نغم فى غيهب النسيان....
ربما كان هو الوحيد من مبدعينا الذين امتطوا صهوة الرحيل مبكرا، الذى لم أستطع الإلمام بما يشفى ظمأ البحث، محبة وتقديرا وإجلالا، عن سيرته
اعتدت دائما أن أبحث وأنقب فى سير واسفار مبدعينا الذين استعجلوا الرحيل، وحين بدأت الجلوس فى حضرة "محمد الحويج" لم يسعفنى لا الناس ولا الكتب ولا السؤال
فكل من سألتهم لم يوفوا بما أرغب، نصحنى بعض أصدقاء ممن يشاركوننى الإهتمام بذات الشأن أن آوى إلى كتاب ألفه الدكتور الفاتح الطاهر عن تاريخ الغناء والموسيقى فى السودان، فلربما أجد فيه بعض المعلومات عن محمد الحويج، ولكن لم أتمكن من الحصول على الكتاب حتى هذه اللحظة
رحل محمد الحويج مبكرا، مثل كل تلك الأشجار الباسقة الندية التى تخيرت مقعد سفرها السرمدى، وهل من قبيل الصدفة أن يرحل أفذاذ وهم فى ريعان عمرهم وذروة عطائهم فى عمر متقارب، فكرومة رحل وهو على أعتاب الأربعين ورحل سرور والأمين برهان فى نفس السن تقريبا، ومثلهم كثيرون
كل ما توفر لى عن محمد الحويج، هو أنه من ابناء منطقة شندى، وتحديدا من منطقة جبل أم على إن لم تخنى الذاكرة، قدم إلى العاصمة شأنه شأن أسلافه العظام من ذات المنطقة مثل "محمد ود الفكى" و"عبد الله الماحى" و من عاصره ايضا مثل "عثمان الشفيع" و"على إبراهيم" بدأ الغناء وأبدع عددا قليلا من الأغنيات
"على ربى أمدرمان" و "مين أحلى من حبيبتى مين" التى يتغنى بها المطرب "سيف الجامعة"، وغيرها من الأغنيات التى غطى وهجهها النسيان
غنى أغنية واحدة فى شكل "دويتو" بديع مع المبدع "عثمان حسين" وهى أغنية "كلمة منك حلوة كنت مستنيها"، ثم كون هو السنى الضوى وإبراهيم أبو دية "ثلاثى العاصمة" الذى أصبح "ثنائى العاصمة" بعد رحيله رحيله المبكر
الحويج واحد من حداة ركب الأغنية الطيبين، وعلى الرغم من عمره القصير مثل عمر العصافير والورود، ترك بصمة صوته وحلو شدوه وترنيمة غنائه الشجى فى مسيرة الغناء وغرس أنغامه فى جسد الجمال
فصوته ينبئك ومن أول وهلة بصدق عميق وإحساس لا يأتيه الباطل ولا الشك من جميع جهاته
صوت متفرد يأسر السمع والوجدان ويمنح الراحة والطرب.
أتمنى ممن يعرف المزيد عن هذا المطرب الفنان الجميل، أن ينال ثواب المزيد من التعريف وإلقاء الضوء عليه وعلى أغنياته وحياته القصيرة
فهو مثله مثل كل شئ جميل فى بلادنا الآن، مغطى بتراب النسيان والإهمال
وسوم: العدد 685