اللص المخدوع
الحكمة من القصة : ( لا تصدق كل ما تسمع .. ولا تسمع كل ما يقال ) ..
كان يا ماكان ،، في قديم الزمان ،، تاجر غني اسمه عثمان يعيش مع زوجته نوران ،، في مدينة اسمها جيزان ،، وكان الزوجان الحبيبان يعيشان في رغد من العيش ،، في قصر منيف وخدم وحشم وفرش ورياش ، إضافة إلى كمية كبيرة من النقود والمجوهرات الثمينة ..
وفي ليلة من الليالي المقمرة ، نام جميع من في القصر وبقى التاجر عثمان ،، مع زوجته نوران يتحدثان ويتسامران ،، وبينما هما على هذه الحال أحس التاجر بحركة غير عادية قادمة من السطح وسمع صوت همس ، فأنصت فعرف أن اللصوص قد تسلقوا ظهر بيته ،، ويريدون الدخول إلى القصر ليسرقوا منه ما تطول أيديهم إليه ..
نظر التاجر عثمان في وجه زوجته نوران .. وقال لها في همس : إني لأحسب أن اللصوص قد تسلقوا سطح القصر وأنا سأتظاهر بالنوم فأيقظيني بصوت مرتفع يسمعه اللصوص ، واسأليني عن الأموال الكثيرة التي جمعتها ، والكنوز العظيمة من أين أتيت بها ، وإذا امتنعت عليك .. ألحي علي بالسؤال واستحلفيني حتى أقول لك .. قالت الزوجة آمرك مطاع يا زوجي العزيز ، وعند ذلك دارت بين الزوجين المحادثة التالية بصوت مرتفع يسمعه اللصوص المتواجدين على سطح القصر :
الزوجة : يا زوجي العزيز .. يا عثمان
الزوج : كفى يا امرأة .. لقد حان وقت النوم ..
الزوجة : ولكني لا أستطيع النوم .. انهض نتسامر ساعة أو ساعتين لعلي أستطيع النوم بعد ذلك ..
الزوج : أوه .. يا زوجتي العزيز ة ما هذا الإزعاج نامي الآن فقد مضى من الليل أكثره ..
الزوجة : آه يا زوجي العزيز .. الوقت لا يزال مبكراً ..
الزوج : بل حان وقت النوم .. دعيني لأنام واستريح لأصحى مبكراً وأذهب إلى عملي ..
الزوجة : لا يازوجي العزيز لن أتركك تنام حتى تخبرني ..
الزوج : أخبرك !! عن ماذا في هذا الوقت المتأخر ..
الزوجة : لقد أصابني الأرق ولن أتركك تنام حتى تحدثني عن ..
الزوج : (بشئ من العصبيه) أعوذ بالله منك أحدثك عن ماذا في مثل هذا الوقت بعد منتصف الليل ..
الزوجة : أريد أن تحدثني عن أموالك وكنوزك !! ..
الزوج : وماذا بها أموالي وكنوزي !!؟..
الزوجة : أموالك وكنوزك من أين أتيت بها ومن أين جمعتها وكيف اجتمع لك كل هذه الأموال الطائلة .. وأنت لم تتجاوز الأربعين من العمر !! ؟ ..
الزوج : أعوذ بالله منك .. وهل أيقظتيني لتسألين عن هذا السؤال السخيف !؟..
الزوجة : أريد أن أعرف .. من الحلال أم من الحرام جمعت كل هذه الأموال ؟..
الزوج : من والدي .. ميراث من والدي .. ( ويعود إلى النوم ).
الزوجة : ولكنك قلت لي مراراً أن والدك كان فقيراً معدماً ومات وهو لا يملك مصاريف دفنه ..
الزوج : استغفر الله العظيم ... استغفر الله العظيم .. وأعوذ بالله منك يا امرأة عن هذه الليلة المنكرة ..
الزوجة : حدثني ... أجيبني على سؤالي وأتركك تنانم ..
الزوج : أرجوك يا زوجتي أن تنامي ولا تسأليني عن هذا الأمر فلربما سمعه أحد من الناس فيكون فيه الخسران الكبير لنا ولسمعتنا ..
الزوجة : ماذا تقول !! ؟ إذن في الأمر سر تخفيه علي كل هذه الأيام ..
الزوج : ليس كذلك .. ولكن حرصاً على سلامتنا وسلامة أموالنا وسمعتنا ..
الزوجة : وهل أنا لست أهلاً لكتمان السر ؟..
الزوج : لا أدري بالضبط .... النساء كلهن .....
الزوجة : ( تقاطعه ) أعدك بكتمان السر وأن لا أبوح به إلى أي مخلوق كائن من كان ..
الزوج : إن في الأمر سراً خطيراً لا أود أن يطلع عليه أحد وإلا أضعت حياتي وحياتك ..
الزوجة : لقد شوقتني يا رجل وأثرت فضولي لمعرفة ذلك .. هيا قص علي قصتك وثق بأنني لن أذكر ذلك لأحد ..
سمع اللصوص كلام الزوج والزوجة فأنصتوا يستمعون بقية الحديث ليعلموا سر هذه الثروة الكبيرة فلعله ينفعهم في مهنة اللصوصية أو يبعدهم عن هذه المهنة إذا كان العائد ثروة طائلة مثل ثروة هذا الرجل ، ولما عاد الحديث بين الزوج والوزجة أنصتوا مصغين لما يدور بينهما ..
الزوج : أجل أقول لك سر خطير إذا اطلع عليه أحد ربما خسرنا كل شئ ..
الزوجة : تقول سر خطير .. وأنا لا أدري عن هذا السر شئ كل هذه الأيام !! ..
الزوج : أجل يا عزيزتي سر خطير .. ويكفيك أن تنعمي بهذه الثروة الطائلة وأن لا تتدخلي فيما لا يعنيك ..
الزوجة : بل يعنيني يا زوجي العزيز .. وأنا الآن مصره أكثر من قبل على معرفة هذا السر .. آه لقد أثرت فضولي ..
الزوج : حسبي الله ونعم الوكيل ،، سأخبرك وأمري إلى الله ..
الزوجة : تفضل يا سيدي ،، فنحن الآن وحيدين ولا يوجد من يسمعنا أو ينصت إلينا ..
الزوج : أخبرك يا زوجتي العزيزة أنني لم أجمع هذه الأموال إلا من السرقة "نظر اللصوص في وجوه بعضهم بدهشة واستغراب ثم فتحوا آذانهم يستمعوا بقية الحديث فقد أصبح هذا الأمر يهمهم ما دام ضمن اختصاصهم" ..
الزوجة : السرقة يا عزيزي .. آوه ... آوه .. من الرجال السرقة وأنت الذي تتظاهر بأنك شيخ الإسلام ... حسبي الله ... حسبي الله ونعم الوكيل ..
الزوج : لقد تبت الآن من هذه المهنة ، ولقد حاولت جاهداً أن لا أخبرك ولكنك .....
الزوجة : ولكني أصر الآن على سماع بقية الحديث .. هيا أكمل يا زوجي العزيز ..
الزوج : حسبي الله ونعم الوكيل ... لقد كان الأمر فيما مضى .. ولقد انتهى الآن وانقضى ....
الزوجة : أكل يا عزيزي .. وكيف كان ذلك .. وما كنت تصنع وأنت عند الناس من الكرام البرره ، المعهود لهم بالتقوى والصلاح ..
الزوج : لقد كان لي ذلك لعلم أصبته من بعض شيوخ هذه الصنعة ..
الزوجة : شيوخ هذه الصنعة .. أي صنعة هذه يا رجل ؟..
الزوج : أرجو أن لا تقاطعيني .. أقصد صنعت السرقة ، فلقد علمني أحدهم علماً أصبح به الأمر يسيراً ، أقوم بالسرقة ببساطة ويسر آمن من أن يراني أحد أو يتهمني أحد أو يرتاب بي أحد ..
الزوجة : أكمل .. أكمل يازوجي العزيز ، فلقد شوقتني إلى معرفة سرك ..
( كان اللصوص في أعلى السطح يفتحون آذانهم لمعرفة السر الخطير ) ..
الزوج : لقد كنت أذهب مع بعض أصحاي الخلص .. في الليلة المقمره حتى أعلو دار بعض الأغنياء .. فأبحث عن كوة يدخل منها ضوء القمر ، ثم أتكلم برقية سحرية تعلمتها من أحد شيوخ هذا الكار ..
الزوجة : رقية سحرية .. أكمل يا عزيزي فقد زاد بي الشوق ..
الزوج : أجل رقية سحرية لا يعلمها إلا قليل من الناس ..
الزوجة : وماهي هذه الرقية السحرية يا عزيزي ..
الزوج : أقولها لك ولكن إياك أن تذكريها أمام أحد .. ولسوف أجرب ذلك أمامك في ليلة من الليالي المقمره ..
الزوجة : حسنٌ ... أخبرني عن هذه الرقية ..
الزوج : كنت أقول ( شولم .... شولم ) سبع مرات متتالية ، ثم أقول ( لا لا ... هوب ... لا لا هوب ... ) سبع مرات متتالية ثم أتعلق بخيوط أشعة القمر الداخلة من الكوة فأسقط بهدوء إلى صحن الدار فلا يحس بوقوعي أحد ..
الزوجة : أجاد أنت فيما تقول يا عزيزي ..
الزوج : كل الجد .. وسأجربها لك في ليلة من الليالي بعد أن نصرف جميع الخدم والخشم من القصر ، كيلا يطلع على هذه الرقية أحد ..
الزوجة : أعد لي هذه الرقية من فضلك ..
الزوج : ( شولم ..... شولم ... ) سبع مرات ثم ( لا لا هوب ..... لا لا هوب ... ) سبع مرات...
الزوجة : ( ترددها مرة أخرى ليسمع اللصوص المصغين إليها مرة أخرى) (شولم ..... شولم ... ) سبع مرات ثم ( لا لا هوب ..... لا لا هوب ... ) سبع مرات...
الزوج : أحسنت لقد أصبحت سارقة محترفة الآن .. هيا إلى النوم فقد كلت عيناي من النعاس ... ( يتمطى ويتثائب بصوت مرتفع ) ...
الزوجة : لا يا عزيزي وماذا بعد ذلك .... هيا أكمل ....
الزوج : حباً وكرماً .. وعندما أسقط بهدوء وأمان في صحن الدار أجمع ما خف حمله وغلا ثمنه ، ثم أقف مكان ضوء القمر القادم من الكوة فأعيد قراءة الرقية ولكن بشكل معكوس فأقول : (لا لا هوب .... لا لا هوب سبع مرات ثم أقول : (شولم ..... شولم .... ) سبع مرات وأتعلق بأشعة الضوء فيجذبني إلى أعى فأصعد إلى أصحابي فنمضي سالمين غانمين حيث نقوم بإقتسام هذه السرقة ..
الزوجة : أمر غريب حقاً يا زوجي العزيز ..
الزوج : والأغرب من هذا أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل إلا مرة واحدة في الليلة .. وإذا قام بهذا العمل مرة أخرى في نفس اليوم سقط وتكسرت أضلاعه ..
الزوجة : أمر غريب كل الغرابة .. وهل يتجرأ إنسان على هذا الفعل المهلك يا زوجي العزيز ..
الزوج : هنا تكمن الصعوبة ، فما على من يريد أن يفعل ذلك إلا أن تكون لديه الجرأة فيسلم نفسه إلى حبال الضوء ويتعلق بها وينزل عليها ، فاكتمي هذا الأمر وإياك أن تعلميه لأحد ..
الزوجة : وهل أنا مجنونة لأعلمه للناس ، وأقطع باب الرزق الواسع المفتوح أمامنا ..
الزوج : أرجو أن تنامي الآن فقد كلت عيوني من النعاس ..
الزوجة : حباً وكرماً ..
( فلما سمع اللصوص كامل الحكاية ، فرحوا فرحاً شديداً وقالوا لقد ظفرنا الليلة بما نريد ، ثم إنهم أطالوا المكث حتى تيقنوا أن صاحب الدار وزجته قد هجعا وأسلما نفسيهما إلى النوم العميق ، نظر اللصوص إلى القمر وهو في ليلة البدر وبحثوا عن كوة مقابلة للقمر تدخل منها أشعته الفضية وتبادلوا الرأي من سيكون أول النازلين فكان زعيمهم هو الرجل المطلوب .. فقام ووقف أمام الكوة وقال : ( شولم ..... شولم .... ) سبع مرات ... ثم أتبع ذلك ( لا لا هوب ..... لا لا هوب .... ) سبع مرات . ثم تعلق بحبال الضوء لينزل إلى أرض القصر فوقع على أم رأسه .. فوثب إليه الرجل بهراوته ليكمل عليه ضرباً وركلاً ..
الزوج : لقد وقعت يا عدو الله ..
الزوجة : ( تقف أمام اللص وهي تقول ) : لقد أخطأت قراءة الرقية فكررتها ست مرات بدلاً عن سبع مرات حتى سقطت هذه السقطة المشؤومة ..
اللص : اغربي عن وجهي أيتها المرأة الشمطاء ..
الزوجة : طبعاً سأتركك لزوجي ليصفي حسابه معك ..
الزوج : ( يخلع قناع الرجل ويسأله ) : من أنت أيها اللص المحتال ..
اللص : وهو يتوجع من أثر الوقعة ( آه ... آه ... آه أنا المصدق المخدوع المصدق بما لا يكون أبداً ..
وهنا تعاون الزوج والزوجة على ربط يديه ورجليه بحبل متين وتركوه في إحدى زوايا المنزل ليسلمه في صباح اليوم التالي إلى القاضي لينال جزاءه مع عصابته من اللصوص ..
وسوم: العدد 807