في انتظار فارس الأحلام
بدون مؤاخذة
في انتظار فارس الأحلام
جميل السلحوت
معرض الفن التشكيلي " فارس الأحلام " الذي افتتح يوم الثلاثاء 17-3- 2009 في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، ويستمر حتى مساء 24 اذار الحالي ، وما يحويه من لوحات فيها تجديد وتميز للفنان احمد كنعان ابن مدينة طمرة الفلسطينية ، يعني الشيء الكثير لعروس المدائن التي تتعرض لهجمات شرسة من أجل تزييف تاريخها وجغرافيتها . واذا كانت المدينة عاصمة الثقافة العربية للعام الحالي 2009 فإن هذه اللوحات في هذا المعرض الفني تؤكد من جديد أن القدس وما تحويه من مقدسات هي في وجدان كل فلسطيني وكل عربي ، وكل مؤمن في الأرض ، ففي صدر المعرض لوحة " في انتظار المخلص " تظهر مدينة القدس القديمة بصورة شائهة ، بعض مظاهرها الدينية والتاريخية ظاهر على استحياء ، وبعضها يغيب خلف الألوان ، لتتداخل الألوان ، ومعالم المدينة مشكلة الرسم التاريخي المأثور لصلاح الدين الايوبي محرر القدس من الصليبيين في اواخر القرن الثاني عشر الميلادي ، فهذه اللوحة تختصر " سيرة المدينة " الأسيرة في مرحلتها الراهنة ، فهي ترفض الأسر ، وتنتظر الفارس المخلص ، في حين أن لوحة " القدس من خلال المشربية " التي تقف على يمين لوحة " المخلص " تغيب ملامح المدينة فيها ، وهذا واقع المدينة الراهن ، التي جرت أعمال كثيرة شوهت معالمها التاريخية والحضارية ، ويجري التخطيط والتنفيذ لتغيير ما تبقى منها ، وتسبق هاتين اللوحتين في صالة العرض لوحة " لاجئون " وفيها آلاف الاشخاص من الرجال والنساء والأطفال الذين يحملون بعضا من أغراضهم ،ويسيرون جماعات في طريق المجهول ، مديرين ظهورهم لوطنهم ، ولمن تبقى من أبناء شعبهم ، لتكتمل ثلاثية النكبة والنكسة وغيرها من المسميات ، وكأنّي باللوحات تنطق قائلة بأ نه لولا نزوح هذه الآلاف المؤلفة من المواطنين ، لما غابت معالم الأصالة والتاريخ عن مدنهم وقراهم، وفي مقدمتها القدس الشريف ، وتفصل بين لوحتي القدس ، وثلاث لوحات على يسارها تحمل اسم " جنين خلف المشربية " لوحة " القافلة
غيرأن الداخل الى المعرض يجد الى يمينه عددا من اللوحات التشكيلية اللافتة ، أولها لوحة " أحلام عازفة كمان " وهي صورة لحسناء قروية ترتدي الثوب الفلاحي ، وتقف على لوحة من بلاط " المزايكو " - الذي كان سائدا استعماله في فترات سابقة -، وتعزف على الكمان ، ومعروف أن الكمان آلة موسيقية غربية ، فلماذا اختارها الفنان ؟؟ ولماذا لم يختر آلة موسيقية شرقية كالعود أو الطبلة أو المزمار أو الناي ؟ ومع أن الفنان غير ملزم بتفسير أعماله إلا أن أحمد كنعان اجاب على سؤال عابر في المعرض حول ذلك ، بأن هذا ما شاهده على ارض الواقع ، ومع ما تحمله هذه الاجابة من خصوصية الا ان الناظر يستطيع أن يقرأ اللوحة كل حسب خلفيته الثقافية ، الا أن لوحة " ملكتي " والتي اثارت هي الأخرى تساؤلاتي الشخصية – على الأقل – والتي طرحتها على فنانين اثنين تواجدا في المعرض ، واللوحة عبارة عن امرأة تثني ركبتيها ووسطها مديرة ظهرها للناظر ، وتعبث بهاتف نقال ، وما لبثت هذه التساؤلات أن تبخرت عندما علمنا أن اسم زوجة الفنان هو " ملكة " وهذا اغراق في الخصوصية لا يستطيع الناظر للوحة أن يفهمها دون أن يعلم تلك المعلومة البسيطة .
واللافت في المعرض هو اللوحات الفنية المختبئة خلف المشربيات ، والمشربيات هي احدى الفنون المعمارية العربية الاسلامية التي ظهرت في الاندلس وغيرها من المناطق ، وهي مبنية من الحجارة أو الخشب ، ولا تزال مستعملة بشكل وآخرحتى ايامنا هذه في بعض البيوت، حيث تحجب رؤية من في البيت عن عيون الناظرين ، في حين أن من في الداخل يستطيع رؤية من في الخارج ، وهذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها أنا شخصيا لوحة تغطيها " المشربيات " واعتقد انها سبق يسجل لصالح الفنان ، فلوحة " فارس مختبئ " واللوحة مغطاة بالمشربية لها قراءات متعددة ، حسب ما يختبئ في نفسية الناظر ، وحسب أحلامه ، فقد يكون الفارس فارس الأحلام لفتاة تحلم بالزواج ، وقد يكون الفارس منقذا في الهمّ السياسي .
لكن لوحة " العروس " هي مثيرة للجدل ايضا ، فاللوحة لفتاة حسناء ، واللوحة الفنية مغطاة بالمشربية ، تنعكس الظلال على ما يظهر من وجه الفتاة ، مما يجعل الناظر " يتلصص " في محاولة منه لاستكشاف ما يختبئ خلف هذه المشربية ، وهذه اللوحة المثيرة للتساؤل .وعندما نعلم أن ما أوحى للفنان برسم هذه اللوحة هو أن العروس تزوجت من غير دينها ، وما أثار هذا الزواج من مشاكل لها ولعائلتها ولزوجها وعائلته ، فإننا نرى أن الفنان هنا يطرح قضية اشكالية كبيرة ، هي الزواج المختلط بين اتباع الديانات المختلفة ، خصوصا وأن الديانة الاسلامية تحرم زواج المسلمة من غير المسلم ، وبالرغم من ان هذه القضية موجودة في مجتمعاتنا ، وان كانت ردود الفعل عليها تتفاوت بين مجتمع وآخر إلا أنه يجري التعتيم عليها أو تجاهلها في وسائل الاعلام .
يبقى أن نقول ان هذا المعرض لافت للانتباه ، ويؤكد من جديد أن الفنان هو ابن بيئته ، وأن اللوحة الفنية قد تختصر رواية معينة في السجل التاريخي لشعب ، وأنها قد تغني عن قراءة رواية اجتماعية أو سياسية،وهنا يأتي دور الفنان.