حول استخدام الآلات الموسيقية في النشيد الإسلامي
حول استخدام الآلات الموسيقية
في النشيد الإسلامي
نجدت لاطـة
أصدر ـ مؤخراً ـ أحد المنشدين المرموقين شريطاً جديداً بشكلين اثنين:
ـ الشكل الأول بدون آلات موسيقية.
ـ الشكل الثاني بآلات موسيقية.
وكان رأي هذا المنشد أن المسلمين الملتزمين يستمعون للأناشيد الإسلامية وفق هذين الشكلين، فمنهم يرى حرمة الآلات الموسيقية، ومنهم لا يرى حرمة فيها. فهو ـ أي المنشد ـ راع هذين الشكلين في أذواق المستمعين.
وقد قوبل شريطه ـ وهو طرح جديد في النشيد الإسلامي ـ بنقد شديد من قبل بعض الذين يرون حرمة الآلات الموسيقية، وقد وصلت بعض الانتقادات إلى حد الشتائم والكفر والردة. مما دعاني إلى فتح الباب على مصراعيه في مناقشة إشكالية استخدام الآلات الموسيقية في النشيد الإسلامي، للوصول إلى تفهّم واضح للموضوع، بحيث يبقى الجميع ـ الرافضين والمؤيدين ـ ضمن الحدود الشرعية، ولكي تبقى معاركنا موجّهة ضدّ أعداء هذه الأمة.
وبدايةً لا بدّ من ذكر الحكم الشرعي في استخدام الآلات الموسيقية، حتى نكون على بيّنة فيما نتناقش فيه.
العلماء ـ قديماً وحديثاً ـ اختلفوا اختلافاً شديداً في هذه المسألة، إلى درجة النقيض، فجمهور العلماء والأئمة ـ القدماء والمحدثين ـ يرون حرمة استخدام الآلات الموسيقية، ولا يجيزون منها إلا الدف، بل والبعض منهم لا يجيز الدف إلا في الأعياد والأعراس. ولم يخرج عن هذه الآراء إلا ابن حزم ـ في القديم ـ والشيخ يوسف القرضاوي في العصر الحديث، فهما يريان جواز استخدامها.
ويبرز هنا سؤال كبير: كيف ينظر المسلم الملتزم إلى هذه الآراء المتناقضة ؟ وفي حال اقتنع أحدنا بأحد هذين الرأيين, فكيف ينظر إلى الرأي المخالف؟
وحتى أكون منصفاً لابدّ من التنويه بأن ابن حزم أحد العلماء الأجلاء في العصر القديم، وهو من أبرز علماء المذهب الظاهري، وقد وصل إلى درجة الاجتهاد، وكتابه ( المحلى) له أهمية كبرى في الكتب الفقهية القديمة, ويقول عنه العز بن عبد السلام: (ما قرأت في كتب الإسلام أفضل من المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق( أي ابن قدامة).
وكما هو معروف ( والبعض منا ـ للأسف ـ لا يعرف) أن مصطلح ( إجماع ) الموجود في علم الفقه لا يُطلق إلا إذا وافقت جميع المذاهب الفقهية المعتبرة. والمذهب الظاهري أحد هذه المذاهب المعتبرة، وهو ما يدل على علو شأن هذا المذهب. وهذا يعني أنه يجوز للمسلم أن يأخذ في بعض الآراء بالمذهب الظاهري، أو ببعض آراء علمائه. بل يجوز للمسلم أن يتعبّد الله وفق المذهب الظاهري، وشأنه شأن من يتعبّد الله وفق المذاهب الأخرى المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، كالمذهب المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي...إلخ. وإن قول الفقهاء السابقين( الحزم أن لا تأخذ بآراء ابن حزم ) لا يعني عدم جواز الأخذ بآراء ابن حزم، وإنما يعني أنّ من أراد أن يكون حازماً وغير متساهل في دينه ـ أي في تديّنه ـ فلا يأخذ بآراء ابن حزم، لأن ابن حزم ـ بحسب آراء الفقهاء السابقين ـ متساهل في بعض الأمور الفقهية. لكن ابن حزم لا يرى نفسه متساهلاً أبداً، بل يرى نفسه ـ شأن بقية الفقهاء ـ على صواب تام.
وفيما يخص الشيخ يوسف القرضاوي الذي يسير وراء ابن حزم في هذه المسألة، فهو عالم جليل لا يُشكُ في دينه ولا في علمه، بل إن الداعية الإسلامي راشد الغنوشي يسميه ( فقيه العصر )، ويقول أبو الأعلى المودودي عن كتاب ( فقه الزكاة ) الذي ألفه الشيخ القرضاوي أن هذا الكتاب أفضل الكتب الفقهية التي ألفت في القرن العشرين. إذاً فالشيخ يوسف القرضاوي ـ بشهادة هؤلاء الدعاة الكبار ـ فقيه كبير، وبالتالي فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ بآرائه في أية مسألة فقهية.
ومن خلال ما ذكرته آنفاً فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ برأي ابن حزم والقرضاوي في مسألة الآلات الموسيقية. وبالمقابل لا يجوز للمسلم المخالف لهذا الرأي الإنكار على من يستخدم أو يستمع إلى الآلات الموسيقية، لأن القاعدة الأصولية تقول: ( لا إنكار في مسائل الخلاف )، أي لا يجوز للمسلم أن يُنكر على أخيه المسلم في مسألة اختلف فيها العلماء.
وأخلص إلى أن استخدام الآلات الموسيقية لا شيء فيه عند من يأخذ برأي ابن حزم والقرضاوي، ولا يجوز لنا أن نستنكر عليه ذلك, ولا يجوز أن ننظر إليه على أنه متساهل في دينه. وأرجو أن نتفهّم الأمور الخلافية بصدر أرحب، وكفانا اختلافاً فيما بيننا، فأمريكا على الأبواب. وحبذا لو درس كلّ منا على يد أحد العلماء مسألة الخلافات الفقهية وكيف نتعامل من خلالها مع المخالفين، حتى نكون على بيّنة من أمرنا، وحتى لا نتّهم بعضنا، لأن الاتهام ذنب كبير وخصوصاً إذا وصل إلى درجة التكفير.
وشيء أخير .. أما آن للشباب الإسلامي الملتزم أن يختلفوا فيما بينهم ضمن الضوابط الشرعية، فلا يخرجوا عن آداب الخلاف ؟ فالغرب بأجمعه يدّك صروح الإسلام بشكلٍ لا مثيل له من قبل ، ونحن هنا نختلف في أمور ثانوية لا تقدّم ولا تؤخر في حربنا مع الأعداء .