الفنّانة ألماس خان

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

الشّمعة السّادسة

نارين عمر

[email protected]

كلّما نبشنا في تاريخ الفنّ الكرديّ أكثر تعرّفنا على المزيد من الفنّانين والفنّاناتِ الذين خدموا الفنّ الكرديّ وساهموا في إحياءِ التّراث الكرديّ من خلال تأسيسهم لفنّ كرديّ دخل كتابَ الدّيمومة بمدادِ الخلودِ والأبدية, ولكنّهم وللأسفِ الشّديد لم ينالوا جزاء جهودهم هذه إلا الإهمال واللامبالاة, وانتهوا نهاياتٍ أقلّ ما يُقال عنها إنّها تعيسة ومأساويّة, وعندَ معرفتنا بفنّانة هذه الحلقة سنشعر بأسفٍ وندم شديدين على ما تعرّض له هؤلاء الجنود المجهولون, وهي الفنّانة ألماس خان.

هي ألماس محمد, والدتها آسيا ولدت في عام 1894 في قرية خاركولي :Xargulê )

وعاشت أسرتها في (جزيرة بوطان) وهي ابنة عمّ الفنّانة مريم خان وكانت تكبرها بعشر سنوات.

في بدايةِ القرن العشرين وأثناءِ نشوب الحرب العالمية الأولى هاجرت أسرة ألماس خان إلى كردستان العراق, وسكنت في(زاخو).

ألماس خان كانت تملك صوتاً جميلاً لذلك قرّرت الدّخول إلى عالم الفنّ على الرّغم من القيود القاسية على المرأة حينذاك, فتوجّهتْ إلى مدينة الموصل وسجلّت أشرطة غنائية, ثمّ توجّهتْ إلى بغداد وهناك  أسّستْ لمرحلةٍ جديدة من عمر الغناءِ الكرديّ ومرحلة جديدة لعمرها المديد .

تتعرّفُ في بغداد على دبلوماسيّ انكليزي فتنشأ بينهما علاقة حبّ تُكلّل بالزّواج ولكنّها تنتهي بالطّلاق بعدما ينهي زوجها مهمّته في العراق, ويقرّرُ العودة إلى وطنه بريطانيا وإلى أهله وأحبته, ويطلب من ألماس كي ترافقه إلى وطنه لكنّها ترفضُ بقوّة وترفضُ ترك وطنها وأهلها, وتطالبه بالطّلاق, فيحترمُ الزّوجُ قرارها ويتركُ لها كلّ ما يملكُ من ذهبٍ وفضّة وأموال ويعودُ إلى وطنه.

تشتري بهذه الأموال بيتاً كبيراً تحوّله إلى مركز ومحجّ يؤمه أهل الفنّ والغناءِ والثقافةِ والأدب من الرّجال والنّساء, حتى يعتادَ النّاسُ على ذلك المنزل فيلجونه وكأنّه بيتُ الفنانين والمثقفين, ومن أبرز الشّخصياتِ التي كانت تؤمه(طاهرتوفيق ومحمد عارف جزيري وحسن جزيري ومريم خان ونسرين شيروان, فوزية محمد,علي مردان, رسول كردي,جميل بشير ...) وغيرهم الكثير, لتفتحَ  من خلال ذلك أبواباً واسعة أمامهم جميعاً, ليصبح كلّ منهم علماً من أعلام الكرد الخالدين.

خلال تلك الفترة وبعدها كان القسم الكردي في إذاعةِ بغداد يلعبُ دوراً كبيراً في جذبِ الفنّانين والشّعراءِ الكردِ إليها, وفي عام 1945 تقدّمُ برنامجاً خاصّاً بها في الإذاعة ما يشجّعُ الفنّانين على المجيء إليها وتسجيل أغانيهم في استوديوهاتها .

بعد طلاقها من زوجها الانكليزي بفترة يُقال إنّها تزوّجت برجل آخر اسمه(حاجي عبد اسماعيلي).

استفادت من ذاكرتها القوّية المحتفظة بعشراتِ الأغاني التّراثية والشّعبية ,وقدّمتها بسخاءٍ إلى هؤلاء الفنّانين والفنّانات ومن أبرز هذه الأغاني :

( Qumrîkê, Lê lê Êmo, Xeftano û Dotmamê, hey Nêrgiz, Rihana min, hatim Besta Belekê,Gulşênî û lê lê Kinê).

ويُقالُ إنّه يعودُ إليها الفضل الكبير في الحفاظِ على العديد من الأغاني والمقاماتِ الكردية الفلكلورية والشّعبية, وإليها يعودُ الفضل الأكبر في إظهار العشراتِ من المغنين والمغنيّاتِ الكرد الذين صدحوا بهذه الأغاني وبأسلوبٍ حديثٍ وعصريّ, وأذيعتْ من القسم الكردي في إذاعةِ بغداد وقتئذ .

اعتزلتْ ألماس خان الغناء في عام 1957م وكانت بلغتْ /63/عاماً من عمرها وعلى الرّغم من ذلك ظلّتْ وفيّة للفنّ الكرديّ ولكلّ الوافدين إلى حجرتها العامرة, تمدّ إليهم يد العون والمساعدة مع النّصح والإرشادِ ليجتازوا المرحلة الأولى من حياتهم الفنيّة.

ولكنّ نهايتها كانت مأساوية, فبعد أن شاختْ وحفرت السّنون أخاديدها في ملامحها الأنثوية الجميلة والباسمة أبداً هجرها الخلانُ والأصحابُ إلا قلّة قليلة منهم, وظلّتْ تعيشُ في هواجس الوحدةِ والعزلةِ وانعدامِ الوفاءِ والإخلاص من أولئك الذين أحسنتْ إليهم, وهي تنظرُ إلى منزلها الذي كان يعجّ حتى بالأمس القريب بعشراتِ المؤنسين والسّاهرين والهاوين.

توفيتْ ألماس في وحدتها والألمُ والحسرة يحاصرانها من كلّ الجهات في كانون الثّاني من عام/1974م, ودُفنتْ في بغداد . 

              

*-اقتبستُ فقراتٍ من حياة ألماس خان من مقالة (في الفنّ الكرديّ هناك امرأة منسيّة) للكاتب( أنور كاراهان=Enwer Karahan) وهي منشورة بتاريخ 24-2-2008في موقع:

Nefel.com

ويؤكّد الكاتب على أنّ المقالة كتبها الكاتب (باكوري  Bakurî)بالكردية السّورانية ثمّ ترجمها الكاتب (علي شير) إلى التّركية وهو بدوره ترجمها إلى الكردية اللاتينية.