ملك الزبالة والزبالين

إعداد الطالب: رزوق أحمد

تحت إشراف الأستاذ: مصطفى رمضانى

4- نظرة عن المسرح السياسى

يؤرخ "كمال عيد" لظهور المسرح السياسى عند الغربيين بقوله : "وينبع من ألمانيا أيضاً المسرح السياسى بقيادة زعيمه "أرفين بسكاتور" المخرج وصاحب النظريات فى الفن ومنها تنتقل هذه المدرسة إلى أمريكا لينشرها، وأدى ذلك المسرح إلى تعريف الجماعات بالمشاكل السياسية المحيطة بالمجتمع لمحاولة إشراك الجماهير وجدانياً فى التصرفات التى يمكن أن تصدر عن الحكام بعد النهضة السياسية التى عاصرت أوربا بعد الثورة الفرنسية.. الأمر الذى نجد له شبيهاً فى المستقبلية وفى بداية القرن العشرين عند الكاتب "برتولد برخت" الذى زامل أيضاً بيسكاتور فترة من الزمن وأقام معه مسرحه السياسى المشهور"([1]).

ومن هذا يتضح أن تسمية المسرح السياسى ليست جديدة على المسرح العالمى ولا سيما فى الدول التى سبق فيها ظهور الفكر الاشتراكى، فهل يمكن القول بأن العرب تأثروا بالغرب فى معالجة القضايا السياسية؟ أو أن المسرح السياسي العربي كان وليد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأمة العربية؟

أعتقد أن ظهور المسرح السياسى العربى جاء نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تعيشها الشعوب العربية، فإلى حدود السنوات الأخيرة نجد أن معظم الدور العربية إن لم نقل كلها لازالت لم ترق إلى المستوى المطلوب فى تحقيق الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير وظروف معيشية راقية، وتبقى الديمقراطية واللامركزية وغيرها من المتطلبات كشعارات ترفع فقط من أجل الوصول إلى السلطة، وحين تحقيق المراد ينقلب هذا المناضل أو الرمز إلى ديكتاتور من أجل المحافظة على منصبه، ولعلها قاعدة عامة فى جميع دول العالم والأمثلة على ذلك متعددة.

وينفى الكاتب المسرحى على عقلة عرسان أن يكون هناك مسرح سياسى ومسرح غير سياسي بقوله :" المسرح السياسي العربي؟! لا أكاد أتعرف على حدوده، المسرح بنظرى لا ينفصل عن السياسة ولم ينفصل عنها يوماً.. وتكون المسرحية جيدة، والمسرح مؤدياً لدوره وقريباً من الجمهور كلما كانت المسرحية على مساس بالواقع.. وتحتوى على إدراك له واستشراق لآفاق المستقبل، ومعبرة بوعي وبإيحاء عن أشكال التعامل الإنسانى الأفضل، والحياة الإنسانية سياسة.. التجمع البشري يحيا على السياسة وبها، ولا أستطيع أن أتميز ملامح مسرح سياسى بحت!!

أستطيع أن أتكلم عن السياسة فى المسرح.. أما المسرح السياسى فما هى معالمه التى تميزه عن المسرح ومذاهبه لينفرد بعنوان خاص كبير؟! هناك سياسة وأفكار سياسية ودعوات سياسية وشعارات فى المسرح"([2]).

فالمسرح السياسى التحريضى حسب أحمد العشرى "هو المسرح الذى يطرح الحالة المراد توصيلها ليتخذ المشاهد موقفاً فكرياً ومبدئياً فى تلك الحالة، ولابد لكاتب المسرح السياسى من التأنى والبحث فى جذور المشاكل التى يعرضها حتى يجعل من ذلك أداة قوية لإثارة الرغبة فى التغيير"([3]).

وحسب سامية أسعد فقد كان هناك دائماً نموذج من نماذج الأدب مهتم بالقضايا السياسية بطبيعة الحال([4]).

والمسرح السياسى لا يقدم حلولا للمشاكل المعروضة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهو يعرض المتناقضات ويعريها وعلى المشاهد أن يتخذ موقفه، فالمسرح السياسى يهدف بتعريته للواقع وفضحه للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى إيقاظ المتلقى من سباته.

ونجد فكرة المسرح السياسى بشكل أوضح عند الناقد المسرحى عبد العزيز حمودة الذي يرى أن :"المسرحية السياسية بمفهومها الحقيقى هى استخدام خشبة المسرح لتصوير جوانب مشكلة محددة غالباً ما تكون سياسية، وقد تكون اقتصادية- مع تقديم وجهة نظر محددة بغية التأثير فى الجمهور أو تعليمه بطريقة فنية تعتمد على كل أدوات التعبير التى تميز المسرح عن كل ضروب الفنون الأخرى"([5]).

ويميز عبد العزيز حمودة بين نوعين من المسرح ذى الاهتمامات السياسية حيث يقول : "يجب أن نفرق بين المسرح السياسى أو ما يمكن أن نسميه مسرحاً سياسياً وبين المسرح ذى الإسقاطات السياسية. إذ أننا فى بلدنا نخلط بين هذا وذاك، وبين مسرح محدد هدفه بوضوح وبلا مواربة بين مسرح تجئ الإسقاطات السياسية فيه فى الخلفية، بين مسرح يهدف إلى أيديولوجية معينة وبطريقة مباشرة ومسرح تجئ فيه المفاهيم السياسية بقدر ما يسقطه المتفرجون عليه من مفاهيمهم أو ظروفهم هم، وحينما يخلط البعض بين الاثنين ويظلم الاثنين فى آن واحد، فالمسرح الأول قائم على العطاء فكرياً، أو بمعنى أدق سياسيا، والمسرح الثانى يعتمد فى معظم الأحيان على الأخذ، بمعنى أن المسرح السياسى الذي يفشل فى توصيل ما يريده المؤلف مثلاً يفقد سبب وجوده، ولا يتبقى له بعد ذلك شئ، أما المسرح ذو الإسقاطات السياسية فلا يعتمد وجوده على وصول المفاهيم السياسية إلى جمهوره، بل أن الإسقاطات السياسية قد تختلف من بلد لآخر بل من متفرج لمتفرج فى نفس الصالة ونفس الليلة"([6]). ويضيف فى نفس الموضع :"وعلى ضوء تعريفنا السابق للمسرح السياسي نستطيع التفريق بين النوعين، المسرح السياسى، لأنه يهدف إلى إيقاظ الناس ثم تعليمهم، يعتمد إلى حد كبير على الحقائق، أو القيمة الإخبارية للواقع، أى أن عملية الكتابة للمسرح السياسي هنا تسبقها مرحلة طويلة من البحث والتقصى"([7]).

ويضيف فى نفس السياق :"أما المسرح ذو الإسقاطات السياسية، فقد يعتمد على أساس من الواقع وقد لا يعتمد على الواقع إطلاقا، قد يعود إلى تاريخ حدث فعلاً وقد يتصور مستقبلاً لم يحدث بعد، ومع هذا قد تتواجد الإسقاطات السياسية، المهم أن الفنان هنا حينما يستخدم الواقع التاريخى مثلاً لا يستخدمه فى حد ذاته، وهو لبس ملزماً كفنان بالتمسك بحرفيته، ولا يجب أن يحاسب على الحرية التى يمارسها فى استخدامه، والمسرحية لا تكتب أساساً لخدمة هذا الواقع، بل أن الواقع هو الذى يخدم غرضاً آخر"([8]).

وعلى ضوء تعريفه السابق يحدد فارقاً آخر بين اللونين بقوله :"فالمسرح السياسي لا يهتم بالفرد ولا يحاول تصوير شخصية، لأنه أساساً لا يحاول التعرض لمشكلة فردية بل مشكلة جماعية. المهم هو تقديم الجماعة التى تمسها المشكلة وحينما تحل المشكلة فإن الحل لا يجئ نتيجة حتمية فنية أو نتيجة منطق التسلسل الفنى، بل يجئ هذا الحل على أنه الحل الذى حدث فعلاً أو الذى يجب أن يحدث فى الواقع"([9]).

وهكذا يتضح أن مجمل خصائص المسرح السياسي تنطبق على بعض مسرحيات السيد حافظ من بينها مسرحية "ملك الزبالة" مما يجعل تصنيفها ضمن المسرح السياسي من باب الإنصاف فى حق هذا المبدع المسرحى.

 الفصل الثانى

 المكونات الفكرية لمسرحية ( ملك الزبالة )

-المبحث الأول : ملخص مسرحية "ملك الزبالة"

-المبحث الثانى : أهم التيمات والقيم الفكرية فى مسرحية "ملك الزبالة"

-المبحث الثالث : الجانب التراثي فى مسرحية "ملك الزبالة"

ملخص المسرحية :

رغم طابعها الكوميدى إلا أن المسرحية تعكس صراع المحكوم ضد الحاكم أو الحكام الفاسدين وتحرض على الثورة، فالسيد حافظ يستمد أحداث مسرحيته من حقيقة تاريخية حدثت فى الشام ما بين سنة 365 و373هـ ليناقش تناقضات الواقع العربى المعاصر، فالمسرحية تكشف كيف أن الزبالين حكموا بلاد الشام ونشروا العدل بين أهلها وألغوا الفقر من بين سكانها دون مقومات الحكم المتوفرة عند السلاطين العرب من قصور فخمة وعيش باذخ ومراتب مرتفعة.

وهى تعالج عدة قيم خلقية وقضايا كالمحبة والترابط الاجتماعى والصدق فى العلاقات الإنسانية، وحرية الفرد من خلال تحقق حرية القول وحرية الفعل لكافة الفئات الاجتماعية، إضافة إلى رفض الحلول الاستسلامية أو التحالف مع قوى خارجية من أجل الوصول إلى السلطة.

وتتضمن المسرحية ثمانية مشاهد تبدأ فى المشهد الأول بتصوير حالة الزبالين المعيشية فهم أناس يقومون بفرز زبالة الأغنياء من زبالة الفقراء، ويأخذون منها ما هو صالح للأكل ويوزعونه على المحتاجين له. ورغم هذه الحالة المزرية يفرض الديوان ضرائب على الزبالين إلا أنهم يرفضون أداءها فى أول الأمر، ويقومون بمواجهة العساكر، غير أن زعتر بحكمته أقترح عليهم حلاً يجعلهم يتفادون تلك المواجهة، ويتمثل هذا الحل فى أداء الضرائب مع الإمتناع عن إزاحة الأزبال حتى تزاح تلك الضريبة عليهم.

ويصور المشهد الثانى وضعية مدينة دمشق من جراء انتشار الازبال فى أزقتها :

سعد : كله ماشى وماسك منديل على مناخيره([10]).

كما يصور تضامن مدينتى حلب وحمص مع قسام التراب، ومحاولة شهبندر التجار التفاوض مع قسام التراب من أجل التوصل إلى حل لجمع زبالته. لكن قسام التراب يرفض ذلك حتى ترفع الضرائب عن الزبالين لا سيما وأن شهبندر التجار يمثل الطبقة الراقية من المجتمع التى يمكنها الضغط على السلطة من أجل إيجاد الحل.

ويبدأ الصراع بين السلطة والزبالين بقيادة قسام التراب فى المشهد الثالث، فبعد أسبوع من الإضراب عن جمع الزبالة يأتى قائد الشرطة والقاضى من أجل إرغام قسام التراب والزبالين على إنهاء هذا الإضراب، ويحاول القبض عليهم بتهمة إعلان التمرد والعصيان، ويتمادى قسام التراب ورجاله فى إضرابهم وعدم الامتثال لأوامر القاضى ليدخلوا فى معركة ضد رجال الشرطة تنتهى بانتصار الزبالين وهروب القاضى ورجاله.

وتتطور الأحداث ليصل الخبر إلى العزيز الفاطمى، فيبعث رسالة مع الوالى يهدد فيها قسام التراب ويطلب منه الاستسلام، ويأمر بتقطيع الرسالة بعد قراءتها حتى لا يدخل قسام التراب ومعه الزبالين التاريخ، وهذا الفعل فى حد ذاته يوضح مدى خوف السلطة من أن يسجل عليهم التاريخ انهزامهم أو خضوعهم لأشخاص تافهين فى نظرهم، ويرفض قسام التراب الاستسلام ويستمر فى إصراره على الإضراب حتى ترفع الضرائب، ويدخل هذه المرة مع عساكر العزيز الفاطمى فى معركة تنتهى بانتصاره هو ورجاله.

ويصور السيد حافظ فى المشهد الخامس الثورة الفعلية للزبالين بقيادة الزعيم قسام التراب حين احتلوا قصر الوالى واستولوا على سلاح الشرطة ليمارس قسام التراب سلطته بعزل القاضى الذى لا يهتم إلا بالزواج والطلاق، وتولية زعتر مكانه وتعيين سعد قائداً للشرطة وتغيير شعار علم البلاد، حيث وضع بدله شعاراً يتضمن رسم مكنسة وقفة.

وتتهاطل على قسام التراب المساعدات، ويطلب قربه كثير من مسؤولى الدول والحركات كالخليفة العباسى والقرامطة والرومان، ولكنه يرفض كل ذلك، موضحاً أن هدفه هو إصلاح المجتمع والقضاء على الفقر، وليس الوصول إلى السلطة من أجل الثراء على حساب إخوانه العرب والمسلمين .

قسام : أنا أبقى زبال فى أى مكان عند أى حاكم عربى حتى ولو كان الوالى متولى ومبقاش إمبراطور تحت سيف رومانى يقتل أهلى وإخوانى([11]).

وبعد مرور سنتين على محاربة الزبالين لعساكر العزيز الفاطمى يستعرض المشهد السادس حال الزبالين المشغولين بالحرب التى لم تشغلهم عن حياتهم الشخصية اذ يقوم قسام التراب بتزويج ليلى أخت زعتر لأبنه وليد، وابنته مريم لسعد، كما يصور قلق العزيز الفاطمى من سيطرة الزبالين على الحكم فى الشام، وكيف قرر القضاء على قسام التراب وتحالف مع العباسيين حيث بعث ابن الصمصامة على رأس جيش أكبر من الجيش الذى فتح به الفاطميون مصر للقبض على الزعيم قسام التراب حياً وليس ميتاً حتى لا يتحول إلى رمز وثورة شعبية وحتى لا يذكره التاريخ.

ثم ينتقل السيد حافظ لتصوير مشهد مطاردة عساكر العزيز الفاطمى بقيادة ابن الصمصامة لقسام التراب الذي يثير استغراب العساكر لعدم تكلفه فى العيش، ويضع ابن الصمصامة مكافأة خمسين ألف دينار لمن يقبض على قسام التراب حياً، وبعد مطاردة شاقة وكوميدية يختفى خلالها قسام التراب وعائلته فى صناديق الزبالة، يسلم قسام نفسه لغسان مقابل مبلغ المكافأة (50 ألف دينار) ليفرقها على أهل الشام المحتاجين.

ويصور المشهد الأخير محاكمة قسام التراب فى قصر العزيز الفاطمى الذى يندهش بدوره لنمط عيش قسام التراب المتواضع، ويقرر تركه حياً ومحاكمته مع المجرمين حتى لا يبقى بطلاً فى عيون الناس ورمزاً من رموز الثورة، ويرحب به المساجين حينما تعرفوا عليه. وأثناء النداء عليه لمحاكمته يجيب كل سجين يقول بأنه هو قسام التراب، فكل واحد منهم يريد أن يضحى بنفسه من أجله، كما يدل هذا الفعل على أن فكر قسام التراب حل فى كل إنسان له غيرة على وطنه وعروبته وإسلامه. وأثناء مقابلته للعزيز الفاطمى يقرر الإبقاء عليه وتوليته مهمة النظافة فى مصر.

 أهم التيمات والقيم الفكرية فى المسرحية :

يطرح نص مسرحية "ملك الزبالة" أكثر من قضية حياتيه هامة كالعدل والمسؤولية والأمانة والوفاء والحب والحرية والترابط الاجتماعى وغيرها من القيم، ولعل أهم تيمة تعالجها المسرحية هى تيمة السلطة بمظاهرها المتعددة، وضرورة الثورة على السلطة الفاسدة. وأول تيمة يطرحها النص هى تيمة الفساد الإدارى وخير من يمثلها القاضى والوالى، فالقاضى لا عمل له سوى الزواج من الفتيات الجميلات فى سن أبنائه وتطليقهن.

زبيدة : ليك فى ايه يا حسرة كل أسبوع لك جوازة بنت حلوة وعليها تأخذ كيسين ذهب وتتشرف بالنسب والبنات يا خسارة تتجوز ليلة وتطلق من تانى ليلة. ويبقى محكوم عليها ما تتجوزش تانى لأجل تاخد معونة بيت المال فى كل شهر جزية([12]).

وخير ما يدل على عقلية السلطوية للحكام واعتقادهم بأنهم يستطيعون شراء ما يريدون بالمال هو ما يبذله القاضى من عطاء سخى من أجل الظفر بمريم بنت قسام التراب فى محاولة لإرشاء سعد فى نزاله حولها.

القاضى : (يمسك سعد بعيداً) اسمع يا سعد

سعد        : ايــوه

القاضى : أنا حنازلك كده وكده وأنت تتهزم وأديك ألف دينار.

سعد        : بس

القاضى : وحصان

سعد        : بس

القاضى : وحمار

سعد        : بس

القاضى : وجمل

سعد        : بس

القاضى : وجارية رومية

سعد        : بس

القاضى : بقولك ايه مفيش حاجة تانية تتركب كنت عطيتها لك، كل الركوب دا فى الحلال وأنا بحب الحلال([13]).

وتطرح المسرحية كذلك حالة البؤس والفقر المدقع التى يعيش عليها الفقراء فى  الشام الذين يأكلون من زبالة الأغنياء.

زعتر : اسمع يا سعد زى ما قالنا المعلم قسام.. لو لقيتم حاجة تنفع للأكل فى زبالة الأغنياء ادوها للفقراء اللى زبالتهم بتصرخ.

سعد : فرزنا الزبالة زى ما قال المعلم قسام وشيلنا الحاجات اللى تنفع من زبالة الأغنياء ووزعناها على الفقراء زى ما قال([14]).

وتعالج المسرحية بعض القيم الخلقية كالنهى عن النهب والسرقة وأكل المال الحرام كما ورد على لسان سعد.

سعد : بايده لو يشاور عم قسام لننهب قصور الأغنياء لكن هو بيقول المال الحرام بياخد الحلال فى سكته واحنا معاه فى فكرته([15]).

وكذلك مبدأ الشورى الذى يجب أن يتوفر فى كل سلطة، وبين جميع الأفراد، فقد حث عليه تعالى فى عدة آيات كقوله عز وجل (وشاورهم فى الأمر)([16]) وكذلك قوله : (وأمرهم شورى بينهم)([17]). ويتجلى هذا النص المسرحى حين يتشاور قسام التراب مع كل من سعد وزعتر فى الحل الذى يتخذه مع الشرطة إبان فرضها الضرائب عليهم وكذلك الأمانة التى تتجسد فى سعد وباقى الزبالين :

قسام : (يجذب سعد بعيداً) أيه رأيك يا سعد؟ أنت ذراعى وطول عمرى عاملك عينى على الولاد  الشغالين تراقبهم وتخلى بالك منهم لحد يسرق بيت ويشوه سمعة الزبالين.. وكنت دايماً أمين على البيوت.

سعد : شوف يا معلمى علمتنا لما نلم وساخة الناس نحميهم من العرض ونصون كرامتهم لكن دول زودوها نشيل زبالة وكمان ندفع لهم يبقى لأ.. دا كل أهل الشام غلابة واحنا ممكن نضربهم ونخرب بيتهم دى عساكر ورق أرزقية([18]).

فسعد يرمز إلى استعمال القوة والعنف، فى مواجهة الحكام والسلطة، فى حين يمثل زعتر استعمال العقل والدهاء والذكاء فى الأمور الطارئة :

قسام : (يترك المعلم سعد ويمسك زعتر) تعالى يا زعتر

زعتر : أمرك يا معلم

قسام : أيه رأيك فى الكلام دا اللى بيقول سعد؟ بيقول نضربهم ونأدبهم.

زعتر : أنا شايف أننا ندفع النهارده ومن بكره ما نشلش الزبالة يوم اتنين تلاتة إن شاء الله شهر وهما اللى حيجونا ويبوسوا ايدينا شيلوا الزبالة فنقولهم يدفعوا لنا .. لكن ضرب وخبط أحنا ممكن نغلبهم بس احنا نربيهم بالأدب.

قسام : طول عمرك عقلك تمام وبتحكم الكلام بالميزان وتحكم بين الصبيان([19]).

وهذا لا يعنى أن استعمال العقل يؤتى أكله دائماً.. ولكن يعجز العقل أحيانا عن تحقيق ما تحققه القوة.

زعتر        : ساعات العقل يبقى زينة والذراع يبقى خيبة.

سعد         : ساعات العقل يبقى خيبة والذراع زينة.

قسام        : ساعات وساعات([20]).

كما يعالج النص تيمة التضامن ونلمس ذلك فى تضامن كل من حمص وحلب بزعامة كل من أبى الزناتى وأبى عيد من أجل عدم جمع الزبالة حتى ترفع الضرائب عن الزبالين وكذا تضامن الزبالين فيما بينهم واتحادهم لمواجهة السلطة الظالمة. هذا على المستوى الإيجابى. أما على المستوى السلبى فتتمثل هذه التيمة فى تحالف كل من القاضى والوالى وقائد الشرطة فى صراعهم ضد الزبالين.

قسام        : لازم الشام كلها تبقى يد واحدة مفيش شيل زبالة فى دمشق وكل الشام([21]).

ونجد أيضاً براعة السلطة فى تلفيق التهم ويبرز ذلك واضحاً فى نزال سعد مع القاضى حول مريم حين يضرب سعد القاضى :

القاضى : الحكاية دى وراها حكم بالإعدام على سعد لأنه تعدى على القاضى.

قائد الشرطة : أثناء تأدية وظيفته.

قسام : تحب النزال تانى يا قاضى.

القاضى : أيوه (يمسك شرطى جابناً) يا منصور لو غلبنى.. لو غلبنى.. سامع خلي بالك لو غلبنى قبل ما أنزل على الارض الحقنى واطعنه.. اقتله يبقى مات أثناء مقاومته للشرطة([22]).

وهناك أيضاً تيمة الحث على التضحية فى سبيل المواقف والأيمان بالقضية التى ندافع عليها . وهذا ما يرد على لسان قسام :

قسام : ماتخفيش يا مريم.. الخوف بيذبح الرجال ويشوه الجنين فى بطن أمه ربنا معانا والحق معانا([23]).

أما تيمة الأنانية فتتجلى فى أمر العزيز الفاطمى بتقطيع الرسالة بعد قراءتها خوفاً من أن يسجل التاريخ انتصاراً لقسام التراب- وهذه الصفة تنطبق على معظم الحكام الطغاة إن لم نقل كلهم.

القاضى : من العزيز الفاطمى إلى قسام التراب سلم تسلم وإلا.. العزيز الفاطمى (يمزق الرسالة).

قسام : بتعمل أيه بتقطع الرسالة؟

القاضى : دى التعليمات.. تنقطع الرسالة بعد القراءة علشان ما يبقاش لك تاريخ يا قسام.. أحسن يكتبوا ان فى يوم من الأيام بعث العزيز الفاطمى لزبال رسالة([24]).

يتبع

              


(span>[1]) كمال عيد "المسرح الاشتراكى" الدار المصرية للتأليف والترجمة / مصر -  سلسلة المكتبة الثقافية عدد154- سنة1966 ص:9.

([2]) الأقلام العرقية "بانوراما المسرح العربى" دار الجاحظ / بغداد/العراق عدد 6 سنة1980 ص:204- 205.

([3]) أحمد العشرى "المسرح التحريضى" عالم الفكر المجلد 18 العدد الأول سنة 1987 ص:103.

([4]) سامية أسعد "جان جينه والمسرح السياسى" المسرح عدد74 سنة1970 ص:39.

([5]) عبد العزيز حمودة "المسرح السياسى" مكتبة الأنجلو المصرية –span> القاهرة سنة1971 ص:ب.

([6]) المرجع السابق مقدمة الكتاب.

([7]) المرجع السابق مقدمة الكتاب.

([8]) المرجع السابق مقدمة الكتاب.

([9]) المرجع السابق مقدمة الكتاب.

([10]) السيد حافظ "ملك الزبالة" مصر -  الطبعة الأولى 1992 ص:12.

([11]) المرجع نفسه ص:44.

([12]) المرجع نفسه ص: 14

([13]) المرجع نفسه ص:19-20.

([14]) المرجع نفسه ص: 6

([15]) المرجع نفسه ص: 6

([16]) سورة آل عمران آية :159 رواية ورش.

([17]) سورة الشورى آية :35 رواية ورش.

([18]) السيد حافظ "ملك الزبالة" ص:10.

([19])المرجع نفسه ص:10

([20]) المرجع نفسه ص: 12.

([21]) المرجع نفسه ص: 13.

([22]) المرجع نفسه ص: 20.

([23]) المرجع نفسه ص: 13.

([24]) المرجع نفسه ص :13.