جندي !
اختلست النظر إليه من زاوية عيني اليمنى فألفيته يفعل نفس الشيء . نظرت إليه مباشرة فأشاح بوجهه . لم تفتني ملاحظة الاضطراب الخفيف الذي نبض في وجهه الخمري الفاتح . ولما لحظ أنني لا أقصي عيني عنه تنحنح وقال : أعرف ما تفكر فيه . تقديرك صحيح . أنا عربي .
فكلمه الجندي الجم الشقرة الجالس يساري بالعبرية فرد عليه بنفس اللغة .
قال يحدثني : يحذرني من كشف هويتي لك .
قلت : عربي وتخدم في الجيش الإسرائيلي ؟ تحارب أمتك وإخوانك في الدين !
_ هذا ما حدث . يجندوننا .
_ أجبروك ؟
_ يعني . ليس مباشرة .
فوجئت بقطرة دم تحط على أنفي تتبعها ثانية على صدري . خلال تفتيشهم البيت طلبوا مني فتح خزانة الملابس ، وبعد ذلك طلبوا فتح أدراجها . جلست أفتح ثلاثة الأدراج ولما انتهيت نهضت . كنت ما أوصدت مصراعي الدولاب الكائنين فوق الأدراج فصكت زاوية المصراع الأيسر رأسي .
سارع يفتح حقيبة أدواته . قلت ماسحا الدم من فوق أنفي : ماذا تنوي أن تفعل ؟
_ سأعالج الجرح .
_ لا .
_ لماذا ؟
_ لا أريد .
_ تعاملني كيهودي ؟
_ أنت أسوأ من الأشقر الجالس يساري ومن بقية الجنود الذين كانوا هنا .
هز رأسه وقال : أكشف لك سرا يخصك شخصيا ؟
_ سر يخصني أنا ؟ وتكشفه أنت ؟
_ نعم .
_ لعلك كنت ابن صفي وزميلي في اللعب ونسيت أنا ذلك !
_ لا تسخر ! تذكر آخر مرة جاءت فيها دورية الجيش إلى الحارة ؟
_ أذكر .
_ تذكر الجنديين اللذين كان يتقدمان نحو بيتك ويد كل واحد على الزناد ؟
_ أذكرهما .
_ أمرك أحدهما بالعبرية بالدخول ، ولم تدخل ؛ لأنك لم تفهم كلامه ؟
_ نعم .
_ ودخلت لما كلمك الجندي الثاني بالعربي ؟
_ حصل .
_ أنا ذلك الجندي . كاد يقتلك لولا أنني نبهته في سرعة إلى أنك لم تفهم كلامه العبري . قل لي شكرا !
_ ...
_ أمي توصيني دائما ألا أقتل أو أجرح أحدا في غزة . كل إجازة تسألني إن كنت جرحت أحدا .
_ من يدخل الوحل كيف يرجو النظافة ؟
_ أحببت فتاة واتفقنا على الزواج وعندما التحقت بالجيش هجرتني وحلفت ألا تكلمني . نحن مواطنون في إسرائيل وننجر أحيانا إلى ما لا نحبه ولا ترتاح له ضمائرنا .
_ كل هذا لا يجعل خدمتك أنت وأمثالك مشروعة في جيشها . أي عدو تحارب ؟ أهلك !
_ نحن في محنة .
كنا نجلس على درج مدخل البيت ، وكانت بطاقة هويتي محتجزة مع الجندي الآخر . رن اللاسلكي الذي يحمله .
اتصل به قائد السرية التي انطلق جنودها يفتشون بيوت الحارة . أعاد إلي البطاقة وانصرف الاثنان .
بعد دقائق تعالى إطلاق نار وصرخات . تدافع الناس يفرون من الحارة . هاجم مقاومون الدورية . استشهد اثنان من المقاومين ، وقتل الجندي وزميله .
وسوم: العدد 806