عَلى ظَهر الدَّبابة السِّينمائية!
حسين العفنان ـ حائل الطّيبة
جاست الدبابةُ السينمائيةُ العالم الإسلامي ، وأثخنت جِبلا كثيرا ، وأزاغت شبابا وشيوخا ، وحمل التابعون المنهزمون على ظهرها الظلم والتردي لأمتهم ولأوطانهم ، فكانت ممن أنقذ الغرب من وقائع عسكرية باهظة!
والساعة تخطو خطواتها الأولى ، في بلاد الحرمين ومملكة التوحيد ، لتخدش مَنَعَتَها ، وتجرح خصوصيتها ، وفي أثرها ما يبعث في النفوس الشريفة كلَّ ريبة وخوف!
وبات قطع طريقها وردها على أعقابها أمرا حتما رحمة بالأمة ، وذودا عن الإسلام ، ونفضا للمنكر ، ودفاعا عن أرض تأبت عن الدنايا ، ولفظت كل مخرب ، وشمخت كمآذنها ، ونقاء صحرائها وطهارة نسائها!
ولنا في البلاد الإسلامية التي خاضت هذه التجربة الخاسرة أفصح درس ، وأبلغ عبرة ، تقول إحدى المغنيات :(أصبح الفن اليوم تجارة وخلاعة ، إن كثيرا من المعروض في السوق يسمم أفكار الناس وكأن أصحابه مأجورون لإفساد الناس).
ويقول أحد الممثلين : (إن الأفلام التي أنتجت عن المخدرات لم تسهم في حل المشكلة بل على العكس من ذلك تماما ، لقد أسهمت في انتشارها..) و يعترف ثالث بأن له ثلاثمائة فلم سخيف..(راجع الفن الواقع والمأمول ، د.خالد الجريسي ، ففيه الكثير الكثير)
وإن غفت الضمائر زمنا ، فلا بد أن تتنبه ، وتظهر بعض الحق ، لطهارة ما زالت عالقة في غياهبها..
لقد أقر أهل الفن على أنفسهم ، باعوجاج سبلهم ، وضبابية أهدافهم ، خاصة ممن منّ الله عليهم بالعود والإنابة..
فيا سوء عاقبتنا إن لم نقف على رأس طريقهم المكبل ، ونحمد الله على رحمته وعافيته!
يقول الأستاذ عبد العزيز كحيل وهو يقرأ عدد من الأفلام بحسرة (السينما والمسرح في معترك الدعوة ،رابطة أدباء الشام) :
(إن نظرة عاجلة على الإنتاج السينمائي العربي تبين فداحة المصاب وتجعلنا نحس بمرارة الندم ونحن نرى ناسا من المسلمين تخصصوا في هذا الفن،لكنهم ارتموا في أحضان الفلسفة التغريبية المتميزة بالمادية والغرائزية ومعاداة قيم الطهر والفضيلة وأصبحوا مجرد لولب وزر في الآلة الجاهلية الطاحنة ...)
ويؤكد الباحث محمود يوسف في دراسته : ((صورة المرأة المصرية في الأفلام السينمائية ، كلية الإعلام ، جامعة القاهرة ، 2001 م )) أن الأفلام السينمائية رسمت صورة سلبية للمرأة المصرية ، كان أبرز ملامح هذه الصورة التبرج والسفور وإظهار العورات بطريقة مبالغ فيها ، فغالبية الأفلام ـ كما ترى الدراسة ـ مليئة بمشاهد العري والزينة وتجسيد العورات وكثيرا ما أظهرت المرأة شبه عارية ، ولعل هذا يؤكد اتجاه الأفلام لاستخدام المرأة كونها مصدرا للإثارة الجنسية.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الأفلام أظهرت للمرأة ثمار الحرية (المزعومة) المطلوبة لها ، من خلال حريتها في الكسب الحرام ، وركزت على تزيين الفاحشة وتجميل السقوط الأخلاقي ، كما أظهرتها شاربة للخمر ومرتادة لأماكن السكر ، بدعوى الحرية والتحضر).(بتصرف ، تعددية الإعلام ، د.ياسر الشهري ، ص 35)
ويقول الأستاذ نجدت لاطة :
(المتتبع للسينما العربية يرى الأضواء فيها مسلطة على جوانب محددة من حياة الناس, دون الجوانب الأخرى. وأحيانا تقترب الأضواء من تلك الجوانب الأخرى المهملة, ولكن لا لتصورها بكل جلائها وواقعيتها وإيجابياتها وسلبياتها,وإنما لتبرز سلبياتها فقط وتهمل الإيجابيات, فتتشكل في ذهن المشاهد صورة قاتمة عن تلك الجوانب.
وأهم الجوانب التي تم إبراز سلبياتها دون الإيجابيات شخصية المتدين, فقد شوهت صورته بشكل كبير, حتى خيل للمشاهد أن عامة المتدينين يتصفون بتلك الصفات السلبية...)( شخصية المتديّن في السينما العربية ، رابطة أدباء الشام)
لا يحتاج النهار إلى دليل ، إنها حرب لزلزلة الإسلام وأهله وقيمه ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، فمن عرف غِب هذا العمل ، وأبصر العقبى ، سلم من مر الندامة!
***
معذرة ـ أيها الرانديون(1) ـ
فالعاقل لا يراها ترفيها طاهرا ، وضع لسواد عيون السعوديين ، ولا حرصا على أوقاتهم ، ولا ذودا لشرور السفر عنهم ، ولا إثباتا للتقدم الحضاري والفني ، بل هي جهر بالمعصية ، وإذاعة للرذيلة ، واستمراء للباطل ، ووأد للغيرة ، وتفتيت للمجتمع..وتنمية للفردية المقيتة ، وإنعاش للحرية الحيوانية..يقول الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند في ذلك:
(وهؤلاء - بدعوتهم هذه- يريدون إقرار المنكر، وإظهاره، وإعطاءه الشرعية، ودعوة الناس إليه..وإنّ من المعلوم شرعاً أنّ المنكر إذا أعلن وذاع وفشا؛ أوشك الله أن يعم الجميع بعقاب من عنده كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، ثمّ يدعون الله فلا يستجيب لهم، فإذا كان هؤلاء يحبّون هذا الوطن ويريدون سلامته وأمنه واستقراره، كما يدندنون كثيراً في مقالاتهم - وهو أمر مطلوب- فإنّ ذلك يقتضي حمايته ممّا يستوجب سخط الله تعالى وغضبه، ويستمطر اللعنات والعقوبات العامّة والخاصة..(دعوة خطيرة يجب التصدي لها ، د.محمد المسند ، شبكة نور الإسلام)
***
ودور السينما لن تبقى يتيمة هكذا ، فالشركات المحترفة والمعاهد الفنية والبعثات الخارجية والصناعة السينمائية والإغراءات المالية والمعنوية ، ستتقاطر على رؤوس شبابنا وفتياتنا، فتذيبهم في مستنقع العهر واللصوصية!( راجع مقالة أ.عبد الرحيم التميمي ، سينما في السعودية..هل كسر الباب ؟)
إذا فالتدحرج لا حد له ، والانهيار ذو طموح ، وسيهوى المجتمع في تغريب لا قرارة له..
يقول الناقد الكبير د.وليد قصاب :
(إن استرداد الأرض والجغرافيا أمر ميسور ، وإن الحروب ـ على مدار التاريخ ـ كر وفر ، وإقبال وإدبار ، ولكن ضياع الذات هو الخطر الأكبر ، لأن ضياع الذات ، وفقدان الهوية ، يحملان على التفريط في الثوابت ، بل نسيان هذه الثوابت ، ثوابت الدين ، والشريعة ، واللغة ، والتاريخ ، والجغرافيا ...) (مقالات في الأدب والنقد ، د.وليد قصاب ، ص 122)
***
أيها الرانديون :
حين ولدت السينما في العالم ، التفتت لها الصهيونية التفاتا جادا واستثمرتها في دعم أهدافها ومشاريعها ، ففلمها الأول ( قضية دريفوس) الذي ظهر على الشاشة عام 1899م كان يصور اليهود شعبا مضطهدا مظلوما وأن فلسطين حق لهم..ثم تماطرت أفلامهم دعما لهذه السبل المنحرفة حتى وضعت يدها على سُرة السينما العالمية ( هوليود ) وبدأ نفوذها يخترق عقول الغرب والشرق..( انظر كتاب السينما الصهيونية شاشة للتضليل لمحمد عبيدو ، واستفدت من قراءة الأستاذة جازية سليماني في رابطة أدباء الشام ، تقرير موقع الإسلام اليوم ، السينما صناعة يهودية لترويج أفكار صهيونية)
ويحذر مفكر نصراني قومه من هذا المد فيقول :.. وبواسطة الأفلام السينمائية ، يغذي اليهود عقول شبابنا وأبنائنا ، ويملئونها بما يشاؤون ، فيشب هؤلاء ليكونوا أزلاما لهم وعبيدا ..خلال ساعتين من الزمن ، هي مدة عرض فيلم سينمائي ، يمحو اليهود من عقول شبابنا وأجيالنا الطالعة ، ما قضى المعلم والمدرسة والبيت والمربي عدة أشهر في تعليمهم وتثقيفهم وتربيتهم. (الفضائيات وتأثيرها على مجتمعنا بحث كامل وتقارير ، حورية الدعوة ، موقع صيد الفوائد)
وأما عن السينما الأمريكية فيذكر الدكتور ياسر الشهري أنها تؤدي مهمتين أساسيتين :
الأولى: تسويق قيمهم وثقافتهم وأن النموذج الأمريكي هو أفضل الحلول لمشكلات الحياة المختلفة ، والثانية : تسويق منتجاتهم وسلعهم وإحياء لاقتصادهم.( راجع ، تعددية الإعلام ، د.الشهري ، ص 50 ـ 52.)
وأما اليابانيون فقد استطاعوا شراء أسهم( هوليودية ) بمليارات الدولارات ليظهروا ( البوذية ) في بعض الأفلام على أنها ديانة ذات عمق روحي وإنساني ، وقد اقتنع كثير من الغربيين بذلك. (الاستثمار في الإعلام ، د.عبد الكريم بكار ، صيد الفوائد)
فهل ستترجم السينما السعودية عقيدة المسلمين وثقافتهم في نتاجها وعروضها؟! وهل ستحاصر شرور الفضائيات التي فتكت بنا؟! وهل ستحمي شبابنا من التباعد والانحراف وتسمو بهم وبعقولهم وقلوبهم ؟! وهل ستعالج قضاياهم وتلامس همومهم ودموعهم ؟!وهل...وهل...؟!
وهل ستتعلم من السينما الصهيونية والأمريكية واليابانية...الرسالة الهادفة الملتزمة ؟!