الفنّاناتُ الكرديات

الفنّاناتُ الكرديات

شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي..

الشّمعة الثانية

الفنّانة كلبهار

(وردةٌ عطرة في حديقةٍ منسيّةٍ) 1932م 

نارين عمر

[email protected]

عاشت الفترة الذّهبية للغناءِ الكرديّ حيثُ العمالقة ( محمد عارف, عيسى برواري, نسرين شيروان, حسن زيرك, عيششان, محمد شيخو, تحسين طه, سعيد كاباري, شيرين ملا , سعيد يوسف...وغيرهم), ولكنّها أثبتتْ جدارتها كمطربة وفنّانة متميّزة, تمكّنتْ من إثباتِ حضورها بجدارةٍ وأحقية, ولكنّها الآن تثيرُ في نفوسنا وقلوبنا الأسف والأسى على ما آلتْ إليه حالها حيثُ الوحدة والعزلة وهجران الأحبة والخلان دون أن يلتفتَ إليها أحدٌ باستثناءِ بعض الأهل والمعارف المقرّبين جدّاً, وهي التي أنعشتْ نفوسنا بصفاءِ صوتها وعذوبةِ أدائها لسنواتٍ طويلةٍ من خلال أغنياتها الكثيرة .

 حياتها, نشأتها:

في الحقيقة تؤكّد العديد من المصادر*1 أنّ الغموضَ كان وما يزال يلّفّ حياتها الخاصّة وتؤكّد بعضها2 * أنّها ولدتْ في عام 1932في حضن تلك العائلة الآميدية التي هاجرتْ إلى قرية كوجانز في كردستان تركيا باسم ( فاطمة محمد) التي اختارت لنفسها فيما بعد اسم  (كلبهار),وبعد عودتهم إلى كردستان العراق من جديدٍ توجّهتْ كلبهار إلى بغداد في عام 1949وكانت قد بلغتْ السّابعة عشرة من العمر وحتى الآن لم تفصح عن سببِ لجوئها إلى بغداد, وهناك التحقتْ بفرقة كورال الإذاعة العراقية  كمطربة وفنّانة مسرحية بعدما التحقت بفرقة ( يحيى فائق) وقد كان عملها خلال هذه الفترة مدخلاً موفّقاً نحو الشّهرةِ والمجدِ بمشاركتها في أعمال تلفزيونيةٍ في تلفزيون بغداد وبانتسابها إلى فرقة 14 تمّوز الفنيّة , بالإضافة إلى تمثيلها في بعض الأفلام كفيلم ( الوردة الحمراء) وفيلم ( عروس الفرات) حتى الآن نتحدّثُ عن أعمالها الفنيّة التي أدّتها باللغةِ العربيةِ لأنّها وحتى بداية السّتينيات من القرن العشرين كانت تُعرَف كممثّلة ومطربة في الوسطِ العربيّ فقط ولكنّ بداية هذه الفترة كانت فأل خيرٍ وبشرٍ عليها حيثُ تعرّفتْ وبحكمِ تواجدها في الإذاعةِ والتّلفزيون كانت على الكثير من فنّاني الكرد الذين كانوا يتوافدون على إذاعةِ بغداد / قسم الّلغةِ الكرديةِ / لتسجيل أغانيهم  وحين استمعوا إلى صوتها وأدائها انبهروا بها وشجّعوها على الغناءِ بلغتها الكردية فوافقت على الفورِ لأنّها وكما يقول الكاتب فريدون هرمزي*3:

(كانت تمني نفسها ايجاد فرصة للغناء بلغتهاالام وتحققت امنيتها تلك عام 1963 حيث سجلت اولى اغنياتها باللغة الكردية) لتدخلَ من خلالها إلى عالم الفنّ والغناءِ الكرديين بقوّةٍ ورصانةٍ , ولتقفزَ إلى الصّفّ الأوّل من صفوف الفنّانين والفنّاناتِ الكرد .

 يقول الكاتب فريدون هرمزي* :  

 (....والشيء الجدير بالذكر عن كلبهار هي انها اول مطربة كردية تسافر الى العديد من دول العالم لتغني فيها للجالية الكردية المتواجدة هناك كذلك لاهل تلك البلدان لتعرفهم على فن شعبها، كانت اول رحلة لها الى لبنان حيث غنت على اكبر مسارحها وكان المطربين محمد عارف الجزيري وعيسى برواري رفيقي سفرتها تلك.. ثم اعادت الكرة مرة ثانية عام 1977-1978 حيث سافرت آنذاك الى بريطانيا والنمسا وفرنسا...الخ).

 أغاني كلبهار:

يُقال إنّ كلبهار  تعدّ رائدة الحداثة في الفنّ الكردي خلال تلك الفترة لأنّها كانت تؤدّي الأغاني الشّبابية ذات الإيقاع السّريعِ والخفيف والتّوزيع الحديث وأنّ أغنياتها تلك جعلتها تنالُ شهرةً منقطعة النّظير لدى أبناءِ وبناتِ شعبها الكرديّ ككلّ وما زالتْ تحتلّ في قلوبهم ونفوسهم مكانة خاصّة وما زالَ صوتها الرّنانُ يدغدغُ أسماع الكردِ بلطفٍ وعذوبةٍ  .

طغتْ النّزعة الاجتماعية والوجدانية على أغانيها لأنّها تتمتّعُ برهافةِ الحسّ ورقةِ الفؤاد فغنّتْ للمرأةِ والطّفل والعشّاق والشّبابِ والأمّ وكغيرها من الفنّانين الكرد غنّتْ لطبيعةِ كردستان وفي حضنها, والمجال الذي يميّزها عن غيرها من الفنّانين هو اشتراكها مع فنّانين كردٍ رجال في ثنائياتٍ غنائيةٍ صادقة في الأداءِ والّلحنِ والكلمة, وما زال الكردُ يستمعون إليها / ‏ Zembîlfiroş/ / مع عيسى برواري, و/ /Ez keçim Keça Kurdanim مع سمير زاخوي, و/Xalxalokê/ مع تحسين طه, وما زال الفنّانون والفنّانات الكرد الشّباب يردّدونها بشوقٍ وشغفٍ إلى جانب أدائها للأغاني الفلكلورية .

تقول الفنّانة عن تجربتها الفنيّة ومعاناتها هي وجيلها من الفنّانين الكرد الذين تحدوا مجتمعهم وواقعهم المفروض وسلكوا سبيلَ الفنّ الذي كان مرفوضاً تماماً ممارسته لدى شرائح واسعة من المجتمع وتعاتب جيل الشّباب من الفنّانين والفنّاناتِ الكردِ قائلةً:

 ( في الحقيقة كنّا نعاني كثيراً في تسجيل نتاجنا الفنّي, ولكنّ جيل اليوم يهضمون حقنا حين يدعون أنّ ما يغنّونه هو من التّراث ولا يذكرون أنّها لنا...).

 ويذكر أنّ الفنّانة فوزية محمد التي ذاع صيتها لفترةٍ طويلةٍ في عالم الغناء الكردي هي شقيقة كلبهار وفي ذلك يقول الكاتب فريدون هرمزي* :

(وهي ان الفنانة الراحلة فوزية محمد (التي ظهرت على الساحة الغنائية الكردية اواسط القرن الماضي مع عدد آخر من المطربات مثل نسرين شيروان وعائشة شان والماس) هي اخت كلبهار لكنها اعتزلت الغناء بعد زواجها وطواها النسيان حتى عندما توفيت عام 1992 لم يعرف بموتها احد خارج العائلة والاقرباء.. ولم تنشر وسائل الاعلام الى رحيل تلك الفنانة).

 اعتزلتْ كلبهار الغناء في عام 1985م وكانت آخر أغنية أدتها قبل اعتزالها هي أغنية

( Dilo dilo te ez hêlam) وهي من كلماتِ الشّاعر الدّكتور بدرخان سندي , وقد بلغ عدد أغنياتها بحسب الكاتب فريدون / 270/ أغنية.

 الإعلام الكردي المسموع والمقروء لا يولي اهتماماً كافياً بها, فمنذ سنواتٍ وعلى الرّغم من ظهور العديد من فضائياتنا الكردية لم أرى  إلا فضائية واحدة تجري معها حواراً وكانت تمشي مثقلة الخطا  تتكئ على عصاً والحزنُ والألمُ يطغيانِ على ملامحها على الرّغم من الابتسامة الخجولة التي لم تفارقها طيلة فترةِ الحوار , ولم أعثر وأنا أبحثُ عنها طويلاً إلا على مقالٍ بقلم الكاتب فريدون هرمز بالّلغةِ العربية ومقالٍ طويلٍ بالّلغةِ الكردية للكاتب كاكشار أوره مار لذلك نهيبُ بكلّ الأوساطِ الثّقافيةِ والفنيّةِ والمسؤولة وعلى رأسها وزارة الثّقافة في حكومة إقليم كردستان واتحاد فنّاني كردستان وغيرهم من الجهات أن ينظروا إلى كلبهار بعين الرّعايةِ والعطفِ ويتعاملوا معها كإنسانة رقيقة ومرهفة الحسّ وكفنّانة مخلصة ووفيّة للفنّ الكردي وأن يعرّفوا الأجيال الكردية بها وبعطائها وتفانيها في خدمةِ الفنّ الكردي ونداءٌ أخوي إلى المسؤولين في مؤسّسةِ سما للثّقافةِ والفنون أن يحضنوا هذه الفنّانة ويساهموا في إحياءِ أغنياتها إمّا بصوتها أو بصوتِ فنّانين وفنّاناتٍ شباب مع الانتباه إلى التّأكيد على أنّ هذه الأغاني لها أو لغيرها من الفنّانين والفنّانات.

بعد سنواتٍ طويلةٍ من الغربةِ والبعدِ عن كردستان عاشتها في العاصمة بغداد عادتْ إليها كلبهار بعدما دفعتها تيّاراتُ الشّوقِ والحنين إلى الأهل والأحبّةِ وإلى طبيعةِ كردستان التي كانت بمثابة الرّوح التي تغذي حنجرتها الصّافية وتهبها أجمل الأداءِ وأفضلَه, واختارت السّكن في دهوك , وهي وبحسب الكاتب فريدون* تعيشُ في شبه عزلة ومازالت تكتم على خصوصيات حياتها , بينما يؤّكد الكاتب الكردي ( كاك شار أوره مار)*4 على أنّها حين عادتْ لاقتْ ترحاباً كبيراً ولائقاً بها , وأقيمت لها مهرجانات وحفلات كبيرة , يليقُ بقدرها ومقامها.

              

*1- استعنتُ بمقالة للكاتب كاكشار اوره مار بالّلغة الكردية نشرت في موقع لالش.

 *2- (كلبهار.. مثلت بلغة الضاد وغنت بلغتها الام) عنوان مقالة نشرها الكاتب فريدون هرمزي في الصّوت الآخر العدد 50 - 6/6/2005 

*- ارتأيتُ أن أقتبسَ الشّواهد من مقالةِ الكاتب فريدون كما هي وذلك حفاظاً على أمانة الاقتباسِ والنّقلِ.

*4- هذه العبارات هي المقطع الأخير من المقالة التي نشرها الكاتب كاكشار في موقع لالش/ القسم الكرديّ/ عن الفنّانة كلبهار يصف فيها عودتها إلى كردستان.

( piştî salên dûr û dirêj ji Bexdayê vegerî Dihokê û ji aliyê neteweya xwe ve rastî qedir û siyaneteke mezin hat. Jê re festîvalên qedirgirtinê pêkanîn û jiyaneke nû jê re amade kirin. Ew jî bi hezare hêviyan li benda wê rojê ye ku keçên kurd zêdetir bikevin ser riya wan û ger dengê wan xwe‏  , xwe veneêrin. Herwiha her tim dibêje: “Ez niha dizanim ku kevir li cihê xwe giran e)

 ملاحظة:

 أتمنّى من كلّ القرّاء والقارئات الكرام لهذه الحلقات أن يزوّدوني بمعلوماتٍ عن الفنّانات الكرد إذا كانت متوافرة لديهم مع الشّكر سلفاً.