مسلسل ( إمام الدعاة )

مسلسل (  إمام الدعاة )

و نقلة نوعية في الدراما المصرية

بقلم :  نجدت لاطة

        لم يكن في يوم من الأيام أن تناولت الدراما المصرية شخصية دينية معاصرة بشكل إيجابي ، و إنما كان الأصل في هذه الدراما إظهار صورة الشخصية الدينية ( شيخ ، عالم ، متديّن ، متديّنة ) مشوّهة و سلبية في المجتمع ، تحمل كل عناصر التخلف و التزمت و التحجر العقلي . و لا زلت  أذكر شخصية ( توفيق البدري الابن ) في مسلسل ( ليالي الحلمية )

و التي جسّدها الممثل علاء مرسي ، فقد كان يعامل أمه معا ملة قاسية جداً بسبب عدم ارتدائها الحجاب ، مما طبع في ذهن المشاهد كرهاً شديداً للمتدينين .

        و قد كان يتولى مهمة التشويه جهابذة السينما المصرية ,  من  فنانين ومخرجين وكتّاب سيناريو ، ولعل أبرز هؤلاء الفنان عادل إمام ، والمخرجان يوسف شاهين ونادر جلال ، وكتّاب السيناريو أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ولينين الرملي ، وذلك في أكبر الأعمال السينمائية التي أنتجوها في العقود الماضية ، كالأفلام ( الإرهاب والكباب ، طيور الظلام ، الإرهابي ، الآخر ) والمسلسلان ( ليالي الحلمية ، العائلة ) . وهناك آخرون مارسوا التشويه في أفلام ومسلسلات كثيرة , ولكن الذين ذكرتهم آنفاً كانوا الأبرز والأكثر تشويهاً لصورة المتدين في السينما المصرية .

      ومما يؤكد سوء نية هؤلاء الكتّاب والمخرجين والفنانين تجاه صورة المتدين المسلم أن السينما المصرية كانت تتناول الشخصيات الدينية المسيحية بإيجابية تامة وتظهرها كنموذج رائع للتديّن ، مثلما حدث في فيلم ( الإرهابي ) بطولة عادل إمام وسيناريو لينين الرملي وإخراج نادر جلال ،حيث جيىء بمسيحي قبطي متديّن ( الفنان مصطفى متولي ) وأدى الدور بكل شفافية وإخلاص وحسن خلق وتقوى . ولم يكن هذا المسيحي راهباً أو قسيساً وإنما كان شخصاً عادياً ، مع أني عشت قرابة عشرين سنة من عمري في حارة كل سكانها من المسيحيين والأرمن فلم أجد منه متديناً قط ،  لأن التديّن عند المسيحيين مقتصر على الرهبان والقسس .

          ومما يحزّ في النفس أن مجلة روز يوسف ذكرت في عددها          ( 3426 ) أن البابا شنودة تدخّل في أحداث فيلم ( الإرهابي ) وغيّر مجراه لصالح المسيحيين . أما شيخ الأزهر ومفتي الديار فكأن صورة المسلم المتدين لا تعنيهما في شيء .

      ولم يحدث ـ بحسب علمي ـ أن شوهـت السينما المصرية صورة راهب أو قسيس أو متدين مسيحي ، في حين كانت صورة المتديّن المسلم على العكس تماماً حيث شوهت وسلخت كما تسلخ الشياه في المذابح ، حتى أن عادل إمام كان يُضحك المشاهدين إلى درجة القهقهة في " التريأة " على شخصية المتدين .  

       ومسلسل " إمام الدعاة " الذي احتلّ مكانة مرموقة في العديد من الفضائيات العربية في شهر رمضان كان الفاتحة ـ إن شاء الله ـ لإعطاء المتدين المسلم حقه من التوقير والاحترام والصورة الحسنة . فقد ظهر الشيخ محمد متولي الشعراوي ( الذي جسّده الفنان التائب حسن يوسف ) في أحسن صورة للإنسان المسلم المتدين الشيخ والعالم . وقد أخذت هذه الصورة كل أبعاد شخصيته كالتقوى والعلم وحسن الخلق والإنفاق في سبيل الله وحب أفراد المجتمع والدعوة إلى الله والإخلاص والتواضع في تولي وزارة الأوقاف دون أدنى تكبرٍ أو تعالٍ أو حب للدنيا . فكانت شخصية الشيخ الشعراوي تتلاقى في أذهان المشاهدين مع الشخصيات الإسلامية القديمة التي ظهرت في مسلسلات ( عمر بن عبد العزيز , ابن تيمية , الحسن البصري , عصر الأئمة .. )  . لأنه كان من الأهداف الخفية للمسلسلات التاريخية التي قدمت الشخصيات الإسلامية القديمة إعطاء صورة للمشاهد العربي عن أن هذه الشخصيات لم يعد لها وجود في واقعنا المعاصر , وإنما هي تسكن في كتب التاريخ فقط , ولكن عندما جاء مسلسل ( إمام الدعاة ) دحض هذه الفرية , وبيّن للمشاهد أن ديننا العظيم الذي أخرج هؤلاء العظماء في العصور السابقة  قادرٌ في عصرنا الحالي على إخراج عظماء آخرين كالشيخ الشعراوي رحمه الله .

       فإعطاء المسلم المتدين المعاصر حقه من التوقير والاحترام والإشادة به هو حقاً نقلة نوعية في الدراما المصرية , وهذه بادرة جيدة من الذين قدّموا هذا المسلسل القيّم . وهناك شيء آخر مهم جداً أيضاً وهو إتاحة الفرصة للمسلم المتدين أن يشاهد عملاً سينمائياً نظيفاً إلى حدٍ كبير , فقد كانت معظم الشخصيات النسائية التي ظهرت في المسلسل متحجبات , والبعض منهن وضعن الإشارب على الرأس مع لباسٍ ساتر لبقية الجسم دون تجسيم أو إغراء , بل إن النساء المحيطات بالشيخ الشعراوي كالأم والزوجة والبنات ظهرن بكامل حجابهن في خارج البيت وفي داخله , بل وفي غرف النوم أيضاً . وهذا شيء جميل جداً حيث راع القائمون على المسلسل الشخصيات الحقيقية لهذا المسلسل , بالإضافة إلى مراعاة شعور المشاهدين المتدينين .

       وهناك شيء ثالث وهو خلو المسلسل من قضايا الحب والغرام , على غير عادة الدراما المصرية . ولا أكون مُغالياً إذا قلت بأن هذا المسلسل هو العمل السينمائي الوحيد في الدراما المصرية في خلوه من قضايا الحب والغرام . فقد كانت حتى المسلسلات التاريخية التي تناولت حياة الصحابة لاتخلو من الحب والغرام .

      ولعل هذا المسلسل يكون خطوة مهمة نحو الدراما الإسلامية التي تتخذ من الإسلام ومفاهيمه منهجاً في تناول الموضوعات المختلفة عن الحياة في شتى ميادينها .

       ومما لفت انتباهي هو انجذاب الجمهور العربي إلى المسلسل , وتعاطف معه كثيراً , مع أن المسلسل خلا من المشوقات التي اعتاد منتجو السينما وضعها لجذب المشاهدين كقصص الحب والغرام أو القصص البوليسية والجاسوسية .. وهذا دليل على أن في أعماق المشاهدين حب التديّن والمتدينين ورجال الدين . لذا حظي المسلسل بإقبال كبير من قبل الجمهور العربي , وشاهده المتدين وغير المتدين , بل وشاهدته الأسرة بكامل أفرادها , وأُشيد به في وسائل الإعلام المختلفة .

       ونرسل بالشكر الجزيل إلى الفنان التائب حسن يوسف ( التائب عن الأعمال الهابطة ) الذي كان له الدور الأكبر في إخراج هذا المسلسل بالصورة التي تحدثت عنها . وكم يسعدنا أن تكون هذه النقلة النوعية في الدراما المصرية على يد هذا الفنان الكبير .

       ولي ملاحظات سريعة على المسلسل أرجو أن يتسع لها صدر الفنان حسن يوسف , وعسى أن تُؤخذ بعين الاعتبار في الأعمال القادمة :

        ـ الملاحظة الأولى :  الحلف بغير الله , , وليت الأمر كان على لسان أحد الشخصيات الأخرى , إذاً لَهان الأمر قليلاً . وإنما كان الحلف على لسان الشيخ الشعراوي , فقد قال ( وحياة والدك ) وهذا خطأ شرعي ما أظن أن الشيخ الشعراوي وقع فيه في حياته كلها .

      ـ الملاحظة الثانية :  ظهر الشيخ الشعراوي في أحد المشاهد وهو يشرب الشاي باليد اليسرى . وهذه أيضاً ليست من سلوكيات الشيخ ، لأنه يوجد نهي شديد في ديننا عن الشرب والأكل باليد اليسرى .

       ـ الملاحظة الثالثة :  كانت والدة الشيخ الشعراوي ( في المسلسل ) تقول عند نزول المصائب : ( ليه كده يارب ) وقد رددتها كثيراً في مشاهد عديدة . وهذه المقولة اعتراض على قضاء رب العالمين , ولا يجوز ذلك في حق العبد . وهي ـ أي المقولة ـ شائعة على ألسنة المصريين .

       فهذه الملاحظات ـ لاسيما الأولى والثالثة ـ كان ينبغي على الفنان حسن يوسف أن ينتهز الفرصة لتنبيه المشاهدين عليها , لا أن تصدر منه أو من غيره خلال أحداث المسلسل , وخصوصاً أن تغييرها أو تصحيحها لايُغيّر من جوهر النص , أي أن كاتب السيناريو لن يرفض ذلك , فبدل أن يحلف ( وحياة والدك ) يحلف ( بالله عليك ) وبدل أن يشرب باليسرى يشرب باليمنى , وبدل أن تقول الوالدة ( ليه كده يـا رب ) تقول شيئاً فيه معاني التصبّر والاستسلام لقضاء الله .