ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة!
لحظات بهيجة تسربت إلى كياني وأنا بعيدة عن صخب المدينة .
هل ترفق بي الزمن بعد أن كان ضنيناً ؟
أم هي رحمة الله شملتني ، ودفعت بي إلى عالم مغاير؟
مشاعر لذيذة تحيط بي وأنا في سفر في بر، تسافر معها أحلامي إلى آفاق البراري والفضاء ، تسرح فيها روحي ، وكأن يداً رفيقة تأخذني إلى عالم التأمل في الطبيعة البكر، والبراءة من كل زيف وتصنع .
طرقات تتلوى بحذر حيناً ، ورعونة حيناً آخر في الأرض الفسيحة ، وبين تلال وتلاع تخفيها في طياتها غامضة محيرة ، سرعان ما تنجلي بإشراقة وبهجة .
خيام البدو متناثرة في كل ناحية ، يداعب النسيم ذوائبها ، ويراقص اللهب في الموقد ، وينشر رائحة الخبز المشوي فوق الجمرات .
أطير بجناحين غير مرئيين ، أقف عند أفراد البدو ، أرى صغارهم يجرون حفاة ، أشبه بالعراة ، يقفزون بخفة فوق الحصى ، تلوح وجوههم أشعة الشمس بسمرة عشقتها الطبيعة ، .. ثم أراني أقارن بينهم وبين صغارنا ، أبشارهم تكاد تنفجر من الشفافية والغضاضة ، لم تعركهم الحياة ، ولم يعركوها ، ولم تنغرس أقدامهم بتراب الأرض ، ولم تجرحها الحصى والشوك .
ابتسمت وقلت بغيرة :
ـ أغبطك يا بدوي ، يا أليف الطبيعة ، عقدت صداقة ومحبة معها .
خذ عيشي في المدن ، من خلف الجدران الكثيفة ، من الأمكنة المحدودة بحواجز الحضارة ، دعني أحيا زمناً في خيمتك ، تتسلق عيناي كل أفق ، أمتطي الغيمات ، أقبل أزهار البرية ، أنتشي بعطرها ، أتأرجح بفروع الأيكات ، أستمتع بزقزقة الطيور، وأرتوي من الغدران الرقيقة ، وأتذوق ثمار البرية .
آه ! أراني أرتعد ، ماذا دهاني ؟
فقفزت وأنا في موقعي من الخيال ، نظرت بين قدمي ... هل أحتمل رؤية عقرب أو أفعى ؟
لا ، لا ....
إذن ... فلأكتف بالخيال ، وأتذوق متعته ، من خلال لحظات التأمل والمقارنة .
حقاً :
البدوي صديق كل شيء في الطبيعة ، ونحن صديقنا التأمل الشفاف في الكون ، والإيمان بالله بديع السموات والأرض .
ضحكت باصفرار، تساءلت :
هل نحن نعيش في صفاء ونقاء ، أم يلازمنا الخوف والشقاء ؟
إننا مع عقارب وأفاعي ، وذئاب كواسر تغزونا من أرض الحضارة والفساد ، وتلدغنا في أعماقنا ، وفي عقيدتنا وإسلامنا ، وتمزق أجسامنا .
لهفي علينا .
ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة ، والعيش مع وحوشها ، إن لم نؤذها لم تؤذنا .
وسوم: العدد 796