرص أن يقدم فناً إسلامياً احترافياً بمستوى رقي الإسلام .

        أما المسرحية الثانية كانت باسم ( دموع من القلب ) تأليف وإخراج كمال الدسوقي، وهو مخرج مصري معروف ومن المبدعين.

        والمسرحية الثالثة ( القضية ) تأليف وإخراج عادل زكي. بينما المسرحية الرابعة كانت باسم ( شعب لا يموت ) للأستاذ المخرج السوري علي القاسم من سوريا وهو يمتلك أيضاً لغة مسرحية راقية جداً في العمل المسرحي، بالإضافة لمسرحية( القدس أولاً ) من إخراج صلاح حوراني, وقد تم استقدام هذه الكوادر الجيدة للتعامل مع ممثلين وفنيين ومعظمهم إما طالب جامعة أو أساتذة.. أحببنا أن نصقل مواهبهم وخبراتهم من خلال خبرات هؤلاء المخرجين، والحمد لله نحن سائرون إلى مسرح إسلامي بالمستوى المأمول ونأمل أن نقدم ما يحقق الهدف المأمول من المسرح.

·        إلى أين وصل المسرح الإسلامي الملتزم بعقيدة الأمة وثوابتها ؟

    ـ لو نظرنا إلى المسرح الإسلامي على المستوى العربي والإسلامي نلاحظ أن هناك قصوراً, كما أنه لا يوجد مسرح إسلامي حقيقي له جمهوره وأبطاله, فهو يفتقد إلى الهوية الجماهيرية, وبلا شك هناك كتّاب ظهروا كعلي باكثير ونجيب الكيلاني وغيرهم, ولكن تظل هذه الأعمال في إطار محاولات أدبية لم ترق بعد إلا مستوى الظهور والمشاهدة. ما هو موجود في الساحة عبارة عن إرهاصات مهمة وهي إرهاصات لتأسيس كيان للمسرح الإسلامي, هناك محاولات ومحاولات وأنا شخصياً لي عشرين سنة أحاول مع زملائي, والحمد لله وصلنا إلى أن نقدم هذه السنة في شهر واحد خمسة عروض مسرحية إسلامية راقية الكلمة وبإخراج راق كما حرصنا أن يؤدي العروض ممثلون على درجة الاحتراف ونأمل الآن صياغة مسرح إسلامي والحمد لله الظروف مواتية ومتوفرة، ولقد شهدنا إقبالاً جماهيرياً جيداً للمسرح الإسلامي من خلال عرض مسرحية( السامري الآخر ) من تأليفي, وإخراج محمد رشدي سلام وهو مخرج مصري كبير حيث حضر أكثر من ثلاثة آلاف مشاهد وخرجوا بانطباع منقطع النظير, وعندما ظهر العمل في السوق كأشرطة فيديو لاقى إقبالاً جيداً أيضاً, ولا تزال المادة ناجحة ونافذة بالسوق بالرغم من مرور عامين على عرضها وما زلت أجد شكر وتقدير الناس حتى هذه اللحظة..

       لقد بدأنا نعمل على تشكيل نظرية المسرح الإسلامي, طبعاً هناك ضعف, ولكن هناك محاولات ومع الأيام ستشكل هذه المحاولات قيمة لها دورها في الواقع.

·        ما رأيك بعبارة ( مسرح إسلامي ) ونحن في مجتمع إسلامي ؟

    ـ  أنا مع هذه العبارة, يا أخي لم لا نسمي الأشياء بأسمائها؟ ولم لا أضع النقاط فوق الحروف؟ ولم لا أخرج بفكري من عقيدتي وخير لي أن أنتسب لعقيدتي من أن أنتسب لأي شيء آخر؟ فهذا لا يختلف فيه اثنان وكلنا نفتخر بكوننا مسلمين فلماذا نحجم عن إظهار إسلامنا ولا نحجم إظهار عروبتنا أو انتمائنا, والأدعى أن نظهر إسلامنا.. وأن نسعى للارتقاء بعملنا لمستوى الإسلام للالتقاء مع مليار مسلم, وهذا رؤية واسعة يجب الالتزام بها.. وإذا كان الآخرون يفتخرون بانتمائهم الوضعي فمن باب أولى أن أفتخر بانتمائي للإسلام دين رب العالمين.

        نعم أريد أن أقول مسرح إسلامي. حتى إذا ما جاء المشاهد ورأى عملاً إبداعياً احترافياً راقيا ًعلم تماماً أن الإسلام رسالته الإبداع في كل شيء وبناء الروح الحرة في الإنسان.

·        اعتاد العلماء على الاستئثار بالمكرفون والمنبر والأضواء لتوجيه الناس, كيف ينظرون للمسرح كمحاولة لخطاب الناس والمبادرة لجذب الأضواء؟

    ـ  الإسلام يحتاج لأكثر من وسيلة ليعرض بها وهذا هو إعجاز الدين الذي يستطيع تسخير كل المنجزات لخدمته وهذا ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام سيصل كل إنسان وهذا ما نراه الآن فجميع الوسائل من مسرح وتلفزيون وسينما وإنترنت تساهم في الدعوة إلى الله, بل لقد تنبه كثير من العلماء لأهمية ذلك وبدؤوا يتعاملون معه بل اقترنت كليات الدعوة في كثير من البلدان بالإعلام فأصبحت كلية الدعوة والإعلام, وهذا من فضل الله. كما أن الخطابة نوع من أنواع الإعلام, والإسلام جعلها عبادة حيث يتواصل الناس مع علمائهم ويتحاورون فيما بينهم ويتفاعلون مع ما سمعوا كل أسبوع بأسبوعه, وما هذا التواصل والتفاعل مادة التعلم. والمسرحية وسيلة للترفيه البريء وهو ما أتاحه لنا الإسلام.

·        هل لديكم فكرة لصيغة أهم منطلقات الفكر الإسلامي وفق مسرحيات هادفة لتربية النشء؟

    ـ  الفكر الإسلامي غني والمادة الإسلامية عريقة, وملايين العلماء والمفكرين والقيادات أثروا الفكر ثراءً زاخراً, ومن يريد أن يحول هذا الكنز إلى سيناريو وأعمال فنية يجد المجال أمامه مفتوحاً على مصراعيه وميسر, والأمر يحتاج للعزيمة والمؤسسات المؤهلة واقتناع  أهل المال بالاستثمار بهذا المجال الحيوي الهام جداً, وهذا أمر هام لاحتياجنا في هذا الزمن للعودة إلى الأصول.. الآن نحن لسنا في موضوع صياغة, بل في موضوع من يصوغ هذا التراث والعلم. وهي مشكلة افتقارنا للكتاب المسرحي والسيناريوات وهو ما تعانيه الدراما العربية بشكل عام.

وقد كانت لي تجربة في معالجة الواقع المعاشي من خلال فكر ابن رجب الحنبلي هذا العالم المربي الذي أجد في كلماته إضاءات من الماضي تعالج الزمن الذي نعيشه, وكتب ابن رجب من أهم اهتماماتي في التاريخ القديم.. فالأمر يحتاج إلى قراءة جيدة للنصوص, وإلى كاتب مسرحي لديه موهبة الكتابة مع الرجوع للمصادر.

·        ما هي أركان نجاح المسرح الإسلامي بشكل خاص والمسرح بشكل عام؟

    ـ  المسرح يحتاج إلى النص ثم الكوادر ثم المادة والمال والمسرح.. إلخ. فإذا ما توافر النص الإسلامي والكادر الوافي للفكر الإسلامي ذو الاحترافية العالية من ممثلين ومخرجين وفنيين.. إلخ, فالمسرح سوف ينهض .

        وهناك أركان أخرى تتعلق بالأمور المادية كإيجار الديكور وخلافه, إلا أن المسرح الحديث بإمكانه كسر كل هذا الحواجز, إذ المسرح يتعامل مع الكلمة وقدرة المثل على إيصال الكلمة, فإذا ما كانت الكلمة قوية فأنا لا أحتاج إلا إلى قطعة قماش وأخشاب للديكور, وبإمكاني أن أقدم عملاً مسرحياً بأي مكان.

·        كيف ترى نظرة الدعاة للمسرح كأداة للعمل الدعوي؟ هل هم متفهمون لدوره أم أنهم بحاجة لجهود إقناعية معينة؟

   ـ  أرى أن لا نفكر بهذا الأمر كثيراً فنفرق أنفسنا بجدلية  الحوار.. طالما أن المسرح لا يخالف الشرع فلندع المسرح يقنع من يريد أن يقتنع.. فالمسرح لا يختلف اثنان في أهميته كما لا يختلف اثنان في أهمية التلفاز, فاليهود سيطروا على العالم بالإعلام وعلى المجتمع الروسي من خلال إتقانهم لصناعة المسرح, ونابليون بونابرت قال: أعطوني مسرحاً أعطكم شعباً, وعلماء الاتصال يؤكدون على دور المسرح في التأثير وهذا يكفي .

·        يلاحظ أن الهم الإسلامي العام يحمله أفراد مضحّون, ضحّوا بمالهم ووقتهم ولعلهم نسوا ذواتهم في إطار الهم العام, هل تعتقد أن إيجاد مؤسسات لخدمة المسرح الإسلامي شيء جيد؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟

    ـ  نعم من الضروري وجود مؤسسات إنتاج, فالعمل الفني عمل إنتاجي ويحتاج لقدر عال من  التكلفة ويحتاج لسيولة مالية وبرنامج كامل وهي استثمار ناجح إذا ما أخذ بالأسباب.

        أتمنى شيئاً واحداً، وهو إذا أطلقنا على أنفسنا إسلاميين فيجب أن نرتقي إلى مستوى هذا الاسم, لا يمكن أن أفتح مؤسسة إنتاج إسلامي دون الأخذ بالأسباب, وخاصةً نحن في بدايات إشهار المسرح الإسلامي كعمل احترافي, لا بد أن تكون النصوص قوية ولابد أن تكون الكوادر محترفة والأموال متوفرة.. لا نريد أن نتاجر باسم الإسلام لكسب قواعده الجماهيرية العريضة فنصيبه بالإحباط والفتنة, نريد عملاً مؤسسياً على  أرقى ما توصلت إليه آلية العمل المؤسسي إدارياً وإعلامياً ومهنياً وفنياً.. نريد أن نقول إننا بمستوى الإسلام, لأننا ندعي تمثيل الدين وحري بنا أن نمثله أحسن تمثيل.

·        هل لديكم مشروع لإقامة معهد للمسرح؟

    ـ  نعم لدينا هذه النية ولدينا برامج لإعداد دورات مكثفة بهذا المجال شهرية ودورية على مدى ستة أشهر, وهناك مخطط لإقامة أكاديمية, وإن شاء الله نوفق لهذا والحمد لله هناك تأطير للموضوع مع بعض الخبراء والمخرجين الذين أبدوا استعداداً وقدموا أوراق عمل في دورات فن الإخراج وفن التمثيل والتأليف المسرحي, وإن شاء الله نوفق. وكنت قد طرحت مشروع تبني مجموعة من الكتّاب الموهوبين في الكتابة لإعطائهم دورة في فن كتابة السيناريو للمسرح والتلفزيون والسينما.

ثم إن القنوات الفضائية الآن ترحب بالإنتاج الفني بأشكاله العديدة فهي بحاجة لمواد إعلامية على مدار الأربعة وعشرين ساعة، وهم يشترون أي عمل إن كان ناجحاً, والحمد لله بعض الأعمال التي كانت محظورة الآن تُبث عبر الفضائيات وكثير من العلماء الذين كانت تحجب عنهم الأضواء الإعلامية أصبحوا فرساناً لقنوات مشهورة, بل إن من أسباب نجاح قنواتهم وجود هؤلاء العلماء من أمثال الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.

        الفضاء أصبح مفتوحاً الآن ولم يعد بالإمكان أن نحجر على أي فكر مع الفضائيات والإنترنت, ولم يبقى أمامنا ـ نحن المسلمين أي عذر في التقصير عن الأخذ بالأسباب, ولدينا فرصة كبيرة لنشر الإسلام عبر المسرح والتلفاز والسينما ومختلف وسائل التواصل, ومن الواجب أن نبدع بهذه الفنون.

·        كيف ترى دور أصحاب رؤوس الأموال ؟

   ـ  والله يا أخي عليهم واجب كبير فنحن بحاجة ماسة للأموال لمنافسة الهوليود والمدن الإعلامية التي تعمل ليلاً نهاراً لإنتاج ما يخدم قضاياهم, ولا بد أن يعلم التجار وأصحاب المال أن الفن وسيلة دعوية مهمة لهذا العصر, فالقرآن عندما نزل.. نزل بلغة أدبية راقية تخاطب أرقى وأفصح العرب ويتحداهم بأفضل ما عندهم, واليوم نحن مطالبون بأن نقدم فناً راقياً أرقى مما عند الآخرين حتى نستطيع أن نستأنف رحلة الدعوة, فكما نحرص على بناء مسجد فمن خلال الفن نستطيع أن نبني مساجد و نبني رجالاً من خلال برنامج حول بناء المساجد مثلاً.

·        ألاحظ أن لدينا أزمة صناعة المواهب والرجال المؤثرين من خلال تسليط الأضواء لزيادة الأثر على الناس؟

   ـ  هذا الكلام صحيح ولكن أخشى أن يكون بعض من يتعاطى المسرح الإسلامي يفتقد إلى أدبيات العمل الإسلامي ويفتقد إلى الفهم الإسلامي, فمعنى إسلامي أني مسخر لهذا الدين. وللشيطان حبائله.. فكم من خطيب أغرته فصاحته! وكم من منشد أصبح مطرباً!

·        وبالمقابل هناك الكثير من الفنانين تابوا ورجعوا إلى دينهم؟

   ـ  يا أخي توبتهم ناقصة وحتى لا أظلمهم أوضح الآتي وأقول: لماذا خدموا الشيطان بفنهم عندما كانوا على باطلهم؟ ولم يوظفوا هذا الفن لخدمة الإسلام وهم في كنف بارئهم ودينه؟ لا بد أن نوظف كل ما نملك من مواهب لخدمة الإسلام وهنا أطلب من زملائي الفنانين التائبين بعدم اعتزال الفن ولكن أسلمته وهدايته كما هداهم الله.. وليعلموا تماماً بأن الإسلام بأحوج ما يكون لفنهم, فالمطرب بإمكانه الإنشاد والمساهمة ببناء الأمة ونهضتها وكذا أمر باقي الفنانين فالتوبة ليست الانقطاع ولكن تصحيح المسار.

·        هل لك كلمة أخيرة ؟

   ـ  أتمنى أن أجد مساحة كبيرة من الدعم ليس على مستوى رجال الأعمال والتجار والمسؤولين بل على مستوى الشعوب, فإذا ما سمعوا أن هناك مسرحية إسلامية يبادروا بالحضور للتشجيع والمساهمة بقيمة التذكرة وبالنقد, فالجمهور ركن أساس من أركان العرض المسرحي، فإذا عزف الجمهور عن مشاهدة المسرح الإسلامي لعدم تعوده على هذا النوع من الطرح، فليعمل على أن يعوّد نفسه. لأنه بحضوره سيعمل على إبقاء هذا الكيان قائماً ومع الأيام سيصبح المسرح مقياساً لثقافة الشعوب. فإذا ما أردت أن تعرف شعباً فاذهب إلى مسرحية. فالمسرح وسيلة للتعبير ومناقشة قضايانا وتبادل الأفكار, وعلى كل من يعي هذا الأمر أن يسهم بالحضور لهذا الفن.

        والمسرح أحد أبواب الشهرة وأحد أبواب صناعة النجوم فعلى من يعمل في هذا المجال أن يعلم أن هذا الطريق سلاح ذو حدين، فإذا أردت أن تخدم الإسلام فعليك أن تنزه نفسك وتخلص العمل لله الواحد الأحد.