لؤلؤة دائمة البريق،...
٭ قبل أسابيع استمعت إلى أغنيتي (نجمة نجمة) التي يتغنى بها الفنان إبراهيم حسين، استمعت لها بصوت الفنانة الشابة مكارم بشير، فشعرت أن الأغنية بالرغم من مرور سنوات على كتابتها إلا أنها ظلت كما هي لؤلؤة دائمة البريق، ذكرني ذلك بكلمة قالها لي الفنان الموسيقار العاقب محمد حسن : إن هناك أغنيات لها قدرة هائلة على مقاومة الزمن، وذلك بما تحمله من صدق في الكلمة واللحن والأداء مما يكسبها قوة جعلت من النسيان منسياً أمامها.
٭ أثناء زيارة قام بها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم لأحد أصدقائه في إحدى الولايات الأمريكية، أصر عليه عدد من الطلاب السودانيين المقيمين هناك أن يلبي دعوتهم في إقامة أمسية شعرية يحضرها عدد من المهتمين بالشعر السوداني من مختلف الجنسيات، جاء وعد الأمسية فوقف صلاح على خشبة المسرح ليقرأ عليهم من قصيدته (دوريان قراي) فصمت الجميع وهم يستمعون إليه يحلق، وحين انتهت الأمسية سألته طالبة أمريكية انبهرت به من أين جئت بهذا الجمال؟.. فقال لها من مدينة حزينة العيون اسمها أم درمان.
٭ علمت من أحد الأصدقاء المقربين للشاعر الكبير عبدالرحمن الريح أنه أعجب بقصيدة صاغها رفيق أيامه الشاعر محمد بشير عتيق فاستأذنه أن يلحنها، احتضن عراب الأغنية السودانية وأخذ يدندن بكلماتها فجاء اللحن ليحلق بها إلى سماء غير هذه السماء، هكذا كان الفنان عبدالرحمن الريح يتسلم الكلمة ثم يمزجها بأحاسيسه، فيتكون منها عقد ماسي تتمنى كل عذراء أن تضعه حول جيدها.. الغريب في الأمر أن هذا الإنسان الرائع لم يتلقَ تعليماً أكاديمياً يذكر، ولكنه بالرغم من ذلك كان يضيء جمالاً شهدت به أغنيات خالدات قدمها لنا دون أن يسمع منا كلمة شكر ولن يسمعها أبداً، طالما كانت هنالك بنادق توجه إلى أجنحة العصافير.
٭ كان الأديب الراحل المقيم محمود محمد مدني من أصدق الناس الذين عرفتهم.. كان يترك مجلسنا غاضباً حين نبدأ في الحديث عن بعض (الشمارات) الخفيفة الخاصة بعدد من شعراء تلك الأيام، كان يضايقه كثيراً أن يرى إنساناً يصنع من سيرة الآخر مسرحاً للأكاذيب ولو كانت بيضاء ، كان يميل للصدق ، ويرفض تماماً كل من يتعرض إلى شجرته النيرة يرميها بحجر، قال لي مرة: أرى أن حبك للشمارات كاد أن يكون إدماناً ؟.. قلت له: أنا لست وحدي فإن هنالك فلاناً... وفلاناً... وفلانة كلهم (يشمشرون) فانفجر ضاحكاً.
٭ قال لي أحدهم: في حياة كلٍ منا أمنية مستحيل تحقيقها.. هل يمكن أن تحدثني عن أمنية لك مستحيلة؟ قلت له: أمنيتي المستحيلة أن أجد من حولي عيوناً تحن إلى رؤيتي لو غبت عنها ساعة ، أمنيتي أن تعود لي أيام لم تعد أيامي بل تحولت إلى مجرد أوراق صفراء تتناثر تحت أقدامي، أمنيتي أن أسافر على حضن سحابة تضعني على قمة التاكا أتناول فيها فنجاناً من القهوة نرتشفه سوياً أنا وطائر الخداري، إنها أمنيات تشعر أنها ليست مستحيلة ولكنها في العمق مستحيلة.
هدية البستان
نجمة نجمة الليل نعدو والسنين يا حليلنا عدو
وإنت ما عارف عيونك لما تسرح وين بودو
اخر لحظة
وسوم: العدد 685