فيلم ( حسن ومرقص )

وقضية غياب الإسلاميين عن القضايا الساخنة

نجدت لاطة

[email protected]

فيلم ( حسن ومرقص ) من بطولة الممثل عادل إمام وهو القسيس القبطي (مرقص) والممثل عمر الشريف الذي هو إمام المسجد (حسن)، والفيلم من أوله إلى آخره يتناول قضية المسلمين والأقباط في مصر.

والفيلم ليس لي اعتراض عليه، لا من الناحية الفنية، ولا من ناحية الأفكار والأحداث، فالفيلم ناجح في كل ذلك. والفيلم أيضاً نظيف ليس فيه مشاهد ساخنة، كما هي العادة في أفلام عادل إمام، لذا يستطيع المشاهد أن يراه هو وبقية العائلة دون أدنى حرج.

ولكن أتساءل: لماذا نترك ـ نحن الإسلاميين ـ للفنانين أن يتناولوا الأمور الحساسة والقضايا الساخنة في المجتمع؟ ولماذا نقف متفرجين لا نفعل شيئاً إلا أن نلعن الظلام؟ فقضية المسلمين والأقباط في مصر حساسة جداً، ولا بد أن نتناولها من خلال مفاهيم الشرع الإسلامي، بحيث نرسم أطر العلاقة بينهما، وكيف ينبغي أن تكون، دون نخلّ بتعاليم شرعنا، ودون أن نظلم الأقباط. أما حين نترك مثل هذه القضايا الحساسة للفنانين فإن هناك مفاهيم خاطئة سترسم أطر هذه العلاقة، وبالتالي سينتج عن ذلك ممارسات خاطئة من قبل الفريقين تجاه الآخر.

وكما نعلم أن الإعلام الفاسد الذي تقف وراءه أصابع مشبوهة يؤجج الصراع بين المسلمين والأقباط، بمعنى أن قضية المسلمين والأقباط في مصر قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت إذا تمّ إشعالها من قِبل أحد المشبوهين، فحين نقف مكتوفي الأيدي تجاه العلاقة بينهما نكون كمن ينتظر تلك القنبلة أن تنفجر في أية لحظة.

والمشكلة أن هناك في مجتمعاتنا قضايا حساسة كثيرة، ومعظم هذه القضايا تناولتها الأفلام والمسلسلات من خلال رؤيتها تجاهها. في حين غفل الإسلاميون عنها، أو لنقل أنهم تناولوها من خلال بعض الصحف والمجلات وبعض الكتب، ولكن كما نعلم أن الصحف والمجلات والكتب لا يطّلع عليها إلا قلة قليلة جداً من أفراد المجتمع، وبالتالي لا يتم توصيل الرؤية الشرعية لتلك القضايا إلى غالبية المجتمع، بخلاف الأفلام والمسلسلات التي يشاهدها معظم الناس.

والقضايا الحساسة كثيرة في مجتمعاتنا، فما أكثر الطوائف عندنا، وما أكثر الأحزاب عندنا، وما أكثر الخلافات بيننا، وما أكثر المذاهب والملل والنحل عندنا، وما أكثر العادات والتقاليد المنافية لتعاليم ديننا، وما أكثر الموضات والأفكار القادمة إلينا من الغرب، وما أكثر الحركات الإسلامية المختلفة فيما بينها، وما أكثر وجهات النظر في شتى النواحي السياسية والدينية والثقافية والفنية، وغير ذلك مما لا يخفى على أحد.

ولعل أكبر مثال قضية العراق، فحين انفلت زمام الأمور هناك خرجت المشكلات والخلافات الضخمة التي لم يعد أحد يستطيع السيطرة عليها. ومثال ثانٍ ما حدث في الجزائر من مجازر في أيام التسعينيات، ومثال ثالث ما حدث ويحدث في لبنان من قضايا الطائفية والحزبية، ومثال رابع ما يحدث في الصومال، ومثال خامس في السودان، ومثال سادس في فلسطين من خلافات حادة بين فتح وحماس. والأمر نفسه قد يحدث في مصر في قضية المسلمين والأقباط في حال انفلت زمام الأمور هناك.

والفن السينمائي بأشكاله المختلفة (الفيلم والمسلسل والمسرحية) هو الوسيلة الأجدى في علاج أية مشكلة في مجتمعاتنا، لأن هذا الفن له التأثير الأكبر في المتلقي، بخلاف معظم الوسائل الأخرى التي هي أقل بكثير في التأثير في المتلقي.

والجمهور العادي ـ الذي هو غالبية الشعوب ـ لا يعرف كيف يتعامل مع تلك القضايا الحساسة، ولا يعرف ماذا قد تنتج من أخطار وعواقب وخيمة في حال وقوع بعض الممارسات غير المسؤولة من قبل بعض أفراد الجمهور، فقد يشتعل ـ مثلاً ـ فتيل الفتنة بين المسلمين والأقباط من ممارسة فردية من مسلم أو قبطي.

ولكن حين يأتي الفن السينمائي الحقيقي المنبثق من مفاهيم ديننا ويساهم في تشكيل ذهنية الجمهور العربي حيال تلك القضايا الحساسة وكيف ينبغي أن يكون التعامل الأمثل معها نكون قد وضعنا الصمّام الأهم لكي لا تشتعل أية فتنة في مجتمعاتنا.        

ولكن حين لا يستخدم الإسلاميون الفن السينمائي في علاج هذه القضايا الحساسة يكونون كمن لا يسعى نحو الحلول الحقيقية لها، وبالتالي لا يجوز لهذه الحركات الإسلامية أن تدّعي لنفسها أنها تحمل لواء الإسلام في هذا العصر، لأن الذي يدّعي حمل هذا اللواء هو الذي يسعى سعياً جاداً لحل كافة مشكلاتنا، ويستخدم كافة الوسائل لحلها. أما الاقتصار على استخدام بعض الوسائل غير المجدية فهذا لن يساهم في حلّ مشكلاتنا الحقيقية.