تطريب والوان...
أقاحي الروض
أبو داؤود "سلطنة الطرب"
الأقحوانة الثامنة من روض أبي داؤود
للذاكرة ألوان وروائح تحفِّـزها الصور وتشحذها الانفعالات فتترى لتدر أندى ما فيها تعبأ الذاكرة بالكثير من المدهش فلربما إستدعيته لحادث مماثل او دون ذلك فهي وفق أمر ما يرضي غرور الرغبة بك فكم من قصة حدثت بذاك الطريق وعلُقت بشخوصها وروائحها الدالة عليها في مخزون التذوق لدي الذاكرة، ذاكرة الألوان ترتبط ارتباط وثيق بذاكرة الروائح و الأصوات و للسير عبر الطرقات طعم و لون.
يبدو أبو داؤود يخطو علي صدر الطريق و هو بكامل هيئته كطيف آسر يزرع الطريق ضحكات و قفشات ومزاح كالطيب يدنوه الجميع فيكنزون و يمتلون.
جلابية الدبلان قاسمها العمر مشوار السنون فلم يلين ولم تبح ببنت شفة أو تقل رفقاً عليّا سعدت به إهاباً آدمياً يرتعش من وقع الطرب عليه عاركت معه الليالي و ناصفته صابون الحمام ليجليها صفيّة نقيّة تضاهي السكروتة في عهدها وان بدأ بعض التهرمل بحواف أكمامها و تنسلت بعض خيوطها فها هي شامخة به.
عرج أبو داؤود شماله ليدخل في شارع جانبي ثم يطرق بابا صغيراّ ليفتح ليدلف به بعوالم أخري، المجلس محفوف بكواعب أترابا و كأساً دهاقاً والحور هداهن هز الوسط والعرق أرتعش، كان المجلس تمامه محفوف بالنظام ثمانية أفراد كله مثنى إلاها وهو، حياهم و إبتسما ثم جلس علي حافة العنقريب فهمت قبالته رقاشة و بيدها ما يحب. .
عزيز يا لذيذ جيت
جيت يا رقشو بس الناس ديل مالهم هامدين كدي
ما تشغل نفسك ديل بي همهم
خير ربي يهدي سرهم
ليك عليّ يا عزيز و لومك بيّ إن ما أغير مزاجك
رحمة جيبي الدُهلّة و أهبكي خلي عزيز ينفش
جاءت رحمة بنت العقد الثاني و هي ترتدي قميص قصير و الله قد منّ عليها بنعائم و كنوز فبدأت رقاشة تغني
فوق اتبرا ام دالات
تلقي الجنون حالات
حسانها متقابلات
وفوق الحسن خايلات
فيضحك أبو داؤود و يبدأ الجميع في التحليق حول أبو داؤود و رقاشة تنادي تعالوا جاي قربوا الليلة ياما تشوفوا قول يا عزيز فيقول
قامات يُنع بانات
في حسنهن باينات
يتفدعن مايلات
ولاعبات في الجسم يايات
فتزغرد رقاشة و تنزل رحمة السباتة و ترتفع أصوات الحضور فتملك الطرب عبقري الخيال فيدلف لعوالم اللا محسوس من الطرب فيخلع نعليه ويدخل طاقية جيبه ويبدأ العرق بالتصبب فينظر لرحمة قائلا
يا الناعم جسمو ولان
يا رحمة مرضان هان
أنا من شفاك قنعان
بس نظرة تشفي البيّ
فترتفع الأصوات بالإعجاب والطرب يتملكهم ويسري السُكر بيهم فمن يؤاخذ الطروب إن طرب ورحمة تتمايل في إعجاب وغنج وعيناها علقتا به لكنه بارح مداها سابقا وحطت عيناه علي رقاشة فيضحك ليداعبها
بهرة خدود رقاشة
فوقك حلالي رقاشا
فوقك عاشة يا رقاشة
سيبي الصدود إهتمي بيّ
تضحك رقاشة و يبدأ المكان يعج بالناس من أين أتى هؤلاء ،
نظر ابو داؤود لرقاشة يمه انتي عازماني واللا عازمة أتبرا كلها، فيضحك الحضور ليرتفع صوته مع انخفاض للأصوات البشرية والطبيعية ليأتي صوته كأنه آتي من زمن سحيق و هو يغني.
قطارك مر سرعة
و شبت ناري والعة
أريتو يقيف قطارو
و أشوف في خدو دمعة
ويبدأ الصوت بالانسحاب الي كوة المجهول والظلام يعسكر علي نوافذ البصر فتتلاشي بالذاكرة حواس الصوت والبصر
أقاحي الروض
أبو داؤود ( سلطنة الطرب )
الأقحوانة التاسعة من روض أبي داؤود
أتبرا مدينة ولدت من رحم العطاء والكد تعج بالعمال ولحراكها موسيقا ييلغ صوتها كبد السماء، مدينة اهتمت بالزمن كقيمة لذا أضحت في زمن قصير علي مقدمة العطاء ما ذكر العطاء والبذل إلا ذكرت، جاءها نفر من بقاع مختلفة وأجناس عديدة لذا قلّ أن تشتم بها رائحة للقبلية أو الانطواء والانغلاق علي الذات استوعبت كل الوافد إليها وهضمته بكيميائها التي تعتمد علي عناصرها الخاصة ألا وهي عنصر الزمن هو صاحب النصيب الأكبر ومن ثم عنصر العمل وأخيراً عنصر الإذابة في المجتمع، كل السودان تمثل في مدينة أتبرا، بل وبعض الدول الأفريقية المجاورة.
هذه الفسيفساء الأخّاذة بتباينها ما بين الأعراق والعطاء ورائحة العمل التي تزين أبرولاتهم، اضافة للذاكرة الجمعية للمجتمع السوداني الكثير.
تمشّي أبو داؤود بين بقايا حديد المخارط و نشارة النجارة وبين بقايا حلم لا زال يعبث بالخواطر فيجعلها تلهث حتي يغني:
تعبت من ريدي
الزاد عليّ قيدي
لامتين يهل عيدي
ألقاو و نتسالم
الذيو وين يا ناس
خفة وظرف وإيناس
النظرة بي إحساس
و رب العباد عالم
أي و الله يا عزيز رب العباد عالم بس يغشا ويسالم
ممكونة يمه، ضحك الجميع وبدأت بوادر حالة ما بين الشوق والبكاء تعلو وجه رقاشة والدمع أصدق مُنبأ بالحال.
ربي يهدي سرك
و يكفيك شر يضرك
أقولك شيء في سرك
باكر يجيك وتنفشي
يضحك الجميع ، ورقاشة تمسح بكم فستانها أدمعها
الله يجازيك يا عزيز ضحكتني .
الدفء يملأ المكان وروح الدعابة أضحت سيدة الموقف، و بقايا أحزان خرجت في هدوء دون استئذان من أحد فضحت إحداهن بعد تحرك من جوارها أحدهم فألتفت أبو داؤود لرقاشة و قال لها
حال الحبايب فرحة وأنا حالي مقسوم لي شقا
عزيز بطل
يطرق الباب برفق فتهم رقاشة عليه ، و إذا بشخص يدخل و الدراجة بيده
أدخل يا حسن ما في زول غريب .
حياهم بهدوء ثم جلس
غني يا عزيز
درة سالبة عقولنا لبسوها طقوم
ملكة آسرة قلوبنا نبيت عليها نقوم
في الطريق إن مرت
فيرد حسن
بالخلوق مزحوم
كالهلال الهلا الناس عليه تحوم
فوقف أبو داؤود و نظر إليه ملياً ثم قال
شكيت محنك يابا
دا منو يا رشاقة المكهرب دا؟
بدأ أبو داؤود يقترب منه ويتعرف عليه والناس في همومهم بين إيناس ومزاح و طُرف ورداء الليل يدخل في عباءة الصباح.
أقاحي الروض
أبو داؤود "سلطنة الطرب"
الأقحوانة العاشرة من روض أبي داؤود
للطيِّب سطوة وللرحيق ألف جبرة، لذا تقف عند حضرته الأنفس للتشذيب وترتقي لمصاف الأرواح وإن استعصي عليها النوال يبقي الأمل في بلوغ الحلم دافعاً للولوج في سم الخياط، إنه الصباح بُعيد الشروق ها هو الزمن وللمكان عبق يختلف حيث للنيل جبرة وكبرياء وللأمواج خطو الخيلاء، و النسم يعبث بالأزاهر والمشاعر ووجه الماء ما شاء للطيب أن ينطل
جلس أبو داؤود علي شط النيل بحي السودنة مسقطاً نظره علي الجمال أينما عبق هائماً آنساً مستكيناً، لم يتخلل هدوء المنظر سوي صوت عصافير هممنا باكر للرواح حتي يعدن بطونا لصغارها، نظر للنيل ملياً ثم أدمع ويقطرن علي خديهن غزارا و أنشد:
إلهي أنت أعلم بحالي فسألك البلوغ إلي النوال
و ألهم قلبي المملوء هماً وزل عنه مصارعة الحبال
و صلني بحبلك دون فصل و سامحني إن عز الوصال
فسكنت النيل وارتعشت أوصاله وماجت أفرع وأغصان وذابت حيوات وبقيت حياة تحتشد بها الجنان بولدانها وحورها والطيف يسبح بين أحلام الزهور والطيب أصدق ما يكون. .
ضربت صافرة أتبرا فلملم أبو داؤود ملامح وجهه التي تقاسمت ما بين البكاء و الرضا بأمر القضاء و هم بالرحيل للعمل.
صافرة سكة حديد أتبرا تمام النظام والانتظام و قيمة الوقت بمدينة العمال، لا تزال تلك الصافرة تعبث بأذني أبي داؤود بعد أن عبثت ورجت بدواخل الجمال المترامي الذي كان يعيشه أبو داؤود علي شط النيل، صافرة يبلغ مداها ثلاثون كيلو متر مربع انتظام.
الكل بدأ العمل لا يوجد خارج الورش إلا بقايا صباح توشك علي الأفول وبعض ماعزَّ تتحسس رزقها بين قضبان القطار وطالب تأخر عن الطابور الصباحي هو وحده الذي شق صف تمام الصافرة، سيعاقب فهذا من باب البر بالنظام كيف لا وهي أم المدينة من عصاها يعاقب علي قدر معصيته
تحتل الضوضاء مداخل السمع والصوت يتوه علي حافة القضبان ويرتحل السكون الي كوته الي أجل قريب وتدب الحياة بالمدينة ويهرب الكسل.
وسوم: العدد 688