اللص الأحمق ..
كان يا ما كان في قديم الزمان ..
كان هناك رجل فقير اسمه سمير ..
يعمل خادماً في بيت من بيوت التجار ..
وكان صاحب البيت من الأغنياء الكبار ..
كان سمير رجلاً أميناً ..
ولأهل البيت مطيعاً ومعيناً ..
طيب النفس ..
صادقاً لا يكذب ولا يغش ..
أحبه أصحاب البيت حتى أصحبوا ينادونه العم سمير ..
لفرط ثقتهم به ..
ومحبتهم له ..
وأثناء بجواله في السوق ..
تعرف العم سمير على رجل اسمه معتوق ..
ودار بينهما الكثير من الكلام ..
وأحياناً السباب والشتائم والخصام ..
ولمعرفة سبب الخاصم ..
لنستمع إلى الحوار الذي دار بينهما يا سادة يا كرام ..
معتوق : إلى متى تكد وتتعب وتجد وتنصب مقابل لا شي ؟! .
سمير : مقابل لا شي ! استغفر الله العظيم من الكلام السيئ .
معتوق : أجل مقابل لا شي .
سمير : بل مقابل أجر متفق عليه من أصحاب القصر .
معتوق : " يضحك طويلاً " وهل تسمى هذه الدريهمات القليلة التي لا تسد الرمق أجراً ؟! .
سمير : هذه الدريمهمات ليست أجراً .. إنما وفراً ..
معتوق : ماذا ؟ ماذا تقول ؟! .
سمير : أقول وفراً ، فأنا آكل وأنام وألبس وكل حاجياتي بالمجان.
معتوق : " يضحك بشكل وقح وبصوت عالٍ " تأكل وتشرب وتنام؟! وكذلك البهائم تأكل وتشرب وتنام ، وكلنها لا تعمل كما تعمل أنت طوال الليل والنهار !.
سمير : أعوذ بالله منك !! ما هذا الكالم السمج يا معتوق ؟ دعني وشأني فأنا راضٍ بما قسمه الله لي ..
معتوق : توقف .. توقف يا سمير فأنا لم أقصد إزعاجك ، أنا إنما أريد مصلحتك .
سمير : كل هذا الكالم السليط السافل ولم تقصد إزعاجي !! .
معتوق : إنما أردت أن أنبهك على الحال التي أنت فيها ، العمر يمر بسرعة يا أخي سمير .
سمير : أعرف ذلك .
معتوق : على كل الأحوال تعال معي أعزمك على كأس عصر في دكان العم بشير لتصفح عني .
سمير : كف عني لسانك السليط هذا وأنا غني عن عزومتك .
معتوق : لا والله إلا أن تشرب العصير على حسابي وتريح بذلك أعصابي ، تفضل .. تفضل .
سمير : أمرنا لله ، تفضل لنشرب العصير عند العم بشير واللي بدو يصير .. يصير .
معتوق : ( يتأبط يد العم سمير ، ويذهبان لتناول العصير ) هل أنت راضٍ عني الآن يا سمير ؟ .
سمير : نوعاً ما .
معتوق : لا .. لا يا صاحبي والله لا أتركك إلا وأنت على أكمل حال وأهنأ بال .
وتمر الأيام تتبعها الأيام والسيد معتوق يوثق الصلة بالخادم سمير ويظهر له الحب والمودة حتى توثقت العلاقة بينهما وأصبح كل مهما لا يفارق الآخر طيلة وقت الفراغ ، وفي أحد الأيام جلس كلُ من سمير ومعتوق في المقهى يشربان الشاي ويتحاوران .
معتوق : كيف الأحوال الآن يا أخي سمير ؟ .
سمير : مستورة ، تعب كثير ومرتب قليل .
معتوق : عندما ذكرت لك ذلك منذ أعوام اتهمتني وأغلظتى علي الكلام .
سمير : الأيام تمر والأعوام تمر ولم أستطع أن أدخر إلا القليل من المال .
معتوق : آه يا سمير.. آه لو كنت مكانك لأصبحت من الأغنياء .
سمير : أعوذ بالله ، ماذا تقول يا معتوق ؟ .
معتوق : أجل لأصبحت من الأغنياء ، ما ضرهم لو زادوا لك أجرك أو منحوك منحة تسير بها أمرك .
سمير : ولكنهم لم يفعلوا .
معتوق : إذن تدبر أمرك وخذ مهم حقك .
سمير : ما الذي تقوله يا صحابي ؟! كيف أتدبر أمري وآخذ حقي؟!.
معتوق : غداً عندما نلتقي سأضع لك خطة وأساعدك على تنفيذها.
سمير : ماذا ... ؟! خطة وتساعدني على تنفيذها ! .
معتوق : أجل يا صديقي العزيز ، يجب أن تأخذ حقك منهم وإلا قضيت عمرك كله دون أن توفر ثمن غرفة تسكن فيها ، ناهيك عن ا لزواج والأولاد .
سمير : كفى .. كفى لا تقلب عي المواجع ، إني لا أمد يدي على حرام قط .
معتوق : " يضحك ضحكة خبيثة " ومن قال لك أنك ستمد يدك على الحرام ؟! لابد أن نلتقي غداً وأعرض عليك الخطة ، أنا على يقين أنك ستوافق عليها .
سمير : أرجو ذلك ، وأكرر عليك أنا لا أمد يدي على الحرام مهما كانت الظروف والأحوال .
وفي اليوم التالي التقى الصديقان الحميمان سمير ومعتوق في مقهى الحي ، وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث .
معتوق : أهلاً بك .. أهلاً بك بالصديق الحبيب .
سمير : أهلاً بك .. يا معتوق .
معتوق : إنك فعلاً رجل طيب يا سمير .
سمير : شكراً على هذه الثقة يا صحابي .
معتوق : أنا أحسد تلك الأسرة التي تعمل عندها .
سمير : تسحدهم ؟! على أي شي يا صاحبي .
معتوق : أحسدهم على أنهم وجدوا شخصاً مثلك يعمل عندهم ، طيب وأمانة وعمل جاد ، إضافة إلى ذلك مرتب بسيط لا يكاد يسد الرمق .
سمير : كفاك مناورة ولف ودوران ، هات من الآخر ليس لدي الوقت الكافي للانتظار .
معتوق : حسنٌ ، أنا أعرض عليك أن تمكنني من الدخول إلى القصر الذي تعمل فيه وأنا بدوري أتدبر باقي الأمور .
سمير : ماذا ... ؟! ماذا تعني ؟!! .
معتوق : أقوم بسرقة بعض التحف والقطع الثمينة والمجوهرات وأبيعها وأعطيك نصف ثمنها منحة مني .
سمير : ماذا تقول ..؟! لا شك أنك واحد من شياطين الإنس .
معتوق : لا .. لا يا صديقي لماذا الغلط ؟ أنا أريد أن استرد لك بعض حقك .
سمير : بالسرقة يا معتوق ؟! .
معتوق : لا ... لا يا صاحبي أنا أتحمل وزر السرقة وأنت تأخذا الفائدة فقط .
سمير : ( يقف تاركاً صديقه ) وداعاً أيها .....
معتوق : لا ... لا تكمل سأتحين الفرصة وآتيك إلى القصر .
سمير : لا تفعل لأنني سأطردك .
وتمر الأيام والشرير معتوق يتحين الفرصة السانحة ويراقب القصر الذي يعمل به صديقه سمير ، وفي إحدى الأمسيات وعندما رأى أصحاب القصر يغادرونه في زيارة لبعض الأقارب استغل الفرصة وذهب إلى القصر وطرق الباب .
سمير : أيوه ... من بالباب ؟ .
معتوق : افتح يا سمير ، أنا معتوق .
سمير : ( يفتح الباب ) أنت يا وجه النحس ، ما الذي جاء بك ؟ .
معتوق : ( يدخل بسرعة داخل القصر ) هيا , بسرعة أعمل لنا فنجان قهوة على كيفك من بيت الأكابر .
سمير : فنجان قهوة ! وهل أنت تستحق فنجان قهوة ؟ .
معتوق : هيا ، بدون سماجة ، اذهب إلى المطبخ وقم بدورك بالضيافة .
سمير : إذن اجلس هناك ولا تتحرك من مكانك .
معتوق : أمرك مطاع يا سيد سمير ... ولكن ..
سمير : ولكن ماذا ... ؟ .
معتوق : ألا تسمح لي أن ألقي نظرة على هذا القصر الرائع الذي لم أر مثله طوال حياتي .
سمير : لا يا سيد معتوق اجلس مكانك فقط .
معتوق : أمرك مطاع ، ولكن عجل بالقهوة وبشي من الحلويات .
سمير : قهوة وحلويات يا لك من مفتري !.
معتوق : يا الله يا شيخ ، أنت كريم وأنا استحق الكرم .
وما إن ذهب سمير إلى المطبخ ليعد له فنجان قهوة وإذا بالسيد معتوق قد أخرج كيساً ن جيبه وأخذ يملأ من التحف النادرة و الثمينة حتى امتلأ كيسه ، ولما عاد سمير بالقهوة وجد صاحبه معتوق قد ملأ كيسه بالتحف والقطع الثمينة .
سمير : أرجوك اخرج ودع ما في يدك ، أرجو أن لا تسبب لي فضيحة بعد هذا العمر .
معتوق : أي فضيحة هذه ، هذا حقي وحقك وغداً ستشكرني على هذه المساعدة التي أقدمها لك بالمجان .
سمير : اخرج وإلا صرخت بأعلى صوتي حتى يحضر الجيران وتكون فضيحة لك .
معتوق : لا يا سيدي أنا بالنسبة لي يكفيني هذا الكيس الذي جمعته أما أنت فتخير لك كيساً آخر وسأبيعه لك ، وبينما هما يتحاوران إذا بالباب يقرع وإذا بأصحاب البيت قد عادوا .
سمير : هيا يا معتوق اخرج من الباب عند بئر لماء ( وأشار له إلى موضعه ) .
معتوق : ( ينطلق حيث إشارة له صديقه سمير ثم عاد إليه لاهثاً )
سمير : أيها الأحمق وماذا تصنع ببئر الماء أنا دللتك عليه لتعرف الباب فإذا عرفت الباب فاذهب واخرج منه ولا تفضحني .
معتوق : ولكنك لم تصدقني ، لقد ذكرت بئر الماء ولكني لم أجد بئر الماء .
سمير : لعنك الله ، لص أحمق .
ولم يزالا يتحاوران فيما بينهما حتى فتح صاحب البيت بمفتاح كان معه فوجد سمير وصاحبه اللص الأحمق وبيده كيس ملئ بالمجوهرات والتحف النادرة .
صاحب الدار : ما هذا يا سمير ؟! .
سمير : لص وأحمق .
صاحب الدار : ماذا تقول لص وأحمق ؟! .
سمير : أجل يا سيدي لص وأحمق .
صاحب الدار : ولكه صاحبك الذي تقعد معه دائماً على القهوة .
سمير : أجل يا سيدي ولكنني لم أعرف أنه لص إلا هذه اللحظة .
صاحب الدار : ولكنك كنت تريد إخراجه من الباب الخلفي الذي لا يعرفه أحد .
سمير : أجل يا سيدي لقد دخل رغماً عني فأردت ستر الفضيحة حتى لا يتسرب الشك فيكم .
صاحب الدار : ولكنك أوقعت نفسك في فضيحة أكبر .
سمير : أشهد الله أنني لم أمد يدي على حرام طيلة حياتي ، ولكنه دخل إلى القصر رغماً عني وطلب مني ضيافته بفنجان من قهوة.
صاحب الدار : ( موجهاً كلامه إلى معتوق ) وأنت أيها السيد المحترم ، هل هذا جزاء الصداقة والأخوة ، تقتحم عليه الدار باسم الصداقة والأخوة والمحبة .
معتوق : عذراً يا سيدي ، أنا اللص ، وهذا الإنسان بري ، ولقد حاولت إغراءه مراراً فكان دائماً راعياً لحقوقكم أميناً على أموالكم مخلصاً وفياً في خدمته لكم ، فاضطررت لمداهمة القصر بالحيلة والخداع ، وعندما اكتشف الأمر أخذ يصيح ويستغيث ، أرجوك يا معتوق لا تفضحني بعد هذا العمر ، نعم يا سيدي أنا استحق الجزاء العادل ، وهو لا يستاهل إلا كل خير ( وأخذ يبكي بصوت مرتفع ) .
صاحب الدار : هكذا إذن ( يلتفت إلى سمير ) بارك الله بك وبأمانتك يا سمير .
سمير : أقسم بالله بأن يدي لم تمتد على حرام قط حتى هذه اللحظة ولكنه فاجأني بالحيلة والمكر والخداع ودخل القصر عنوة.
صاحب الدار : شكراً لك على أمانتك فأنت تستاهل كل خير ولك عندي مكافأة قيمة على أمانتك ، أما أنت أيها اللص فسأسلمك للقضاء فهو الذي يتولى أمرك .
وسوم: العدد 808