وراءك
سبعون دقيقة ليست كافية لتوضيح المشاهد المفصلة من حياة المربية رُدينة وتد أبو فريحة "رحمها الله"في قصة من الواقع في فلم "ورائك-من خلفك" مع شخصياتها الحقيقيين، من لم يشاهد الفلم ليسارع في الإستمتاع بمشاهدته... الفلم مترجم للعربية والعبرية..
قصة تحدي بدأت في أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر... زفاف ردينة فلاحة من جت المثلث من زوجها المهندس البدوي في تل السبع ..لم يكن موافقة الأهل من كلا الطرفين يعني الرضا على الزواج... ولا قرار توطين عائلة أبو فريحة الشابة فيما بعد زوجين وخمسة أطفال في مستوطنة عومر التي بدت على ملامحها كطبقة رفاه اجتماعي ثرية المعالم والحضارة والتي كانت تبعد خمسة كيلو متر من الموطن الأصلي للعائلة تل السبع..
تكبر العائلة المنكرة بعيداً عن الجذور تحت تربية وثقافة جديدة لشعب آخر وذلك تخوفاً من كل العادات البدوية المعقدة آنذاك وليضمنوا حياةً أفضل لأبنائهم ..
تل السبع بأطفالها شهدت على مدى أعوام عطاء المربية الفاضلة ويزيد على ذلك الكفاح الأبوي من أجل تربية أبناء مثقفون والذين ترعرعوا على عادات ليست عادات جذورهم ولاقوميتهم ولا دينهم..
يتحدثون العبرية وينسون لغة الأم.. الجميع يطمح بالحريه الفكرية التطور والتعليم على هذا الأساس استقل كل فرد من العائلة قاطرته وسافر فيها إلى دراسته كطبيب وطبيبة ومنتجة فنية...في حضن هذا البيت المحب المعطاء.
ويتحول ربيع هذا البيت بعد مرض الأم إلى خريف وتبقى ردينة تلتقط أوراقها المتساقطة لتبني جداراً من الأمل وتهرب رغم أوجاعها من الألم والوحدة إلى إصرارها على قرارها وزوجهاالعيش في "عومر" وتواجه وحش اسمه سرطان ترافقها ابنتها رنا رحلة المرض والعلاج ..
وبما أنها مواطنة من عومر من البديهي أن تدفن في بلدها ع و م ر.. (جت، تل السبع) يفتح موضوع الدفن أسرار العائلة وأسئلة صعبة حول هوية الأم وقوميتها بالمقابل مع موافقة البلديةالتي لم يمر عليها مثل هذا الحدث ،أن يدفن مواطن مسلم في مقبرة يهود ،فإنه حسب التوثيق الطبيعي للمواطنة وحق السكن يقدم حق الدفن مع عشرين عام في استيطان هذه البلد..
فتزعزع قضية الدفن والهوية والقومية أفراد العائلة..
هل تغطى الأم برمل تل السبع الذين نبذوها أم بتراب موطنها الأول لعدم وجود مقبرة مشتركة تجمع أموات كل الطوائف..
الإبنة رنا تقدم الفلم المصور في مقاطع مختلفة من محطات حياة والديها وإخوتها ،العطاء، التحدي ،الألم ،الصبر والأهم من ذلك قضية الإنتماء القومي .. وكيف تتم معالجة قضية دفن الأموالتي صعدت مناجاتها للخالق في ذكرها...
نرى قوة الرابط العائلي ،وصورة الأب الذي رافق زوجته حتى أخر دقيقة من عمرها ولجمالية العلاقة والمودة بينهما تشكره على وقفته وخدمته لها في حين نعتته بقسوة كبدوي عندماأخبرها بزيارة أشخاص ومن الطبيعي أنه كثيرا ما يصعب على المريض مقابلة زوار، مؤمن بالله يقوم بالفرائض الدينية وصلاة .
قضايا تتشابه ( الإنتماء الهوية،المرض واتخاذ القرارات) ويختلف أصحابها في مواطن ومواقع أخرى ...
وعني إتخاذ القرارات يجب أن يكون مبني على تطلع بعيد المدى والنظر في مدى تأثيره على المحيطين بنا والأقارب أو الأصدقاء وذلك لقوة تأثيره سلبيا (في معاناتنا أو معاناة من حولنا)أو إيجابيا ...
وبناءًعلى ذلك نحن لم نقررمكاناً ولا زماناً لأي عائلة نولد ومن ثم لا ندري في أي أرض نموت....
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) لقمان
لقد نجحت رنا أبو فريحة في اخراج وتصوير واقع فلمها
رغم صعوبة المواقف وذلك دعما من الوالدة المريضة التي عاتبتها العائلة على إتخاذ قرارها وانفصالها عن الأهل وبدورها كانت تقول دائما لأولادها كنت أريد لكم الأفضل حياة جميلة مريحة مثقفة بعيدا عن العادات القبلية ،كما ونجحت في توثيق صور من ألبوم العائلة اذ كان عامل التصوير لمشاهد عائلية مناسبات وأعياد عاملاً موثقا خادماً للفلم. وتوثيق مواقف الدواماتالتي عاشها أفراد العائلة.
تنتهي حكاية العائلة ولا تنتهي إذ تقول ردينة لزوجها أهديتك في قصرك خمسة غرف قاصدة أبناءها ولك أن تختار زيارة إحداهما متى شئت وعلى ما يبدو أن رائحة الأم تلُم في مثلنا العربي فقد حزم الأبناء حقائب سفرهم ليعود كلٌ فيهم إلى مشاغله بعد وفاة الوالدة التي تم دفنها في جت المثلث وقد شارك أهل الزوج الجنازة وصعب على الأبناء الجلوس من أجل الأخذ بالخاطر،ويبقى الأب وحيدا في قصره فيزيائيا ،وكما صرحت الابنة رنا بدأ الأب بترميم البيت ،وكان السؤال هل من حقه الزوجة الثانية فإن عادات البدو خاصة أهل النقب كانوا يجمعون بين أربع نساء..
وسوم: العدد 753