الفن العربي الثالث بعيداً عن الديناميت الجسدي والصرعة الموسيقية

الفن العربي الثالث بعيداً عن الديناميت الجسدي والصرعة الموسيقية

علاء الدين آل رشي

في تصريح هزلي وصريح يعبّر عن واقع الأغنية العربية قالت السيدة مريم نور:

(الشعب العربي كله يغني بقي أن نحضر شعباً جديداً ليصفّق).

في إشارة منها إلى غثاثة ما يقدّم من غناء واختلاط (الحابل بالنابل) –كما يقال- ودخول من لا صلة له إلا إحضار الفتيات المجيدات لهزّ البطون والأرداف وفن الإغواء، ولئن قال بعضهم: إنّ الفن يعبّر عن واقع ثقافة المجتمع وكل ما نراه من أعمال فنية في بلادنا إنما هو تجل واضح وصريح لاهتمامات شرائح واسعة من الجمهور وعلى الرغم من مقولات تعلن انتحار الفن الراقي على أبواب هوليود بجنسيتها ودمويتها وقتله بلا كرامة في السينما العربية المعاصرة فإن هناك فناً ثالثاً ينهض ويثبت وجوده بقوة وثبات وروية فن جميل نظيف تتعانق فيه المعاني العربية الأصيلة مع الحضور الملحوظ فن لا يجمد على القيم ولا يجحد الهوية الثقافية، فما أضاع الإسلام إلا جامد وجاحد.

فن يكرّس القيم قي خدمة الوطن والإنسان، ويربط الفرد بمفاهيم حضارية راقية كالعلم وضرورة التمسّك به، وأنه سبيل النهوض وبداية الطريق (فما كالعلم شيء ينفع الإنسان) كما أن التفاوت الطبقي لا يعني التفاوت النفسي أو الفكري في تأصيل واع لمفهوم الغنى والفقر عبر حوار يحاول عقد سلّم اجتماعي يكرّس حالة وفاق وطمأنينة متبادلة من خلال عبور لنفسية الغني والفقير.

وهو ينفي الخصومة المفتعلة في بعض موروثنا الثقافي بين الغنى والحياة والفقر والغنى ويلتفت السامع إلى براعة ملحوظة لدى من وراء هذا الفن، ولئن نجحت ديزني في توضيح صريح لآفة الاستبداد من خلال فيلم حياة الإمبراطور الجديدة، فإن هذا العمل العربي الخالص بفنه وكادره وكلمه نجح وبامتياز في تأجيج مفاهيم المقاومة المدنية السلمية المشروعة والتي ترتكز على الكلمة العاقلة الراشدة تاركاً أسلوب ديزني الصريح إلى رمزية رائعة شفافة تدعو إلى المشاركة والكلمة الطيبة والنأي عن الحل الفردي ، وتمتين أواصر المجتمع من خلال إحياء المؤسسات الشورية المستقلة إنها بعض معاني حكاية بلبل التحفة الفنية الرائعة. كما سيلحظ المستمع لهذا العمل تركيز معاني اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ورفع وتيرة الالتجاء واللوذ به: (ما لنا إلا الإله... إنه رب رحيم ليس ينجينا سواه) وما يثمر من تفعيل إرادة الإنسان ونقله من عقلية التشكّي والتظلّم إلى المسؤولية الواعية التي تستمد عوناً من الحنان الرحيم.

وبقي أن أقول: هذا العمل صادر عن شركة سنا العربية الرائدة في رسم ملامح شباب الغد الذين يحملون شعوراً نبيلاً لأوطانهم وانتماء ملحوظاً لعروبتهم، ووعياً راقياً لدينهم. وأهمس لهذه المؤسسة المسؤولة: كل عمل مبدع مجدد سيلتقي بأناس يحبطونه في مجتمع اعتاد على الركود، لا يحب من يحب الحركة، فلا تقعدكم تلك الوصائية القاتلة في ذهنية بعض الناس منا، ولا تثبط من همتكم تشدد آخرين وتذكروا مقولة الأمير شكيب أرسلان: ما أضاع الإسلام إلا جاحد وجامد.