قضية التصويت في مسابقة منشد الشارقة

آلاء شحادة

[email protected]

ساءني كثيرًا كما ساء الكثيرين الخروج السريع غير المتوقع للمنشد عبد الرحمن الكردي ربما أكثر من غيره، بعدما توقع له الكثيرون الوصول إلى الحلقة النهائية من حلقات المسابقة، وبالنسبة لي فقد كنت أحسبه واحدًا من أصحاب المراكز الثلاثة الأولى، بيد أن الله قد قدر وما شاء فعل، فقد كان هذا الخروج للمنشد السوري ردًا على أولئك الذين يشككون في لجنة التحكيم لوجود حكمين سوريين! ورغم أن حال لساننا لا يقول في هكذا حال إلا (وأعرض عن الجاهلين) فإن الخروج المبكر قد وضع حداً لأولئك المشككين.

إن الزمن بحاضره ومستقبله، وحتى ما علمناه من ماضيه في مجال الإنشاد ـ وأكاد أجزم ـ لن يكرر تجربتين ومدرستين إنشاديتين وشخصيتين قديرتين كأبي الجود وأبي راتب، فهما علمان كبيران، وبجهودهما الجبارة بعد توفيق الله جل وعلا استطاعا أن يصنعا للنشيد مكانة، وأن ينهضا به ويجعلانه فنًّا مرموقًا، إننا ـ ولا نزكي على الله أحداًً ـ  لنحسبهما ممن أخلصوا للدعوة وعملوا بتفانٍ، فنالوا المكانة العالية والقدر الرفيع، ومَن شكك في نزاهة هذين الرجلين فبمن من الرجال قد أحسن ظنًّا؟!

قد يقول قائل بأن نسبة التحكيم لعبد الرحمن الكردي كانت أعلى نسبة وأن الذي ساهم بخروجه هو التصويت، ولكنني أقول أن من تلا المنشد عبد الرحمن الكردي بنسبة التحكيم لم يبعد عنه في النسبة كثيرًا، وإن الحكام مع معرفتهم بنتائج التصويت لو أرادوا دعم منشد لزادوا له بالعلامات وقللوا للآخرين، ثم إن نسبة التحكيم هي 60% ، ولو أن أبا راتب وأبا الجود قد أعطيا المنشد الكردي أكثر من حقه لكان تحكيم المنشد محمد العزاوي والمنشد بو خاطر مساهمًا كبيرًا في إعادة الحق إلى نصابه وإفشال مخططيهما الظالم!

لست هنا في صدد الدفاع عن شخص بقدر حرصي على الدفاع عن فكرة، فبالأساس لم يذهب تصويتي للمنشد عبد الرحمن الكردي ليقول قائل بذلك، العامل المهم والنقطة التي لا بد من تناولها هي قضية التصويت، فما نراه في التصويت من ظلم وإجحاف يساهم في قلب الموازين ونثر الأوراق وبعثرة المصداقية، ليدعونا إلى محاولة جادةٍ في إصلاح الأمر، فإنني وبكثير من الأسى أقول أن كثيرًا من الشعوب العربية ولست أخصص شعبًا ولست أعمم القول على كل فرد، كثيرٌ من الشعوب العربية لا تستحق أن تحمّلها هكذا أمانة لتقوم بحملها، التعصب للدولة لا يدل إلا على غرقنا في جاهلية كجاهلية ما قبل الإسلام بل وأعظم، لأننا جهلنا بعدما جاءنا الهدى، ويدعونا ـ في جزء من جزئياته وجانب من جوانبه ـ إلى إدراك سبب بقاء فلسطين الجريحة وليومنا هذا  في أيدٍ مغتصبة غاشمة!

فالمتابع للتصويت يلحظ بوضوح شدة التعصب الكبير البغيض من قبل المصوت للدولة التي ينتمي إليها المنشد، حتى إن بعضهم ليقول: أقر بأن صوت المنشد الفلاني أجمل الأصوات ولكنني لا أخون ابن بلدي!! ويا ما شاء الله على الانتماء والوطنية! والخوف من أن تحق عليه الخيانة العظمى التي لا يستحق عليها إلا الإعدام، لا أدري والله بأي عقلية يفكر هؤلاء! ومنذ متى تطغى روابط النسب على روابط الدين! رغم أننا لو تتبعنا شجرة عائلة أحدهم لربما وجدت المنشد السوري مثلاً يمت بقرابة أكبر للجزائري من جزائري آخر!

ثم إنها والله لا تذكرنا إلا بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي آخى بين المهاجرين والأنصار أخوّة في الإسلام كانت أقوى من أخوّة النسب بكثير، حتى أن الميراث في بدايته كان يقوم على أخوّة الدين لا النسب، ويذكرنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة). أعلم أن جميع المنشدين مسلمون وأن المصوتين كذلك، إلا إن كانت هناك حالة شاذة، وأن أحدهم سيقول ما دمنا كلنا مسلمين فلا فرق بين أن أصوت لابن بلدي أو غيره، لكن هناك فرقاً لربما هو أكبر مما يظن أخونا، الفرق بأن الحق حق، وأن العدل عدل (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (فإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) فبأي دستور من دساتير الكون قاطبة يطالب من يطالب حكام المسابقة بالعدل ولا يطالب بني قومه بالعدل!

يبقى الآن الدور على كل فرد ممن يحمّل نفسه مسؤولية التصويت أن يكون عادلاً منصفًا لا يظلم، وأسأل الله أن لا تكون هذه مواعظ تلقى على الأسماع إلقاءً مما يكرهه الفرد المسلم ولا يود فهمه، وألا تكون صعبة الاستيعاب.      

أما إن كان للواحد منا عقلية متعنتة وقبلية، فليرح ميزان سيئاته من بعضها ويمتنع عن التصويت، لأنه من غير المعقول أن نطلب من القائمين على القناة تخفيض نسبة التصويت من 20% إلى 5% أو أقل أو إلغاء التصويت تمامًا! لأن مشاركة المشاهد من أبرز نقاط نجاح أي برنامج، ولأن الرسائل القصيرة تعود بدعم مادي كبير على أي قناة، ولكن إن كان الجمهور مصرًّا على إفشال كل برنامج ناجح، فالأمر عائد له، وهو الخاسر قبل غيره، ولست أريد أن أتحامل أكثر على الشعوب، فالقائمون على البرنامج ليسوا أفضل حالاً من الجمهور، ولتعذرني الشعوب والمسؤولون، لأن القائمين يصرّون على أن يسبق اسمَ المنشد اسمُ البلد! وهذا في كل حال وفي كل مرة، ولست أدري سبب الإصرار!

ولعلنا نرى في المسابقات القادمة تحسّناً في أداء الجمهور بشأن قضية التصويت إن شاء الله.