الحرية..كوميديا سوداء

الحرية..كوميديا سوداء

ليس من باب المصادفة أن نسبة كبيرة من السوريين ، باتت تتابع بلهفة كلا من مسلسلي "بقعة ضوء" و"مرايا" اللذين يتم عرضهما في شهر رمضان بالذات.فلماذا هذين العملين يحظيان بالاهتمام والمتابعة من المشاهد السوري إلى هذا الحد؟! هل لأن المزاج العام يأبى متابعة أمجاد الماضي عبر المسلسلات التاريخية -  التي تحتل القسم الأكبر من الأعمال التلفزيونية في رمضان - في مثل الانهزام اليومي لواقعنا العربي فـي 

شتى أنحاء الخارطة، أم لأن حجم الكآبة والضيق التي يعانيها مواطننا قد أمست شكلا من أشكال حياته ، ما يجعله يبحث عن الابتسامة أينما كانت !

لكن هل بالفعل يحمل كل من "بقعة ضوء" و"مرايا" الابتسامة، أليست الكثير من اللوحات التي يتم عرضها تبدأ بابتسامة فتهكم فآه فدمعة، إذا ، فهل يكون الموضوع مجرد رغبة في "التنفيس" و "فش الخلق" وتفريغ شحنات الغضب المكبوت ، من خلال تلك الشخصيات المقهورة التي تحاول أن تهرَب صرخة من القمقم المغلق عليها بإحكام!

لعل الأمر هو مزيج من كل ما سبق، مضاف إليه لذة الشعور بالدهشة عبر اختراق المحظور ،من خلال الموضوعات التي يتم تناولها في بعض حلقات المسلسلين ، تلك الأمور التي يجري تناولها في مشاهد لا تتعدى الدقائق ، هي نفسها التي ما فتئت تنهش في عمر الانسان السوري وأحلامه سنينا طوال، والتي قد يكون من جرائر تناولها في الحياة اليومية، اعتقال ومحاسبة وكم أفواه .

فالحديث عن أمور مثل حرية الرأي والتعبير والفساد وبؤس تعامل الأجهزة الأمنية مع المواطنين، هو حديث ملغوم بالمخاطر، أدى بعدد من نشطاء المجتمع المدني إلى المحاكمة والاعتقال، وأدى  بعشرات المواطنين إلى أقبية المخابرات .فعلى ما يبدو، أن حقوق الإنسان وحرياته، من المسموح فقط أن تكون مدار حديث ساخر أو كوميديا سوداء، لا أكثر.

ثم يقولون لماذا حقوق الانسان أولا،لماذا إطلاق الحريات أولا ، ببساطة شديدة ،لأنه بلا حقوق، هو كائن غير محدد الملامح،  لأنه بدون الحرية، هو أكثر قليلا من المسخ وأقل كثيرا من الانسان ،هو ذلك الذي يودع رمضان الراحل لينتظر رمضان القادم بحثا عن مراياه التي تعكس صورته المشروخة وكبته الذليل وغضبه المقهور،  بحثا عن بقعة الضوء التي تضيء آلامه وانكساراته ولحظات إذلاله اليومية.

لا ريب أن المجتمع السوري بأكمله ظمآن لحقه في الحرية حتى الجفاف،  لكنه مع ذلك لا يبحث عن بقعة ضوء يراها أبعد كثيرا من متناول أحلامه،  إنه يبحث فقط عن نقطة ضوء صغيرة لما يجدها بعد.   

(المرصد)