رجل الساعة 9
كان أبي فارساً من رجال "الزمن الجميل" الزمن المحافظ الذي يحترم التقاليد والعادات كأنها دين، لكن أبي امتاز عن رجال ذلك الزمن بروحه المرحة وعقله المتفتح، فكان يترك لي ولإخوتي الحرية التامة باختيار ما نريد من الأصدقاء، وقراءة ما نحب من الكتب .
لكن أبي في الوقت نفسه كان رجلاً متشدداً في التقاليد العائلية خوفاً علي وعلى إخوتي فلم يكن يسمح لنا بالتأخر ليلاً عن الساعة التاسعة، إلى درجة جعلت أصدقائي يتندرون علي فيدعونني "رجل التاسعة" !
ومضت الأيام ..
وكبرتُ وتزوجت، فحدثت نفسي بالانعتاق من التقاليد ومن عقدة الساعة التاسعة، وفي ليلة صيفية ناعمة جهزت نفسي وزوجتي للخروج إلى سهرة لا تتجاوز التاسعة فحسب بل تتجاوز الليل كله، فاستوقفني أبي وقد ضبطني وزوجتي لدى الباب، ونظر إلي بعينين عسليتين تبرقان بمكر حنون، وقال :
- لا تظن نفسك صرت زلمة تسهر خارج البيت على كيفك !
( وأخرج من جيبه ساعته العصمانلية ونظر إلي وقال :
- قبل التاسعة ستكونونان هنا، أليس كذلك!ة؟
فنظرت زوجتي نحوي بعينين عسليتين تبرقان بمكر غير حنون ونترت برأسها، فالتفتُ إلى أبي بعينين مطرقتين وأجبت :
- حاضر بابا .. أمرك .. سنكون ..
واليوم ..
بعد مضي عشر سنوات على زواجي انظر فأرى حولي أحد عشر ولداً وبنتاً فأدرك حكمة أبي بذلك البيات المبكر، وأترحم عليه وعلى الزمن الجميل .. زمن الساعة التاسعة الذي مضى ولن يعود .
وسوم: العدد 764