زمن مضى ...
في أواخر العام 1971 انطلقت فرقة (البلابل)، المكونة من أخوات ثلاث (هادية وآمال وحياة)، ويعزى فضل انطلاقتهن ونجاحهن إلى الموسيقار بشير عباس، الذي استعان بهن ليقمن بدور (الكورس) حين قدم موسيقى أغنية (نسمات الشمال) رائعة مبارك المغربي وألحان برعي محمد دفع الله للفنان عبد العزيز محمد داود، في إحدى حلقات سهرة (تحت الأضواء) التي قدمها للتلفزيون السوداني الإذاعي الكبير حمدي بولاد.
بيت مصطفى أمين
اشتهر بشير عباس في تلك الفترة بمغامرته الناجحة لتقديم موسيقى أشهر الأغنيات السودانية معتمداً على توظيف العود والاستعانة بالتصفير بالفم.
هذا شأن البلابل الفرقة، اما البلابل المحطة فيرجع تاريخها للعام 1976م، وللتسمية حكاية. فالبلابل في رحلة معاودتهن لشقيقتهن نجاة التي كانت تسكن بأركويت كن ينزلن قبالة منزل الإعلامي الكبير الأستاذ مصطفى أمين، المدير الأسبق لوكالة السودان للأنباء؛ زوج شقيقتهن، وكانت فرقة البلابل آنذاك في بداية انطلاقتها فاشتهرت المحطة بـ(المحطة البنزلوا فيها البلابل)، ثم أخذت المحطة الاسم كامل، فأصبحت محطة البلابل.
علم وحب وانجمامة
في رحلة توثيقنا توقفنا بالمحطة نتأمل جمال المباني ومعاني الأسماء الإنجليزية الرنانة التي أطلقت على المحال التجارية والمطاعم السياحية التي كانت تعج بالوجوه المليحة من طالبات علم وحب و(انجمامة) وأكل لذيذ.. سألنا صاحب مكتبة عن بيت البلابل فتبسم الرجل سعيداً لكونه يعرف الإجابة، وأشار إلينا قائلاً:
ــ تدخلوا بين عمود الكهرباء وعمود الاتصالات.. البيت الثالث على يدكم الشمال بس دا بيت البلابل.
كلمة وغطايتها
البيت أنيق بسيط جميل، تبدو عليه آثار صيانة حديثة، في قلبه تبلورت فكرة حديقة جميلة لم تنبت أزهارها بعد. طرقنا الباب المفتوح أصلاً، فأطل علينا الأستاذ الكبير مصطفى أمين متحاملاً على وعكته مبتسماً في بشاشة، وللأمانة لم نعرفه، فنحن من جيل لم يكحل عينيه بـ (كلمة) مصطفى أمين و(غطايتها)، العمود الصحفي الشهير بالمدرسة الصحفية المتفردة (الأيام)، وربما لأن الرجل أعطى (ولم يستبق شيئاً) من التوثيق، فرجل بقامة مصطفى أمين حري بهذا الجيل أن يعرفه فهو علم في مسيرة الإعلام السوداني.
ساكن الخلاء
سألنا أستاذنا مصطفى أمين عن تاريخ هذه المحطة، فقال الرجل مبتسماً في شجن:
ــ أنا سكنت هنا سنة 76 بعد الزواج، والبيت دا كان مميز لكونه مركب تركيبا زي كونتير كبير، ولم يكن الحي مأهولاً بالسكان.
ثم ضحك وقال ساخراً على زمن مضى:
ــ تعرفوا أنا لمن سكنت هنا الناس قالوا لي يا زول انت البخليك تسكن في الخلا دا شنو؟
*- ممكن تذكر لينا أوائل الناس السكنوا في محطة البلابل دي؟
ــ ناس البوشي ومعتصم علي التوم
*- لكن البيت أصبح مرتبطاً بالبلابل أكثر من مصطفى أمين؟
ــ صاح الناس بقولوا بيت ناس البلابل، فهن نفسهن عندهن معزة خاصة للبيت دا، ثم عدل الرجل في جلسته وقال مستدركاً في حنين: البيت دا كان عبارة عن حديقة.. كلوا أشجار وأقفاص طيور.. كان تحفة طبيعية.
الأستاذة بخيته أمين قالت: إن شقيقها كان يصر على بقاء بيته القديم، وعندما لم يكن هناك بد من تفكيكه وإقامة المنزل الجميل المشيد فوقه الآن حزن مصطفى حزناً شديداً وأضرب ثلاثة أيام عن الطعام.
أيام الصحافة
وبعيداً عن البلابل قريباً منهن لا بد لنا أن نقف إجلالاً وتقديراً في محطة الأستاذ مصطفى أمين الذي يعد من كبار الصحفيين السودانيين الذين وضعوا بصماتهم في مسيرة الصحافة السودانية.. فقد عمل سكرتيراً لتحرير صحيفة (الأيام) وما زالت تربطة علاقة مودة ومحبة وزمالة بالمحجوبين الأستاذين محجوب محمد صالح ومحجوب عثمان، كما ينسب لمصطفى التطوير الهائل لوكالة السودان للأنباء فقد شهدت فترة إدارته نجاحاً باهراً للوكالة، الشيء الذي جعل الرئيس نميري يجعل منها المحطة الأولى لكل الرؤساء والوزراء الزائرين للسودان.
الأستاذ محمد سعيد محمد الحسن قال:
ــ مصطفى أمين أول من أصدر النشرات العامة والخاصة والخاصة جداً من (سونا)، وقد كانت تمتاز بالدقة والمهنية العالية، وكانت النشرات العامة توزع على الصحف، فيما توزع النشرات الخاصة على الوزراء، أما النشرة الخاصة جداً فكانت من نصيب الرئيس جعفر نميري ومجلس قيادة الثورة.
سونا مصطفى
وقبل أن نغادر محطة البلابل نحكي حكاية البت الوكالة هل سمعتم بها؟
يعتز جداً مصطفى أمين بنجاحه الباهر وبصماته الواضحة في وكالة السودان للأنباء التي التقى فيها أيضا برفيقة دربه ونصفه الحلو نجاة طلسم التي كانت مسؤولة عن الإرسال الخارجي للوكالة، فلم يجد مصطفى شيئاً يترجم به هذا الحب والاعتزاز فسمى بنته (سونا) فأصبحت: (سونا مصطفى أمين)
وسوم: العدد 678